جزرة «البناء المستدام» و«طابق الميقاتي»... الخطر نفسه

وزير الأشغال العامّة والنقل غازي العريضي
وزير الأشغال العامّة والنقل غازي العريضي


تحت غطاء البناء المستدام، أعدّ وزير الأشغال العامّة والنقل غازي العريضي مشروع قانون من وحي «طابق ميقاتي» يقضي بزيادة عامل الاستثمار في العقارات المنوي تطويرها. يُناقَش اليوم في الجلسة الحكومية الاستثنائية المخصّصة لدراسة مصادر تمويل سلسلة الرتب والرواتب. «إعطاء حوافز للأبنية المستدامة» هو عنوان المشروع الجديد. يقوم على إغراء المطوّرين العقاريين بزيادة مردود استثماراتهم بشرط احترام ثمانية شروط تتعلّق بالبناء المستدام. وهذه الشروط هي: أوّلاً تأمين شروط العزل الحراري للمبنى. ثانياً، تأمين خزان لجمع مياه الشتاء وتخزينها. ثالثاً، تخصيص مساحة حديقة خضراء على أرض العقار بنسبة 30% من باقي أرض العقار بعد البناء (وهذا يعني أن الحديقة يُمكن أن تتقزم إلى 10 أمتار مربعة فقط أو أقلّ!). رابعاً، استعمال الطاقة البديلة لإنارة الأقسام المشتركة في المبنى. خامساً، تجهيز البناء بمحطة تكرير للمياه المبتذلة وجمعها في خزان لإعادة استعمالها (وهو شرط بعيد جداً عن المنطق نظراً لوجود شبكة صرف صحي في المدن ومعامل تكرير غير مستعملة). سادساً، تأمين غرفة لجمع النفايات بمعدّل 200 ليتر لكل وحدة سكنية. سابعاً، معالجة السطوح للناحية المعمارية في حال عدم وجود قرميد. ثامناً، تجهيز الطوابق السفلية المعدّة للمواقف ولخدمة البناء بأجهزة إنذار وإطفاء حريق (!).

أضحت تلك الشروط التحفيزية أساسيّة في تشييد المباني الحديثة في معظم البلدان. ويبدو مثيراً للتهكّم أن تظهر وكأنها طارئة على قطاع البناء وانعكاساته العمرانية والاجتماعية والثقافيّة، في دوامة سلسلة الرتب والرواتب.

ولكن إذا كانت تلك الشروط مطلوبة في المطلق، تشكّل الجزرة المقدّمة مقابلها الخطر نفسه على الحياة المدنية بمعناها الشامل، كالذي يُشكّله اقتراح «طابق ميقاتي» الأساسي والذي رفضه رفضاً قاطعاً المجلس الأعلى للتنظيم المدني.

ففي مادّته الثانية يتحدّث الاقتراح الجديد عن أنّ المطوّرين الذي يحترمون شروط «البناء المستدام»، يُمكنهم الإفادة من هديّة تأخذ أحد الشكلين التاليين، طبقاً لمصلحة المطوّر وشروط الحدّ الأقصى للارتفاع.

أوّلاً، زيادة عدد الطوابق بنسبة 10% من عدد الطوابق الإجمالية التي تدخل في عامل الاستثمار على ألا تقل هذه الزيادة عن طابق واحد. ويُعدّ كسر الطابق الذي يفوق النصف طابقاً كاملاً (إذا كان عامل الاستثمار يتضمن 16 طابقاً، يُمكن للمطوّر أن يُضيف طابقين كاملين – لأنّ نسبة الـ10% تضمن 1.6 طابق).

ثانياً، زيادة عامل الاستثمار العام بنسبة 25% على أن توزّع هذه الزيادة بالتساوي على عدد الطوابق المسموح بها في نظام المنطقة.

أما الهدف الرئيسي من المشروع فيظهر في مادّته الثالثة التي تنص على أنّ مالك العقاري يتوجّب عليه دفع 80% من قيمة الأرض الوهمية للمساحات الإضافية على أن تُخصّص 10% من تلك المبالغ للبلديات و90% لخزينة الدولة.

هذا المشروع كسابقه قد يؤمّن الإيرادات للخزينة العامّة ولكنّه يُمعن في تشويه الحياة المدنية في المناطق المركزيّة، ويزيد تدهور الخدمات العامّة بزيادة الكثافة السكانية.

وربّما فات معدّيه تدهور مؤشّر قابلية الحياة في بيروت على نحو خطير. فالعاصمة تحلّ أخيرةً بين 42 مدينة في مجموعة الفئة العليا من البلدان المتوسطة الدخل لناحية نوعية بنيتها التحتية. وهي واحدة من خمس مدن عربية تظهر بين أسوأ 20 مدينة عالمياً وفقاً لشركة الاستشارات العالمية «Mercer»؛ 92% من المدن التي يشملها مسح هذه الشركة تتفوّق على بيروت لناحية نوعية البنية التحتية المتوفّرة.

المشروع الجديد الذي لا يترافق مع خطط موازية لتعزيز الخدمات العامّة سيدفع بيروت من دون شكّ أكثر إلى أسفل تلك اللائحة.

على أي حال، وفقاً لمصادر وزارية ليس المجلس الأعلى للتنظيم المدني في وارد الموافقة على هذا المشروع. وهو أساساً كان قد رفض الصيغة الأولى لمشروع زيادة عامل الاستثمار العام في العقارات غير المبنية الذي طُرح في أيلول عام 2012، وسُمّي «طابق الميقاتي».

ينصّ هذا الاقتراح على إمكان زيادة عدد الطوابق في المشاريع المخطط لها أو التي يجري تنفيذها، بنسبة 10% (أي بحدّ أدنى يبلغ 6.6% في حال كان عدد الطوابق الأصلي 15 طابقاً، وبحد أقصى يبلغ 100% في حال كان البناء مؤلفاً من طابق واحد).

حينها نسف المجلس المشروع. وشدّد في مطالعته على أنّ «فكرة إنتاج أرض وهمية بهدف تأمين إيرادات ماليّة... يُعتبر مقاربة غير تنظيمية». وقال إنّ «زيادة كثافة البناء وبالتالي الكثافة السكانية يعزّز الاختلالات القائمة: البنى التحتية غير الكافية، الاختناقات المرورية، التدهور البيئي ونوعية الحياة في المدن».

أكثر من ذلك، ذهب المجلس إلى حسم أن المشروع المقترح يؤدّي إلى «انقراض» الأبنية التي أنشئت في الأربعينيات في المناطق المدينية المركزية. كذلك غرف المجلس من «التجارب السابقة» ليجزم أن المشروع لن يؤدّي، حسبما يفترض معدوه، إلى «خفض أسعار الوحدات السكنية».

تعليقات: