الدكتور بسيط أثناء غرس الكرمة.
الأخوان الطبيبان بسيط يقدّمان نموذجاً للعودة الى الجذور
من زرع الأسنان الى زرع الدوالي وعنب المائدة
راشيا الفخار –
كروم العنب والخير تجدد شبابها في راشيا الفخار مع الاخوين الطبيبين روجيه وسامي بسيط، اللذين قررا العودة الى الارض والتمسك بها واستثمارها بطريقة علمية، لأنها تقدم النموذج الصالح والافضل لكل من يفكر ويعمل من اجل تعزيز بقاء اللبنانيين في اراضيهم وبلداتهم، والمضي قدماً نحو التطور والحداثة. وعلى نقيض كثر ممن يقدمون على بيع اراضيهم بأبخس الاثمان من دون اي اعتبار للارث الاخلاقي والوطني الكبير الكامن في المحافظة على الارض وتطويرها وعدم بيعها كسلعة الى القاصي والداني، كان قرار الطبيبين.
قصة ما يقوم به الاخوان بسيط تستحق ان تروى عبرة لكل المتمولين والاثرياء والسماسرة، وعبرة لكل كنائس لبنان لكي تتعظ وتعي ان الارض يمكن ان تكون مصدر عيش ومورداً للحياة الكريمة، اذا احسن التعامل معها بمنطق العلم والرؤية المستقبلية والتخطيط. فرغم الاوضاع السياسية والاقتصادية المضطربة، والتي لا توحي بالاستقرار ولا تشجع كثيراً على الاستثمار في اي من المجالات، يبقى هناك رجالات يقدمون على اجتراح الحلول التنموية والاقتصادية والعودة الى التراث والى الارض والى الاهل، ومنهم روجيه وسامي بسيط طبيبا الاسنان، اللذان انتقلا من جراحة طب الاسنان وزرعها الى زرع دوالي العنب، في محاولة عملانية للفت اهالي منطقة حاصبيا والعرقوب الى ان فيهم قوة اذا فَعّلوها لغيّروا وجه الواقع، خصوصاً في المجال الزراعي، في منطقة تعد زراعية بامتياز منذ فجر التاريخ.
يقيم الطبيبان بسيط في بيروت، ويتوزع عملهما في حقل الطب، التعليم الجامعي، بين بيروت وابو ظبي. ورغم انهماكهما في المهنة وموجباتها، الا انهما بقيا على تواصل حميم مع بلدتهما راشيا الفخار، مسقط عائلتهما وحيث يقيم والدهما طبيب الاسنان المتقاعد نظير بسيط. ولأن من يحب ارضه ووطنه لا يجب ان يكتفي بـ "التنظير من بعيد الى بعيد، قرر الاخوان الإقدام على خطوة غير مسبوقة في الاستثمار الزراعي في منطقة حاصبيا، من خلال على استصلاح 120 دونماً من الارض في خراج راشيا الفخار، وعمدا، بعد اجراء البحوث والتحاليل على انواع التربة المتوافرة، الى اطلاق مشروع زراعة عنب المائدة الفاخر. وهكذا استقدما نصوباً من الكرمة من المشاتل الايطالية، ومعها سقالات الحديد والاشرطة وشبكة الري "بالنقطة"، وكل ذلك تحت اشراف مهندسين اختصاصيين في هذه الزراعة من منطقة البقاع المشهورة بزراعة العنب على اختلاف انواعه واصنافه الفاخرة.
موسم الزراعة
لأن الطقس المشمس في كانون الثاني يلائم زراعة الكرمة شمر الاخوان بسيط عن سواعدهما ونزعا ثياب الاطباء البيض واستبدلاها بثياب العمل، ونزلا مع ورشة العمال ووالدهما نظير الى الحقول لغرس النصوب الكثيرة والتي بلغ عددها 12 الفاً ونيف. يشرح الدكتور روجيه بسيط، والذي يشرف شخصيا على التنفيذ في موقع العمل، لـ"النهار" اهمية هذا المشروع وفكرته قائلاً: "لدينا مساحات واسعة من الارض غير مستثمرة ورثناها من الأجداد، فاستشرنا اختصاصيين زراعيين واناساً آخرين على علم بالزراعة، فنصحونا بالعنب، لأن اسواقه واسعة من نوع "سابيرير" اي ابيض من دون بزر، والقليل من العنب الأحمر وايضا من دون بزر. والنوعان للاكل فقط ويسميان عنب المائدة ولا علاقة لاستخراج الكحول منهما او الدبس على انواعه".
اما سامي بسيط فيؤكد ان الزراعة لم تعد مجرد تقاليد فقط، بل تحتاج الى العلم والتحليل لمسارها ونتائجها،. ويشرح، بدوره، "ان كل الدراسات أكدت كثرة الطلب على هذا النوع من العنب، وفي اسوأ الاحتمالات يباع كل كيلوغرام منه في ارضه وبالجملة دولارين على الاقل، فيما يصل سعره بالمفرق في الاسواق الى اكثر من سبعة آلاف ليرة في بيروت وغيرها. وثمة امكان لتصديره الى الخارج لأن الطقس المشمس في الجنوب اظهر امكان نضوج المواسم باكراً وقبل اي دولة اخرى بشهر على الاقل وهذا ما يجعل منه مورداً اقتصادياً مهماً ويتم قطافه ابتداءً من الخامس من حزيران". واضاف شارحاً، ان استثمار 120 الف متر مربع من الكرمة في هذا المشروع يجب ان يؤدي الى انتاج 600 طن سنوياً، وخصوصاً في السنوات الرابعة والخامسة وما فوق".
ويشدد الاخوان بسيط على اهمية الجدوى الاجتماعية والاقتصادية لهذه المشاريع، خصوصاً ان المشروع مراقب على مدار الساعة بأحدث الطرق والآليات التي تحافظ على نموه واستمراره. ويأملان ان يكون هذا التحدي في محله، وخصوصاً ان ثمة مساحات واسعة غير مزروعة لدى المقيمين في راشيا والقرى المجاورة. والامل ان يشكل هذا المشروع نموذجاً يدفع المزارعين والملاكين الى التوجه نحو استثمار اراضيهم في الزراعة، لأن في ذلك خيراً وانتاجاً وفيراً ويتوقفون عن الهجرة الى المدينة والمغتربات وتتم مواجهة البطالة. وفي رأيهما ان ثمة الكثير من المشاريع المنتجة في الريف اللبناني والتي تدر اموالاً طائلة غير العنب، وان اللبنانيين يجب ان يتوقفوا عن التفكير في الاستثمارات في المجال العقاري ولا بد من العودة الى الزراعة لانها الأساس.
مبادرة الاخوين بسيط اثارت اهتمام الكثير من المعنيين بإنماء الريف في منطقة حاصبيا – مرجعيون، ومما لا شك فيه ان هذه الارض ستكون خصبة جداً لانها غير مستثمرة سابقاً، ويبقى ان الوالد الدكتور نظير بسيط ابن 93 عاماً هو الذي يحضّ اولاده على حب بلدتهما ولبنان ويدفعهما للعودة الى الجذور...
كروم غرست حديثاً في راشيا الفخار.
تعليقات: