شدا خليل وطوني داغر
نضال وخلود لن يكونا آخر العنقود في كرْم الزواج المدني الذي يُصنَع في لبنان. بل هما أوّل حبّتين ناضجتين في هذا العنقود. أما الكرْم فمليء، والقطاف في عزّ موسمه.
إنهما شذا خليل وطوني داغر. عصفوران جميلان، على غرار عصافير الحبّ. عاشقان، وسيغرّدان قريباً على شجرة الزواج المدني، اللبناني الجنسية والعقد و... النكهة.
شذا مسلمة وطوني مسيحي، وقد قرّرا تجسيد حبّهما بالزواج، عبر الارتباط القانوني الرسمي، وخارج المؤسسات الدينية. لا يريدان عقد زواجهما خارج لبنان، بل في فيء القانون المدني اللبناني، وتحت كروم الحبّ، اللبنانية الأرض والتربة والحلم.
في حوار لموقع "النهار" الالكتروني مع العروسين، تؤكد شذا أنهما يعبدان الله ويحترمان الزواج الديني، لكنهما لا يريدان الخضوع لشروط الأمر الواقع. توضح أن قرارهما ليس موجَّها ضد الأديان والطوائف والمذاهب، بل هو تجسيد لمفهوم الحرية الشخصية، وأنهما على استعداد كامل لمواجهة الضغوط الاجتماعية والدينية، والعراقيل القانونية.
تروي شذا أنها، قبل 11 عاماً، ترأست مجموعة من طلاب الهندسة، ورفعت الصوت في وجه إدارة الجامعة، مطالِبةً بتوزيع الحصص الدراسية بشكل منصف. تلك الخطوة الجسورة، حملت شاباً غريباً على الاقتراب منها ليرفع ذراعها هاتفاً: "يا هيك بتكون البنات يا بلا".
هذا الشاب هو طوني داغر، الذي سرعان ما وجدت فيه حلمها المنشود، فوقعت في غرامه، ووقع في غرامها. ومنذ ذلك اليوم، وُلِد بينهما حبّ عميق وراسخ، لا يزال ينمو حتى اليوم. وها هو على وشك أن يطلق تغريدته الآسرة على شجرة الزواج المدني اللبناني.
في تفاصيل الحكاية التي تستحق أن تتحوّل فيلماً سينمائياً، أو مسلسلاً تلفزيونياً، أن شذا، من فرط الحبّ الذي تكنّه لطوني، قررت في أحد الأيام، الإنفصال عنه طوال سنة ونصف السنة، مهدِّدةً إياه بعدم رؤيته مجدداً، إذا استمر يهمل دروسه الجامعية ويرسب في امتحاناته.
ذكرى تلك المرحلة، تعبر مؤلمةً في عيني شذا، لكن تجربة التهديد بالانفصال جعلت طوني مهندسا ناجحا، وهو الثمن الذي كان عليه أن يسدّده من أجل أن يستعيد حبّ حياته.
يضحك طوني للحكاية، ويخاطب حبيبته موضحاً: "عندما بدأتِ تقودين سيارة، لا تنسي يا شذا أني تركتُ قاعة الإمتحانات ورسبت لأردّ على إتصال منكِ يُدخل الطمأنينة إلى قلبي. كنتُ شديد الخوف لأنكِ تقودين للمرة الأولى".
واجه شذا وطوني مشكلات كثيرة مع الأهل والمجتمع بسبب الاختلاف في الدين. يقول طوني: "المشكلة الأساسية كانت فينا. فقد تربّينا على الطائفية".
الآن توصل شذا وطوني إلى اقتناع مفاده أن لا فرق بين أبناء الطوائف، وأن الزواج المدني هو الخطوة الأولى نحو إقامة دولة مدنية.
يشدد طوني على حرية العبادة داخل المنزل، أما خارجه فالكل يجب أن يكون مدنياً.
شذا وطوني سعيدان بشطب الطائفة عند مأمور النفوس. تطالب شذا بإقرار الزواج المدني وتتوجه بالقول إلى مختلف المقامات الدينية والسياسية: "لا يحق لكم سلب اللبناني حريّته الشخصية، ولا تكفير الناس والإستمرار في شد العصب الطائفي لكسب الرعايا. لا شيء يمكن تحقيقه بالإكراه. يحق لنا أن نتزوج مدنياً في بلدنا حيث تتساوى المرأة في الحقوق وأهمها الحضانة والإرث".
يتشارك شذا وطوني السيارة نفسها بعدما باعا الأخرى لتسديد الدفعة الأولى من منزل اشترياه في الجديدة. يتشاركان في تقسيطه وقد فَرشاهُ بعناية وحبّ. ينتظران إقرار الزواج المدني ليكملا الدرب تحت سقفه.
"لن نسافر إلى قبرص، بدنا نتجوّز مدني في لبنان"، قالا لي، وأنا أستأذنهما. قبل المغادرة، وجّها دعوة إلى القراء لمشاركة خلود ونضال، شذا وطوني، وغيرهم، في العرس المدني الذي سيكون موعده في ساحة الشهداء في 13 نيسان.
"عقبال العايزين"... مدنياً.
تعليقات: