داليا الحسيني: ماتت ثم عاشت
داليا الحسيني نُقلت كجثة إلى "مستشفى حمود الجامعي"
فتبين أنها على قيد الحياة بعدما حركت يدها
سافرت إلى إيطاليا وخضعت إلى 5 عمليات فأُقف النزيف ولكنها أصبحت مقعدة وفقدت القدرة على النطق.
لا توجد في المعاجم أية كلمة يمكن أن تكون معبرة عن الطفلة داليا عبدالله الحسيني، هذه الجريمة الإنسانية المروعة والبشعة التي ارتكبها مجرمو الحرب في كيان الإرهاب الدولي "إسرائيل" بحقها· "داليا" عاندت زمن القتل الصهيوني في عدوان تموز من العام 2006، فعاشت بعد موتها بضع ساعات، وقاومت على طريقتها زمن الهذيان والصمت الدولي فاستفاقت من غيبوبتها بعد نحو شهرين من اصابتها في غارة إسرائيلية حاقدة لتكشف مدى بشاعة المجازر التي ارتكبت بحق الأطفال الأبرياء دون أي ذنب سوى الإنتقام من الهزيمة على يد المقاومة·· "داليا" واحدة من آلاف الأطفال الجنوبيين الذين هربوا من المجازر الاسرائيلية المتنقلة من بلدة الى أخرى، ومن جحيم القصف العشوائي الذي لم يرحم أحداً·· نزحت عن بلدتها البازورية - قضاء صور مع عائلتها، ظناً منها أن القذائف الإسرائيلية لن تطاردها، فسبقتها في 8 آب الى مكان نزوحها المؤقت في بلدة الغازية - قضاء صيدا، سقطت ضحيتها وماتت قبل أن تعيش مجدداً·· لترسم ارادة التحدي والبقاء في زمن الموت الاسرائيلي· نجت "داليا"، لكن حكايتها وفصولها وتفاصيلها أبكت اللبنانيين وأدمعت عيونهم، إذ لم تُكتب لها الشهادة، وانقلبت حياتها رأساً على عقب، فهي تعيش اليوم حياة صعبة مليئة بالأوجاع والأحزان بعدما مزقت الشظايا طفولتها البريئة، وسرقت فرحتها، وخطفت بسمتها، وبعثرت دفتر ذكرياتها، قبل أن تسلبها أحلامها الوردية وأملها بمستقبل زاهر ملؤه الأمن والسلام والنجاح·· "لـواء صيدا والجنوب" كان أول من سلط الضوء على مأساتها منذ اصابتها، حيث كانت ترقد بين الحياة والموت في المستشفى، وواكب رحلة علاجها، ليحط رحاله معها في الذكرى السنوية الأولى للعدوان بعد عودتها من رحلة علاجها في ايطاليا، حيث خضعت لعدة عمليات جراحية، ولكن لم تتمكن من المشي أو النطق، بانتظار رحلة أخرى طويلة من العلاج·· البداية·· والإصابة عاشت "داليا" البالغة (7 سنوات) طفولة يتيمة في بلدتها البازورية (مسقط رأس الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله)، بعدما توفيت والدتها ديانا جفال وهي في الثانية من عمرها، فحرمت من حنانها وعطفها، فازدادت تمسكاً بعائلتها الفقيرة، والدها عبد الله حسين يعمل سائقاً بالأجرة، ويسعى بجهد الى كسب قوت يومه بعرق جبينه، فيما شقيقها مصطفى ما زال فتى يافعاً يتلقى دروسه وكذلك شقيقتها فاطمة·· في 12 تموز الماضي، شنت قوات الإحتلال الإسرائيلي حربها المفتوحة على لبنان، العائلة لم تُغادر البلدة حينها، الى أن بدأ العدو بارتكاب المجازر والقصف العشوائي، فقررت الإنتقال الى مكان آخر أكثر أمناً، وكلما ازداد الخطر توجهت شمالاً الى أن وصلت في 8 آب الى بلدة الغازية - قضاء صيدا للاقامة عند أحد اقارب العائلة، ويومها كان أهالي البلدة يشيّعون كوكبة من شهدائهم الذين سقطوا خلال العدوان الإسرائيلي الأول عليها، وأثناء موكب التشييع أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية مجدداً على البلدة، فأصيبت "داليا" بجروح خطيرة في رأسها، ونزفت دماؤها، قبل أن تترجل من السيارة، فيما أصيب والدها عبد الله وشقيقاها فاطمة (13 عاماً) ومصطفى (12 عاماً) وجدها· حياة بعد موت يومها سارع رجال الإنقاذ بنقلهم الى احدى مستشفيات المنطقة، كانت "داليا" تلفظ أنفاسها الأخيرة، ظن الجميع أنها فارقت الحياة بعدما توقف قلبها عن الخفقان وجسدها عن الحراك، فأذيع اسمها من بين أسماء الشهداء، حيث وضعت جثتها في براد المستشفى بضع ساعات، لكن مشيئة الله أرادت أن تنقذها، اذ ضاق البراد بما فيه من الشهداء، فتقرر نقل عدد منهم مع بعض الجرحى الى مستشفى آخر، فنقلت "داليا" الى "مستشفى حمود الجامعي" في صيدا·· وفي قسم الطوارىء، كان المشهد مؤثراً حين لفتت انتباه أحد الأطباء أنها تحرك احدى يديها، وكأنها تنشد الحياة بعد الموت، سارع إليها، وفحصها فتبين أنها ما زالت على قيد الحياة، فيها نبض وتعاني من نقص حاد في "الأوكسجين"، اضافة الى اصابة في الرأس، حيث تدلى جزء من الدماغ على شعرها· وأدخلت الى غرفة العمليات، خضعت لعملية جراحية تكللت بالنجاح بعدما تمت ازالة جزء من دماغها وترميم رأسها، وبقيت في غرفة العناية الفائقة في حال الخطر لكنها عاندت الموت ونجت·· علاج وعودة بقيت "داليا" أكثر من شهر ونصف الشهر في غيبوبة تنتظر رحمة من الله، وقد أشرف على علاجها الدكتور محمد ياسين، الذي أكد "أننا فعلنا كل مستطاع لإنقاذ حياتها وتلقت ما يُمكن من علاج وأن الأطفال عادة يتجاوبون بشكل أفضل من الكبار الى أن أصبحت حكايتها على كل لسان "الطفلة التي ماتت ثم عاشت"، واستحوذت قضيتها على اهتمام ورعاية خاصين، واقترح وزير الصحة الدكتور محمد جواد خليفة نقلها الى ايطاليا لاستكمال علاجها، علها تحظى بفرصة أكبر للحياة، فتقرر أن تسافر مع زوجة أبيها علية الحسيني لاستكمال العلاج· وفي ايطاليا كان الإستقبال حميماً لها ولأطفال آخرين أصيبوا في العدوان على امتداد عشرة أشهر، تلقت العلاج في عدد من المستشفيات البارزة· ومنها مستشفى مدينة "بارغيمو"، حيث خضعت لخمس عمليات جراحية في الرأس وترميم الجمجمة نجحت في وقف النزيف وتثبيث الإستقرار في دماغها الذي أصيب بارتجاج كبير أفقدها النطق· في نهاية تموز الماضي، عادت "داليا" الى منزل عائلتها في البازورية، وقد تغير كل شيء بالنسبة للطفلة التي كانت تملأ حارتها بالحركة والحياة، أصبحت اليوم مقعدة، وعلى كرسي متحرك، فقدت قدرتها على النطق، أو الإلتحاق بمدرستها الخاصة "أجيال" بعدما أنهت الصف الثاني الإبتدائي··· إلا أن الأطباء لم يفقدوا الأمل واكدوا أن العلاج الفيزيائي كفيل بجعلها تستعيد القدرة على النطق والمشي معاً، وقد أولت رئيسة "الجمعية اللبنانية للمعوقين" السيدة رندة بري، قضيتها الإهتمام، واطمأنت عليها، وتكفلت بإتمام علاجها الفيزيائي في لبنان· الأهل·· والحسرة وتقول زوجة أبيها "علية" - التي رافقتها في رحلة العلاج الطويلة: "داليا" كانت في حال الخطر، وكان الهم الأكبر أن تستيقظ من غيبوبتها، لدى وصولنا إلى ايطاليا كان الأمل ضعيفاً في بقائها على قيد الحياة، لكن جهود الأطباء أبقتها حية بيننا بمشيئة الله سبحانه وتعالى· وأضافت: إن ما تحتاجه في لبنان هو مواصلة العلاج الفيزيائي، لكنه مكلف، ويفوق طاقتنا بسبب الظروف المادية الصعبة، إلا أن الأطباء في ايطاليا اتفقوا مع إدارة "مستشفى أوتيل ديو" على متابعة علاجها· ولا تخفِ الجدة زهرة خليفة "أم علي"، قلقها على مصير حفيدتها التي رعتها منذ أن كانت في الثانية من عمرها، حين فقدت والدتها، فتقول: أشعر بأن قلبي يحترق عليها حزناً، كانت كالوردة تفوح عطراً وحياة وحيوية، وهي اليوم عاجزة عن النطق والمشي واللعب مع إخوتها وجيرانهاً· وأضافت - بحسرة: ما أعز من الولد إلا ولد الولد، ربيتها منذ أن كانت في الثانية، بعد مرض والدتها ثم وفاتها قبل سبع سنوات·· لما انتقلنا من البازورية إلى الغازية، وقبل إصابتها، شكل الأولاد ذات يوم فريقين للعب"فريق لبناني وآخر إسرائيلي" لكن "داليا" رفضت أن تنضم إلى الفريق الإسرائيلي، ولما فاز فريقها، طلبت خمسمئة ليرة، وبدل أن تشتري بها وضعتها في صندوق الزكاة عن روح والدتها ديانا جفال· وتابعت: انها تحتاج الى كل رعاية، ولن نعدم وسيلة حتى تشفى مما هي فيه، ونطالب الدولة ايلاء قضيتها كل اهتمام حتى تعود الكلمات الى شفتيها وتقول "شكرا لكل من ساهم في علاجي·
مع الأهل بعد عودتها من العلاج في ايطاليا
داليا خلال تلقيها العلاج في المستشفى
داليا تؤدي الصلاة قبل إصابتها في العدوان
تعليقات: