كعادتك أيها الشيخ تكاد تكون نهاراً في هذا الوطن الليل.
كعادتك لا تنصرف إلى جهات الغابة، حيث يميل البحر على اليابسة بخشونة، وحيث لا يلاطف الربيع الوقت، وحيث لا تدق الذكريات على باب الذاكرة.
كعادتك بقيت على مسرح المقاومة تقف شامخاً على أرضها ترفض أن يتحوّل انتباهك عن صيدا وعن صور وعن كل الجنوب إلى الجهات الحبلى بالطائفية والمذهبية والفئوية...
كعادتك بقيت متأهباً على سلاح الصمت ترفض أن تبعثر الكلام على محاور الحروب الصغيرة التي توزع وتتوزع على الوطن.
كعادتك مثل الضوء كنت: صريحاً مباشراً، واضحاً، محباً، متسامحاً، متواضعاً، حاضراً في ساحة الوطن ودائماً في لحظة العدوان.
كعادتك وأنت تقف على منبر مصلّى الجنوب كنت قبلته التي تبشّر ببراءة ترابنا وأطفالنا وبطهارة أنهارنا وينابيعنا وكنت خطيب حكاياتنا عن موتنا الشهي على محاور حدود الوطن من اللبونة إلى عيتا الشعب ومارون وبنت جبيل والطيبة والغندورية الى شبعا والهبارية وكفرشوبا حيث صلى مؤسس المقاومة الإمام الصدر.
وكنت خطيب حكاياتنا على امتداد حدود المجتمع حيث لن نستكين طالما بقي محروم واحد وطالما بقي الاستئثار والظلم والتسلط.
كعادتك كنت تعرف كلمة السر التي تفتح أبواب صيدا شرط أن تقال من القلب إلى القلب وكانت كلمة السر ولا تزال الحقيقة:
حقيقة أن صيدا عاصمة المقاومين
حقيقة أن صيدا أحرقت نفسها وما استسلمت للغزاة
وحقيقة أنك صيدا التي لا تنكر رفيق الحريري ثلاثاً قبل صياح الديك أو صياح البحر على شواطئها.
وحقيقة أن صيدا والجنوب ولبنان وطناً أكبر من حكومة أو سلطة وأكبر من قراءة الدموع.
وكعادتك ودعتنا بكل اللطافة التي نعهدها فيك وانصرفت إلى موتك الناضج بشموخ كأنك الجنوب... بل هو أنت.
فوداعاً يا مفتي الجنوب ويا سماحة المقاوم
كذا كان اسمك «جلال» «الدين».
(٭) رئيس مجلس النواب
تعليقات: