عدد سكان قطاع غزة تجاوز المليون و794 ألف نسمة مع انتهاء العام 2012.
تزداد الأزمة بين مصر وقطاع غزة يوماً بعد آخر، فلا ينقضي يومٌ دون تصريحاتٍ ومقالاتٍ تحريضية، غصت بها الصحف، وعمت مختلف الفضائيات، تزيد كلها في عمق الأزمة بين الطرفين، وتنفخ في جمر الفتنة، وتحاول أن تسعر نارها بجهالةٍ بين الشعبين، مما يثير الاستغراب والتساؤل، من المستفيد من هذه الأزمة، ومن الذي يتولى كبرها، وينفخ في كيرها، وهل هي أزمةٌ حقيقية، أم أنها محاولة من أطراف الأزمة السياسية المصرية للاستفادة من ورقة قطاع غزة، وسيطرة حركة حماس عليه، لإضعافِ فريقٍ في مصر لصالح آخر، واتهامه بالانشغال بدعم الفلسطينيين على حساب المصالح المصرية، رغم أن حجم الأضرار التي لحقت بسكان قطاع غزة في ظل القيادة المصرية الجديدة، أكثر بكثير من تلك التي مني بها في ظل الحكم المصري البائد، ولكن سكان قطاع غزة تفهموا الظروف، واستوعبوا الأزمة، وعضوا على جرحهم، ومنوا أنفسهم بانتهاء الأزمة المصرية، لأن في استقرار مصر رخاء غزة، وفي أمن مصر نعيم سكانها.
تكاد تكون هذه الأزمة هي الأخطر والأشد التي تواجه الفلسطينيين عموماً وسكان قطاع غزة على وجه الخصوص، بل لعلها تتجاوز في أخطارها وتداعياتها جريمة اغتيال الكاتب المصري يوسف السباعي في قبرص في العام 1977، مما يوجب على العقلاء من أبناء الشعبين، من المسؤولين والمثقفين، ومن كل صاحب رأي ومشورة، أن يساهم في إطفاء نار الفتنة، وإنهاء هذه الأزمة، ووقف الحملات التحريضية التي تضر بمصالح الأمة، وتعود بالنفع فقط على الاحتلال الإسرائيلي ومن والاه، الذي يستفيد من الاختلاف، ويفرح لما أصاب العلاقة بين الشعبين من تدهورٍ وتراجع، ولا أعتقد أن هناك ما يجب أن يشغل المسؤولين عن هذه الأزمة، فلها الأولوية المطلقة، ولمواجهتها ينبغي تسخير كل الجهود والأوقات والطاقات.
مخطئ من ظن من المصريين أن سكان غزة يرومون بشعب مصر شراً، أو يتطلعون إلى إيذائها وإلحاق الضرر بها، أو أنهم يقدرون على الإساءة إليها، أو التشويش عليها، فمصر أكبر من أن تنال منها جهودٌ تخريبية، أو تلحق بها مجموعاتٌ أو أفرادٌ إساءاتٍ أو اضطرابات، فهي بثورتها مستقرة، وبرجالها قوية، وبأهلها عزيزة، وهي وإن كانت اليوم جريحة أو مشغولةً بهمومها، إلا أنها تبقى قادرة على مواجهة كل الخطوب الخارجية وتحديها أياً كانت مصادرها أو مرتكبوها.
ومجرمٌ من ظن واعتقد من الفلسطينيين أن مقاومتهم تمر عبر الأزمة المصرية، وأن نجاح المقاومة يشترط فقدان مصر لأمنها، واختلاط الأمور فيها، وضياع استقرارها، واضطراب قيادتها واختلاف أهلها، فالمقاومة بخير ما بقيت مصر قوية وقادرة ومستقرة، تقف إلى جانب المقاومة وتساندها، وتدافع عنها وتعززها، وتدعم صمود أهلها وتكون عوناً لهم، فالأمة العربية بخير ما كنت مصر عزيزة، وهي كريمة ما كانت مصر قوية، وهي مهابة ما كانت مصر مستقرة، والمقاومة في خطر إن ابتعدت عنها مصر وتخلت عنها، أو انشغلت بهموها ومشاكلها عنها، ولم تعد قادرة على نصرتها.
تقف إسرائيل فرحةً سعيدة وهي ترى الثورة المصرية في مواجهةٍ مع المقاومة الفلسطينية، وهي الثورة التي قامت لأجل فلسطين وأهلها، ونصرةً لغزة وسكانها، ولا تخفي إسرائيل سعادتها لهذه النتيجة التي آلت إليها العلاقة بين الشعبين، وهي مطمئنة إلى الجهود القذرة التي تبذل، والأقلام المأجورة التي تعمل، والمساعي الخبيثة التي تبذل، فهي وإن غابت عن الفعل والتآمر المباشر، فإنها أوكلت إلى عملائها من الطرفين، ليقوموا بما عجزت هي عن فعله، ليباعدوا بين الشعبين، ويزيدوا في حجم الهوة بينهما، ويسعروا الفتنة نار الفتنة المقيتة، فكل قلمٍ كتب، ولسانٍ ذكر، وفضائية نشرت، بما يعقد الأزمة ويحول دون تطويقها، إنما لبى أماني العدو وحقق رغباته، ووضع نفسه موضع الشبهة والتهمة، وهو بما يقوم به إنما يتآمر على الأمة ومقدراتها، ويخون المقاومة وأهلها، ولا يخدم بخوفه أو قلقه مصالح شعبه وأهداف أمته، بل يشمت العدو ويسعده، ويرضي المتآمرين ويثلج صدورهم، ويطمئنهم على ما فقدوه من أنظمةٍ وعملاء جراء الثورات العربية.
أما إن كان هناك مخطئون أو مجرمون، ممن يتعمدون الإساءة إلى الشعبين، والإضرار بمصالح الأمة، بقصدٍ أو بحسن نية، ولكنهم باجتهادهم يسببون الفتنة، ويلحقون الضرر بمصر وأهلها، أو يسيئون إلى المقاومة وأهلها، فينبغي محاسبتهم، والضرب عليهم بأيدٍ من حديد، وألا تأخذنا بهم رأفةٌ أو شفقة، إذ هم إما جهلاء سفهاء، لا يفهمون ولا يقدرون، ولا عقل عندهم ولا رشد فيهم، أو أنهم عملاء مأجورين، ومتآمرين خائنين، ينفذون ما يطلبه العدو ويتمناه، فيكونون هم وإياه سواء في عدائهم للأمة.
قد لا تكفي التصريحات والمؤتمرات الصحفية، ولا تفي بالغرض محاولات التبرئة والتنصل من الجرائم المنسوبة، ولا يجدي حسن النية والاعتماد على وعي الشعبين وإرادة الأمة لتجاوز الأزمة، إنما يجب أولاً على القيادة الفلسطينية أن تتفرغ لإنهاء المشكلة، والاجتماع مع القيادات المصرية على أعلى المستويات، السياسية والأمنية والعسكرية، لتسوية المشاكل العالقة، ووقف أبواق الفتنة، وإشاعة علاقات المودة والمحبة بين الشعبين كما كانت، وكما ينبغي أن تكون، ولا ينبغي أن يشغلها عن هذا الواجب شئ، فهو الفرض والمقدم، والواجب الأهم، إذ لا مصلحة للفلسطينيين في فقدان مصر لأمنها، ولا في حرج قيادتها، ولا نفع يعود عليهم جراء تدخلهم في الأزمة المصرية لصالح فريقٍ ضد آخر، فالله الله يا عقلاء مصر، ويا حكماء أرض الكنانة، فلتعجلوا في وأد الفتنة، وردم الهوة، وتطمين الأمة، وكشف ما أصابها من غمة.
تعليقات: