سلاح حزب الله وسراياه هو الخطر الأكبر والمشكلة في وجود دويلة اقوى من الدولة (هيثم الموسوي)
الحريري: الله يعينهم
في الذكرى الثامنة لاغتيار الرئيس رفيق الحريري، وجّه الرئيس سعد الحريري خطابا عبر شاشة، افتتح فيه معركته الانتخابية. حاول تقديم نفسه في صورة «المدني المعتدل»، والمتشدد سياسياً في وجه حزب الله
لم يفاجئ الرئيس سعد الحريري جمهوره. لم يزر ضريح والده، ولم يظهر في البيال محيياً الجماهير على طريقة فؤاد السنيورة. لكن الانتظار لم يطل. الشيخ سعد على شاشة ضخمة. الخطاب لم يكن عادياً، لكنه أيضاً لم يكن استثنائياً. أراد منه الرئيس الشاب هدفين رئيسيين: بدء حملته الانتخابية تحت شعار الاعتدال والمدنية، والتمهيد (جدياً هذه المرة) لعودته إلى بيروت. تقمّص الرجل دور المنفيّ قسراً. حاول الإيحاء بأن بقاءه في الخارج هو فعل نضال، وأن عودته ستكون فعل نضال أيضاً: «الله يعينهم بس ارجع». يُسَجّل له جنوحه نحو خطاب الاعتدال، وتبني الطروحات التي تُسمى في لبنان مدنية: بعد الزواج المدني، تمكين المرأة من منح جنسيتها لأبنائها. «نحن تيار معتدل، ولن يجرّنا احد إلى التطرف». ممتاز! لكن يبدو ان الحريري، ومن شاركوه صياغة الخطاب المكتوب له، لا يفرّقون بين الشعار وبرنامج العمل. شعاره الاعتدال، اما برنامج عمله، فخالد ضاهر ومحمد كبارة وغيرهما. هل أحصى الحريري يوماً عدد كلمات «طائفة» و«أهل السنة» و«نحن مستهدفون» و«مناطقنا» وغيرها من مكونات الحقل المعجمي المذهبي التي ترد في خطابات نواب تياره ومسؤوليه؟ لا هم. المهم هو الشعار الذي يحضر مجدداً في حديثه عن العلاقة بين حزب الله والرئيس نجيب ميقاتي. فالأخير، برأي سلفه، حصل على رشوة وزارية من الحزب لقاء ثلاثية «الحزب والجيش والمقاومة». مهلاً. أليست هذه العبارة هي ذاتها التي وردت في البيان الوزاري لحكومة الحريري نفسه، وحكومتيه اللتين ترأسهما السنيورة؟ ما هي الرشوة التي حصل عليها الرجلان من الحزب؟ ليست رشوة، بل إرادة ملكية.
شعار آخر رفعه الحريري أمس، مستعيراً من الحملة التسويقية للذكرى: الحلم. أخبر الجمهور بأن والده الرئيس الراحل رفيق الحريري كان يحلم بألا تبقى الكهرباء والهاتف والطرقات والمستشفيات والمدارس والجامعات والوظائف أحلاماً يلاحقها اللبنانيون. هذا شعار انتخابي جميل، وبراق. لكنه يليق بنجاح واكيم، لا بمن أمسك بالسلطة طوال 18 عاماً من أصل السنوات الـ21 الأخيرة، وكان شريكاً، بشكل أو بآخر، في السنوات الثلاث الأخرى.
يُسَجّل للحريري أيضاً اعترافه بانتشار السلاح في كل لبنان. لكنه قصد من وراء ذلك حشر سلاح المقاومة في إطار مذهبي. توجه إلى «الشيعة» قائلاً إن السلاح لا يحميهم. هل سمع يوماً كلاماً مشابهاً؟ يخترع الرجل نظرية لتصديقها ثم البناء عليها. والشيعة باعتراف الزعيم الشاب موجودون في لبنان منذ أكثر من ألف عام. وهو يريد تعزيز الاعتدال بينهم. شعار «لمّيع» آخر. لكن أين برنامج العمل؟ إنه في التحالف الرباعي وفي رفض أي صيغة جدية للنظام الانتخابي النسبي، الذي وحده يتيح للشيعة الذين يعترف الحريري باعتدالهم أن يرفعوا صوتهم.
عودة إلى السلاح، على شعار «الجيش اللبناني وحده» يحتكر القوة. مرة أخرى، لا يلتفت الحريري إلى برنامجه الذي ظهر جلياً عندما كان فريقه ممسكاً بالسلطة، سواء في عهده أو عهد سلفه (السنيورة). حينذاك، كان تعامله مع الهبة العسكرية الروسية أبلغ دليل على شكل الدولة التي يريد الحريري وفريقه الساسي العبور إليها، وعلى القوة التي يرى أن الجيش يحتاجها للدفاع عن لبنان. فعندما عرضت موسكو تعزيز سلاح الجو اللبناني (أو وضع اللبنة الاولى له لأن لا سلاح جو في لبنان)، رحّب الحريري بها. سعى إلى تحويل الهبة شعاراً في وجه حزب الله. لكن التنصل من العرض الروسي لم يكن بحاجة إلى أكثر من همسة اميركية، وتربيتة على الكتف.
الهجوم الأعنف على حزب الله
في كلمته أمس، شن الحريري هجوماً عنيفاً على سلاح المقاومة وحزب الله، معلناً أنه «سيكون الى جانب 14 آذار في معركة الانتخابات المقبلة مهما كان القانون ومهما كانت التحديات واشتدت المخاطر». وأشار رئيس الحكومة السابق إلى أن تيار المستقبل بادر «إلى تقديم اقتراحات واضحة تقضي باجراء تعديلات دستورية تؤدي لالغاء الطائفية السياسية وانشاء مجلس شيوخ واعتبار اعلان بعبدا بشأن حياد لبنان جزءا من مقدمة الدستور، اما حصرية السلطة في يد الدولة اللبنانية ومؤسساتها فهي بيت القصيد في كلمتي اليوم».
وحمل الحريري على السلاح معتبراً أن «سلاح حزب الله وسراياه هو الخطر الأكبر، وحزب الله يرفض الاعتراف بهذا الامر». وبرأيه أن «كل لبناني قادر ان يرى ان المشكلة ليست خطأ قاتلا في عرسال بل المشكلة أن سلاحا قاتلا منتشرا في عرسال بحجة وجود دويلة اقوى من الدولة». ورأى الحريري أن «حزب الله مستعد لتقديم رشوة وزارية لرئيس الحكومة على حساب حصة الحزب، لقاء ان تتشكل حكومة لا تقترب من السلاح وهو مستعد لمجاراة حليفه ميشال عون بالقانون الارثوذكسي ليبقي البرلمان تحت سقف السلاح، وهو مستعد لأن يمرر تمويل المحكمة الدولية في الحكومة ويتناسى لوليد جنبلاط حملاته السابقة وموقفه من نظام الاسد لقاء ان يبقى السلاح خارج التداول». وأشار الحريري إلى أن الدولة «لا يمكن أن تعيش فوق غابة من السلاح غير الشرعي أي سلاح حزب الله وسلاح فتح الاسلام ومن هم على صورة فتح الاسلام».
ولفت الحريري إلى أن «المحكمة الدولية تتقدم والمجرمين سينالون العقاب عاجلاً أم آجلاً، هل يعقل ان يمنع حزب الله حتى اليوم تسليم المتهم بمحاولة اغتيال النائب بطرس حرب؟»، مشدّداً على أن «أي إنكار لوجود وظيفة مباشرة لسلاح حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية هو انكار لجوهر المشكلة».
وعن الانتخابات، قال الحريري «سنحوّل الحلم الى حقيقة والخطوة الأولى هي الانتخابات النيابية التي نخوضها مع بعضنا ومع حلفائنا في 14 آذار ومع اللبنانيين المؤمنين بالدولة المدنية». وأضاف: «قدمنا مبادرة لكن مشروعنا لا يقف عندها... مشروعنا هو أن نعطي الشباب والشابات حق الانتخاب بعمر 18 سنة، وأن نعطيهم ببلدان الانتشار حق استرجاع الجنسية اللبنانية، وإعطاء المرأة اللبنانية مواطنيتها الكاملة بما فيها الحق أن تعطي أولادها جنسيتها». وأكد الحريري أنه سيعود إلى لبنان قريباً.
تعليقات: