سوق الاثنين الشعبي في النبطية
سوق الاثنين الشعبي في النبطية يختصر حياة المدينة بكامل فصولها الحلوة والمرّة
يضم ماركات عالمية مشهورة وبأسعار زهيدة ما يشجع الجميع على الشراء
يُحافظ سوق النبطية على بقائه كتراث شعبي ارتباطاً بتاريخ المدينة، ويُعاند الشلل والركود بعدما تكاثرت عليه الأسباب لتنزع منه صفة الشعبي، الذي يُقام كل يوم اثنين، ومنها انتشار الأسواق الشعبية الشبيهة في المناطق المجاورة، بدءاً من بلدة أنصار إلى السكسكية، العباسية، جباع وبنت جبيل وسواها، إضافة إلى ارتفاع الأسعار والغلاء الذي يطحن المواطنين، ويفرغ جيوبهم على قوت يومهم، دون أن يلتفتوا إلى الكماليات، بعدما كانوا يجدون فيه كل ما يحتاجونه..
ويعود سوق الاثنين الشعبي التراثي القديم إلى ما يفوق 400 عام، وكان مقصداً لكل أبناء القرى الجنوبية، إذ تنتشر البسطات على جنبات الطريق، وبعضها يفترش الرصيف، هنا ألبسة وأحذية وخضروات، وهناك أدوات منزلية، بالة وتحف وهدايا، وعجقة أناس وملتقى للأحبة والأصدقاء ولا يخلو الأمر من المتسوّلين، وهي حركة لا تهدأ، يميّزها بين الحين والآخر أصوات الباعة، ونداء سائقي السيارات لراكب يقلونه إلى منزله دون عناء..
كثر من رواد السوق يفضّلون ممارسة متعة التسوّق والسير في أرجائه عاكسين رغبة السير مع الحياة التي نعيشها، بعضهم يمتّع نظرهم دون أن يضع يده في جيبه، والبعض الآخر يشتري ما يحتاج إليه من «البابوج للطربوش»...
«لـواء صيدا والجنوب» حط رحاله في سوق الاثنين الشعبي، وأمضى يوماً في أرجائه ناقلاً مشاهد الحياة والحركة فيه..
حكاية السوق
{ يختصر سوق الاثنين الشعبي حياة النبطية بكامل فصولها، ويُشكل مورداً مهماً للتجار والمزارعين من أبناء المنطقة والجوار، ينتظرونه بشوق كبير، إذ تبلغ مبيعات التاجر في هذا اليوم ما يوازي مبيعاته في بقية الأسبوع، وهو مقسم إلى قسمين:
- السوق الثابت: المتمثل بالمحلات التجارية والمشاغل الحرفية والأسواق المتحركة.
- أسواق «الهواء الطلق»: المتمثلة بالبسطات التي تملأ ساحة السوق نهار الاثنين ويمتد من مدخل النبطية الغربي مروراً بالطريق المؤدي إلى الحسينية وحتى مواقف السيارات وتنتشر فيه البسطات على الجانبين، حيث تتعطل حركة مرور السيارات، في منطقة السوق الرئيسية، فتتجه نحو الطرق الفرعية لتعذّر مرورها، حيث كثافة البسطات والبائعين والمشترين، فالسوق يتحوّل يوم اثنين إلى خلية نحل ومحطة للقوافل، وممراً للمسافرين وللوافدين إليها من مختلف المدن والقرى والبلدات الللبنانية، قاصدينه تحديداً بعدما أصبح في هذا اليوم مركزاً تجارياً مفتوحاً، تجد فيه ما لا يُمكن أن تجده في باقي الأيام.
عند إحدى ناصيات السوق، يتأمل جواد عواضة السوق وبريقه الاقتصادي، ويعود بالذاكرة إلى أيام عز السوق «في ساحة البيدر يوم كان سوق الماشية، أساس السوق، هناك اسطبلات للخيول، تكتظ بكل أنواع الماشية، ماعز، غنم، أبقار، أحصنة».
يقول متنهداً: «كان السوق حي يرزق بنوافذه التجارية المتعددة فكان فريداً في زمانه ومكانه، وكان مقصداً للتجار من فلسطين، صحيح انه فَقدَ رواد الأمس ولكنه ما زال يُحافظ على شعبيته رغم الغلاء وكثرة الأسواق، وباعتقادي فإن السبب يعود إلى تاريخه وارتباطه بذاكرة المدينة التي لا تُمحى، فالسوق يُشكل الإثنين بوابه مفتوحة على التاريخ، وعلى تبدل الأجيال، ولكن الفارق بين وطن اليوم والأمس أن صورة السوق باتت تُشكل نموذجاً مُصغراً عن وطن يُقاوم الاحتضار اقتصادياً».
نحاسيات وليرات
{ داخل السوق، يسترقك النظر إلى بسطات تملأ المكان، يلمع بريق «النحاسيات» المستعملة، تلفت انتباه المارة ممن يستهوون هذا النوع من الزينة، ليس للاستعمال، إذ يعمدون على جمعها كهواية.
ويقول علي فحص، الذي يهوى جمع النحاسيات في منزله: «أحرص كل اثنين على المجيء إلى السوق لشراء القطع الفريدة والغريبة من النحاسيات، في معظم الأحيان أجد جديداً، وفق علمي فإن أصحاب البسطات يشترون النحاس بالجملة - أي بالكيلو، ويبيعونها قطعاً تستهوي الرواد، فكثير من الناس لا تعرف قيمة ما تبيعه».
إلى جانب النحاسيات، يعرض أبو محمد جابر بعضاً من العملات اللبنانية القديمة، وكأن الليرات تستريح من حرب السنوات الماضية، تريد أن تستقر في يد من يحفظها كتذاكر وذكرى، بعدما فقدت قيمتها المادية منذ عقود طويلة، يتهافت بعض الرواد على شرائها، فيقول جابر: «ميزة سوق الاثنين أنك تجد فيه كل قيّم وقديم، وكل ما تحتاج من مأكولات بلدية وملبوسات يدوية ومنتوجات زراعية، انه حقاً رائع».
البالة واللحوم
{ بين البسطات وازدحام الرواد، يعلو صوت يُنادي «اللي عندو عيلة ما إلو غير السوق الشعبي»، يوسف قانصو يردد شعاره دوماً في إشارة إلى الرخص في الأسعار، إذ يُمكن للفقراء وذوي الدخل المحدود والطبقات الشعبية أن يشتروا ما يريدون، يقول: «تلقى «البالة» رواجاً وإقبالاً كثيفاُ من المواطنين، الذين ارهقوا من ارتفاع الأسعار، وسط الضائقة الخانقة التي يعشيها، فكثيراً ما تأتي الأم لتشتري ملابس لأطفالها، هنا «البالة» لها صيت ذاع، وزوارها من الأغنياء والفقراء على السواء، لأن البضاعة هنا تحمل ماركات عالمية مشهورة، وبأسعار زهيدة وهذا ما يُشجع الجميع على الشراء».
تتجه ناحية سوق اللحم، من الصعب على المرء الذي عرف النبطية سابقاً أن يُصدق عينيه لما يراه اليوم، سوق اللحم، حيث دكاكين القصابين، تم تأهيله وتجميله بما يتلاءم وواقع المدينة الجديد، فداخل السوق التجاري، تستوقفك المقاهي التي تغص بزبائنها من الموظفين المتقاعدين، وقرّاء الصحف، ولاعبي «النرد»، والعاطلين عن العمل، لتؤكد أن مشهد سوق النبطية كل اثنين يختصر فعلاً الحياة الشعبية بكامل تفاصيلها وبساطتها وأسرارها المفرحة كما المحزنة.
عجقة تختصر حركة الحياة
...والليرات اللبنانية
يوسف قانصو أمام بسطته
المعروضات من النحاسيات
من رواد السوق الشعبي يوم الاثنين
تعليقات: