قبل أيام، أنهت لجنة الإعلام والاتصالات مناقشة البنود المتعلقة بالإعلام المرئي والمسموع ودرسها، في اقتراح القانون الرامي إلى تعديل قانون المطبوعات العائد إلى العام 1962. بعد أشهر من المشاورات داخل اللجنة المعنيّة، وبعد حلّ عقدة التئام اللجان، صار مشروع قانون الإعلام الجديد المرتقب منذ سنوات، على طريق الإنجاز التام. ومن المتوقّع أن يتمّ إتمام اقتراح القانون خلال النصف الأوّل من شهر شباط المقبل.
نقول "قانون الإعلام الجديد"، لأنّه إن وصل إلى الندوة البرلمانيّة وأقرّ، سيكون تغييراً جذرياً في التشريع اللبناني المتعلّق بالإعلام وحريّة التعبير. ستكون تلك المرّة الأولى التي يعرف فيها لبنان "قانون إعلام". التشريعات المعتمدة حالياً، هي قانون المطبوعات الصادر العام 1962، وقانون آخر متعلق بتنظيم الإعلام المرئي والمسموع يعود للعام 1994، ولم تكن مواكبةً للتطور التقني من جهة، ولا لفورة الإنترنت من جهة أخرى. هذه المرة، يشتمل الاقتراح على قانون موحّد للإعلام، أبواب متعلقة بالمطبوعات، والإعلام الإلكتروني، والمرئي والمسموع، إضافةً إلى أبواب تعنى بتنظيم ملكية وسائل الإعلام والأحكام الجزائية والمدنية المترتبة على النشاطات الإعلامية.
اقتراح القانون الجديد يستند بمعظمه إلى اقتراح تقدّم به النائب غسان مخيبر، بالتعاون مع جمعية "مهارات"، كما يتضمّن بعض التعديلات المقدمة من رئيس لجنة تحديث القوانين النائب روبير غانم. بالإضافة إلى إشراك ممثلي الوسائل الإعلامية والنقابات المعنية في صياغة القانون كما أكّد لـ "السفير" رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النائب حسن فضل الله.
تنظيم وسائل الإعلام
وبحسب الاقتراح، أقرّت لجنة الإعلام والاتصالات استبدال نظام التراخيص للمطبوعات والمناشير بنظام "العلم والخبر"، الشبيه بذلك المعمول به بالنسبة إلى الجمعيات، وبالتالي إلغاء امتيازات امتلاك الصحف المنصوص عليها في المرسوم الرقم 74/53. وهو تعديل على قانون المطبوعات الصادر العام 1962، ما يفسح المجال أمام تأسيس المطبوعات الدورية من دون التقيّد بعدد تراخيص معيّن. كما تضمّن مشروع "مهارات"/ مخيبر اقتراحاً يجيز لغير اللبنانيين تملك وسائل إعلامية مع الالتزام بضوابط معينة، إلا "أنّ آراء أخرى داخل لجنة الاتصال والإعلام رفضت هذا الأمر"، يقول النائب غسان مخيبر لـ "السفير". ويلغي القانون الجديد تصنيف المطبوعات الدورية بين سياسية وغير سياسية، كما تمّ إلغاء مواد واردة في القانون الحالي تتعلق بالمطابع ودور النشر بسبب قدم هذه المواد وعدم جدواها في يومنا هذا.
الإضافة الجوهرية في اقتراح القانون الجديد، تأتي في باب تنظيم وسائل الإعلام الإلكتروني، إذ أن القانون الجديد سيسدّ الثغرة التشريعية التي أبقت الإعلام الالكتروني فضاءً غير معترف به قانونياً لفترة طويلة، وارتباط أحكامه تارةً بقانون العقوبات وطوراً بقانون المطبوعات.
لن يتضمّن القانون طلبات تراخيص للمواقع الإلكترونية الإخبارية، بل سيتيح حرية الاختيار أمام صاحب الموقع الإخباري بتقديم "علم وخبر" إلى وزارة الإعلام، "في حال أراد أن يعطي موقعه صفة الجدّية، وكي يتحول إلى مؤسسة إعلامية فعلية"، كما يؤكد النائب فضل الله. جمعية مهارات من جهتها، "كانت تفضّل عدم اللجوء إلى مبدأ العلم والخبر في مسألة الإعلام الإلكتروني، إذ طرحت الاكتفاء بتصريح على الموقع نفسه، يعرض بيانات المؤسسة من أسماء المسؤولين إلى مصادر التمويل"، يقول المستشار القانوني لـ"مهارات" طوني مخايل.
كما أقرّت اللجنة بنوداً متعلقة ببعض المواد الإعلامية كاستطلاعات الرأي وحقّ الردّ، وردت ضمن اقتراحات مشروع "مهارات" وغسان مخيبر. وهذه البنود تلزم وسائل الإعلام التي تعرض استطلاعات رأي في برامجها، أن تشير إلى أنّ نتائج هذا الاستطلاع لا تعكس بالضرورة توجه الرأي العام، إضافةً إلى ذكر تاريخ الاستطلاع وحجم العينة التي أُجري معها، "لأنّ كل وسيلة تلجأ في استطلاعات الرأي إلى جمهورها المحسوب على تيار سياسي معيّن، كما هو حال المؤسسة الإعلامية نفسها"، يتابع مخايل. إضافةً إلى مادة تُعنى بحق الرد تعطي المتضرر فعالية أكبر في نشر ردّه من حيث السرعة وشكل هذا النشر.
المرئي والمسموع
سيواكب القانون الجديد انتقال القنوات التلفزيونية من البث التماثلي إلى البث الرقمي. وسيتضمّن تشريعات للقنوات التي تحوّلت بدورها إلى شبكة قنوات، وهو أمر يحتاج إلى قوننة. وبحسب اقتراح القانون الجديد، لن تتحرّر القنوات من التراخيص المسبقة، وستظل شروط الترخيص على حالها. إلى جانب تحويل صلاحيات "المجلس الوطني للإعلام" من صلاحيات استشارية الى تنفيذية وتعديلات على شروط تعيينه وانتخابه ومواصفاته. سيصبح المجلس، بموجب القانون الجديد، المرجعية الأولى لقطاع المرئي والمسموع، بعد أن كانت المرجعيات موزعة على وزارة الإعلام ومجلس الوزراء والدور الاستشاري للمجلس الوطني (راجع المقال أدناه).
رقابة وحريات
من أبرز بنود اقتراح القانون الجديد، إلغاء عقوبة السجن، والإبقاء على عقوبة الغرامات والتي نصّ اقتراح "مهارات" مخيبر على تخفيضها، وربطها بالحد الأدنى للأجور لعدم الاضطرار إلى تعديلها كل مدّة. كما يلغي في خطوة لافتة، التوقيف الاحتياطي في جرائم الإعلام، كما حصل غير مرة، حين أوقف أشخاص بجرم القدح والذم على موقع "فايسبوك" استناداً إلى المادة 209 من قانون العقوبات التي تحدّد وسائل النشر، كذلك وفقاً لاجتهاد يُدرِج مواقع التواصل الاجتماعي ضمن قانون المطبوعات.
كما تتجه اللجنة في القانون الجديد إلى إلغاء الجرائم والعقوبات المتعلقة بحرية الرأي والتعبير من قانون القضاء العسكري، فتصبح بالتالي المؤسسة العسكرية كأيّ شخص طبيعي أو معنوي يأخذ صفة الإدعاء أمام المحاكم المدنية، في حال تعرّضه لجرمٍ ما من قبل وسائل الإعلام.
ولا يزال بعض البنود الذي يعنى بمسائل الرقابة والحريات عالقاً في لجنة الإعلام والاتصالات. على سبيل المثال، اقترح مشروع "مهارات"/ مخيبر إلغاء الرقابة على المطبوعات الأجنبية (صحف وكتب) إلا أنّ الأمن العام اعترض على ذلك، مع العلم أنّ الرقابة على هذه المطبوعات هي من صلاحيات وزارة الإعلام في القانون الحالي، ما يؤخر البتّ بهذه المادة حتى الساعة.
يرى القيّمون على تعديل قانون الإعلام، أنّ الاقتراح الجديد سيكون ثورياً ولا شكّ في أن القانون سيسدّ عند إقراره ثغرات كثيرة إن لجهة الفراغ الحالي في بعض المجالات التي لم تواكبها التشريعات بعد أو لجهة تحديث الكثير من المواد القانونية التي مرّ عليها الزمن ولم تعد فعالة. إلا أنّ مجرد الحديث عن قانون إعلام جديد يترك إشكاليات عدة منها أن التطور التكنولوجي الهائل في المجال الإعلامي، سيسبق أي تشريعات مهما حاولت الإحاطة بهذا التطور. ومن جهة أخرى يثير الحديث عن قانون إعلام جديد أسئلة عديدة عن إمكانيّات التطبيق، في قطاع إعلامي منساق بوضوح خلف الانقسام السياسي والطائفي.
تعليقات: