طرابلس: التحديات الأمنية تبلغ ذروتها

طوق أمني حول مكان عثر فيه على قنبلة غير منفجرة («السفير»)
طوق أمني حول مكان عثر فيه على قنبلة غير منفجرة («السفير»)


بلغت التحديات الأمنية ذروتها في طرابلس مع تنامي «الخروق» المتمثلة باستمرار مسلسل رمي القنابل اليدوية، خصوصاً بعدما تجاوز الأمر استهداف بعض المناطق «بالمفرق»، أي بإلقاء قنبلة بين الحين والآخر كما كان يحصل سابقاً، إلى استهدافها «بالجملة»، كما حدث مؤخراً في معرض طرابلس، وزيتون أبي سمراء، وطلعة الرفاعية مساء أمس الأول، حيث قام مجهولون برمي ثلاث رمانات يدوية دفعة واحدة، بعضها انفجر وبعضها الآخر لم ينفجر.

وأمس، أقدم مجهولون على رمي قنبلة يدوية في شارع سوريا. ووقع إشكال فردي في الزاهرية، تطوّر إلى إطلاق نار، أدى الى إصابة ثلاثة أشخاص.

وفي إحصاء غير رسمي سجــل منذ مطلع العام 2013 وحتى الأمس، رمي 30 قنبلة يدويــة في أرجاء مخــتلفة من طرابلس، 13 منها في أبي سمراء، انفجر منــها 25 و5 لم تنفــجر. وقام الخبير العسكري برفعها من مكانها، أي بمعدل قنبلة وأكثر كل يومين، إضافة إلى العثور على مواد للتفجير في محيط قلعة طرابلس، وقنابل قديمة العهد غير منفجرة في الميناء.

ولا شك أن ما تشهده طرابلس من فلتان أمني، سواء برمي القنابل أو بالإشكالات الأمنية المتلاحقة، إضافة لإطلاق الرصاص في بعض المناسبات وخلال الإطلالات التلفزيونية للشخصيات السياسية، وقطع الطرق شبه اليومي، والمخالفات المستشرية في كل المناطق بأغطية سياسية وأمنية، فضلاً عن الشائعات التي تسير فيها كالنار في الهشيم حول «إمارة» هنا و«أمير» هناك، والتسابق الى التسلح، والحديث المتنامي عن المناطق المقفلة على الجيش السوري الحر، وعلى المتشددين الإسلاميين.. كل ذلك بدأ ينعكس سلباً على يوميات المدينة، وشللاً على حركتها الاقتصادية، ومقاطعة غير معلنة من قبل أبناء الأقضية الشمالية.

ويأتي ذلك بعدما صار هاجس الخوف ملازماً لكل أبناء المدينة وزوارها، الذين كانوا حتى الأمس القريب يحسبون حساب معارك المناطق الساخنة في التبانة وجبل محسن في الحين والآخر، ليجدوا أنفسهم اليوم محاصرين بالخروق الأمنية المتلاحقة، وبرماة القنابل الذين يبدو أنهم تخلوا عن احتياطاتهم، وباتوا يخرجون في أوقات مبكرة من الليل لينشروا الرعب بتفجيراتهم، وفي أماكن مأهولة، متحدين بذلك كل الإجراءات الأمنية المتخذة من قبل الجيش اللبناني. وتشير مصادر أمنية لـ«السفير» إلى صعوبة بالغة في ملاحقة أو كشف رماة القنابل، فلا يستطيع أي جيش أو جهاز أمني أن يضع عسكرياً في كل حي أو في كل زقاق في المدينة، خصوصاً أن عملية رمي القنابل تتم عبر مجهولين يستقلون دراجات نارية أو سيارات بزجاج داكن، لافتة الانتباه الى أن جهوداً مضنية تبذل من قبل الجيش والأجهزة الأمنية لمعرفة الفاعلين، وهي تعمل على نشر دورياتها في كل المناطق بشكل يومي علها تتمكن من رصد العابثين بالأمن وإلقاء القبض عليهم ومعرفة الجهات التي تقف خلفهم.

وتؤكد المصادر نفسها أن ما تشهده طرابلس لا يعتبر فلتاناً أمنياً، بقدر ما هو محاولات لضرب هيبة الأمن في المدينة، خصوصاً أن رمي القنابل يتم في فترات الليل ولا يستهدف مصالح أو مؤسسات معيــنة أو أي من المواطنين، باستثناء القنبلة التي رماها مجهولون على «مركز أهل النصرة» في القبة قبل ثلاثة أيام، مشيرة إلى أن التدابير الأمنية المتخذة في المناطق الساخنة في التبانة والقبة وجبل محسن والمنكوبين نجحت في وضع حد للتوترات والخروقات بشكل شبه كامل، وربما ما تشهده المدينة هو بدل عن ضائع، لإبقائها في حال توتر دائمة، لاستثمار ذلك عندما تدعو الحاجة، مشددة على عدم وجود التساهل مع المخلين بالأمن أو تغطية أي منهم، داعية كل أبناء طرابلس التنبه لخطورة ما يجري، والى حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق القوى الأمنيــة في ظل هذه الظروف الصعبة والدقيقة.

ثمة نقاش كبير يدور بين الأوساط الطرابلسية على خلفية النشاط المطرد لعمليات رمي القنابل اليدوية الليلية، ويركز على صعوبة مهمة القوى الأمنية في وضع حد لمسلسل الرعب الذي تشهده المدينة منذ فترة أقله في المدى المنظور، خصوصاً في ظل الخلاف المستحكم على قانون الانتخابات، وانعكاسات الأزمة السورية على المدينة، وتداعيات ما حصل في عرسال، وتنامي الحركات الإسلامية المتشددة وانقسامها على بعضها البعض وارتباط كل منها بجهة معينة، والانتشار الأفقي للسلاح في المدينة، والمحاولات السياسية من قبل بعض الأطراف الرامية الى إضعاف الجيش اللبناني وضرب هيبته.

ويخلص النقاش إلى سلسلة تساؤلات تحتاج الى من يجيب عليها لاستشراف المرحلة المقبلة، وهي: كيف يمكن للجيش اللبناني أن يضرب بيد من حديد كل من يعبث بالأمن وأن يستفيد من الغطاء السياســي الممــنوح له على أعلى المستويات، وهناك أطراف لبنانية لا تنفك تحرّض عليه وتتهمه بالانحياز لفريق من دون آخر؟، وكيف يمــكن للجــيش أن يحفظ الأمن كاملا في ظل وجود نواب يفتــشون في هوية الضباط وعن مذاهبهم للتحريض عليهم عند القيام بأي عملية أمنية؟، وكيف يمكن للجيش أن يقوم بدوره كاملاً في ظل الأغطية السياسية الممنوحة لأكــثرية المخلــين بالأمن؟ وكيف للمؤســسة العسكرية أن تلقي القبــض على بعض المشتــبه بهم في ظل التدخلات السياسية الــسريعة بهدف الإفــراج عنهم، حتى قبل التحقيق معهم، والتي غــالباً ما تلجأ الى تحريك الشارع والى إقفال الطرق وحرق الإطارات للضغط على الجيش في ذلك المجال؟ وكيف يمكن للجــيش أن يتــعاطى مع موازين القوى المستجدة في طرابلس؟ وكيف يمكن له أن يتصدى للمسلحين المنتشرين في كل مكان من دون إراقة الدماء؟ وهل تستطيع القيادات السياســية أن تتحــمل مثل هذه مغامرات؟..

ثم كيف يمكن ضبط الأمن في مدينة، تجتاحها السيارات ذات الزجاج الداكن، ومن دون لوحات تعرّف عنها، وذلك من دون حسيب أو رقيب؟ وكيف يمكن ضبط الأمن في مدينة تنتشر فيها الدراجات النارية بشكل أفقي من دون أن تراعي القوانين أو السلامة العامة؟ وكيف يمكن ضبط الأمن في مدينة تتخذها تيارات سياسية منصة لاستهداف الحكومة اللبنانية ولدعم المعارضة السورية المسلحة؟، وكيف يمكن ضبط الأمن في مدينة تشعر شريحة كبيرة منها بأنها مستهدفة من خلال عدم إغلاق ملف الموقوفين الإسلاميين؟

ذلك الواقع يجعل طرابلس في وضع لا تحسد عليه اليوم، وهو يتطلب تدابير جدية واستثنائية وسريعة تقوم بها كل القيادات السياسية والدينية والاجتماعية، بالتعاون مع المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية للتوافق على خطة أمنية متكاملة تضع حداً لما يجري، بهدف حماية المدينة وأهلها مما قد يسفر عنه الاستمرار بهذا الفلتان الأمني، والحفاظ على ما تبقى من اقتصاد وتجارة وسياحة فيــها، وإلا فإن الأمــور مرشحة إلى مزيد من التــدهور في ظل وجــود بعض أصحــاب الأجندات الذين قد يقــودون المدينــة الى مغامــرات لا تحمــد عقبــاها.

وأمام هذا الضغط الأمني بدأت الأصوات تتعالى في طرابلس من أجل إيجاد الحلول الناجعة لحالة عدم الاستقرار، وفي هذا الإطار طالب ملتقى الجمعيات الأهلية في طرابلس، خلال اجتماع له في مقر «اتحاد الشباب الوطني»، القوى الأمنية ممارسة صلاحياتها في إيقاف المخلين بالأمن وعدم التساهل في تطبيق القوانـين المرعية الإجراء.

وكان المشاركون في الاجتماع قد تداولوا في الفوضى الأمنية التي تعيشها المدينة ودور الأجهزة الأمنية في ملاحقة المعتدين على أمن واستقرار وسلامة المواطنين، وتباحثوا في حيثيات الاعتداء المسلح الذي تعرض له أحد موظفي «المستشفى الإسلامي» وعضو الملتقى خالد المصري.

تعليقات: