سماحة السيّد حسن نصرالله
لماذا بِليلٍ خلفه الليلُ قاتمُ خرجتَ وحيداً بينما الموتُ داهمُ
وقَبلَكَ لم ينجُ امرؤٌ من ذئابه وكم عندَه خابت جيوشٌ خضارِم
كأَنّك ما آنست إلاّ بِخَوضه نهايةَ باغٍ أدمنته الجرائم
فرُحتَ بعصفٍ منك تُلهبُ نارَه وأنت بقلب النار نارٌ تُلاطِم
وعينُك في ليلٍ وراءَك جامحٌ به الغدرُ والانيابُ فيه نواهمُ
فذا خائنٌ باع الغزاةَ ضميرَهُ وذاك لهُمْ مستسلمٌ لا مُسالمُ
وأولاءِ، أولاءِ المُراؤُون عَبرَهُ ثعابينُ لكِنْ ملمسُ الجلدِ ناعم
فتحتارُ في قومٍ خرجت لأجلهم فهل تتّقيهِم حين عنهم تُقاوم
لقد جاء هذا الليل اقسى ضراوةً عليك وقد جاءت أشدَّ المظالِم
وتمضي وقد هالَتْك منه استكانةٌ لأُِمّةِ خيلٍ أنهكَتْها الهزائم
وهالَكَ شعب مُثخَنٌ بجراحِه وعرشٌ به يخشى الكرامةَ حاكِم
وكونٌ مُريبٌ لا يحرِّكُ ساكناً ووحشٌ على صدرِ الملايين جاثِمُ
وهالَكَ مقتولٌ رأَوا فيه قاتلاً وهالَكَ مظلومٌ شكا منه ظالم
وأنت وفي الليلين ما فيهما فلا ظهيرٌ، ولا إلاّ الحسينُ وفاطِمُ
نهضْت على ومضٍ تخَفّتْ نجومُه إماماً تُصلّي الفجرَ والكلُّ نائم
* * *
فمن سيِّدي إلاّك يركبُ مركباً كهذا، على ماذا تُرى أنت عازمُ
وأيُّ ضحىً من ثلجِ كفيّك ساطعٌ غداً، وغدٍ من وهجِ عينيك قادِمُ
ومن أنت حتّى من سناك توهجّت شعوبٌ وماجت من صداكَ عواصِم
ومن أيِّ قولٍ منك مهما يكُن لِمَ؟ تُعادُ حساباتٌ ويحتاطُ عالَمُ
وانت وحيدٌ لا بل العفوَ سيّدي فحسبُك بعد الله تلك البراعم
وحسبُكُما لِلَّيل ذاك منارةٌ ضياها غريبٌ أسودُ اللونِ فاحِمُ
وما دام ضوءَ الليلِ ليلُ عمامةٍ ومُصحفُ ربٍّ من أذَى الغّيِ عاصم
فَأَيّاً تكُن أخطارُ دربِك فلتكُن فما همّ، فامضِ، إنّ جَدَّك هاشِمُ
أيا سيداً إن قال لا شكَّ فاعلٌ ولا شكَّ أنّ الله في الفعلِ حاسم
فَقولُك موثوقٌ وفعلُك واثقٌ كذا اعتادَ من صادقت أو من تُخاصم
ويا سيداً في حضرةِ الحق لا يَني ولا ينحني، لا ينثني، لا يساوم
وبالموتِ حتى الموتِ تحتكُّ روحه اذا ما دنا من ذلك الحقّ غاشم
تدرَّعت فرساناً له قلّما رأت مثيلاً لهم أعرابُنا والأعاجم
يروّون أرضاً بالدماء لطالما استغاثت ولم تهطل عليها الغمائم
وطال بكاءُ العُربِ، من قاتلٌ لهم؟ متى أحيَت الموتى الدموعُ السواجِم
متى نِيلَ حقٌ من مخالب مجرمٍ إذا لم تنل منه السيوفُ الصوارم
متى دام جورٌ واستمرَّت ظلامةٌ إذا ما أُعيرت للإله الجماجم
أيا سيداً ما إن يُشِر ببنانه ضرا غمُ من حول الردَى تتزاحم
عُطاشى الى حرب الطواغيتِ مثلما على شربة الافطار يُقبلُ صائم
وفي النفسِ توقٌ للشهادة واعدٌ وشوقٌ لِلُقيا الله في القلب عارم
رِضا الله مبغاهم من الله بأسُهم الى الله في هذا تُخَطٌ الملاحم
وسيّان بين النصر والموت عندهم يموتون، أعراساً تكون المآتم
* * *
نعم يا إمام الحق والصدق والتُّقى خرجت بليلٍ خلفك الكلٌّ واهم
وإذ بك – عذراً منك – مهديُّ أمةٍ يقيناً لها لولاك ما قام قائم
وعيدُك وعداً كان لا بل نبوءةً كأنك في ما قد يكون لَعالِمُ
وزِلزال تموّزٍ اتى خير فيصلٍ يطيبُ به وعدٌ، تخيبُ مزاعم
يدوّي هنا نصرٌ، هناك هزيمةٌ بوصفهِما باتت تضيقُ المعاجم
وتموز هذا ليس إلا مسيرةً بدايتها لبنانُ والقدس خاتم
ودوماً امامي حسبما قال شاعرٌ على قدر أهل العزم تأتي العزائم
ألا فلنَرَ التيجان تهوي وضيعةً فقد كلّلت هامَ السفوحِ العمائم
..
* حسن علي نعيم عبدالله
تعليقات: