العمالة خَيَاراً مبرراً... على بلاتوه «كلام الناس»

صياح ومندلق خلال الحلقة
صياح ومندلق خلال الحلقة


بعدما غاب «كلام الناس» عن متابعة تحركات هيئة التنسيق النقابيّة، ومعركتها لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، وبعدما غاب عن طرح ملفّ معاناة اللاجئين السوريين في لبنان... ارتأى البرنامج في حلقته أمس الأول، أنّ هناك ما هو أهمّ للطرح على الساحة المحلية، فأعاد فتح ملف اللبنانيين الهاربين إلى فلسطين المحتلّة.

وفي القسم الأوّل من الحلقة، عرض مرسال غانم مع ضيوفه قصة الطفل برنار مندلق، وهو ابن أحد عناصر جيش لبنان الجنوبي المنحلّ. لم يمنح برنار الجنسية اللبنانية لأنه ولد في إسرائيل، بسبب لجوء والده إليها إثر انسحاب جيش الاحتلال من جنوب لبنان في العام 2000. يخبرنا البرنامج انّ برنار موجود في مدرسة داخلية، وأنّ والدته أصيبت بالشلل إثر تلقيها خبر الحكم على زوجها بالسجن، وتجريده من حقوقه المدنية بعد عودة الأسرة إلى لبنان.

هذا ما ظهر في التقرير الذي تمّ تقديمه بأسلوب دراماتيكي، في محاولة لدعوة المشاهدين إلى التعاطف مع هذه القصّة. تمّ استكمال البحث عن العواطف، باستضافة عادل مندلق (والد برنار) ومختار القليعة أمين سعيد داخل الاستوديو، إضافة إلى المطران بولس صياح من بكركي، المهتم بملفّ اللبنانيين الهاربين إلى إسرائيل.

التلاعب الدرامي بعواطف المشاهدين، تمّ تكريسه في سياق الحوار، إذ غرق «كلام الناس» بالبحث عن «الحقوق المدنية المهدورة» لهؤلاء «اللبنانيين»، وخصوصاً قضيّة حرمانهم من الجنسية.. وصولاً حدّ تحويل شاشة «المؤسسة اللبنانيّة للإرسال» إلى منبر للتبرير الساذج إن لم نقل الوقح، للعمالة. هكذا، قال المطران صيّاح: «لقد انضموا إلى جيش لبنان الجنوبي إما لأنهم احتاجوا الى مال، وإما لأنهم أرادوا أن يتطببوا في إسرائيل». ثمّ سأل المختار: «كل من كان مكاننا في الشريط الحدودي كيف كان ليتصرف؟». وأكّد الضيوف انّ الدولة ظلمت هؤلاء الناس، «لأن التحاقهم بجيش لحد كان الوسيلة الوحيدة لصمودهم».

استضافة المطران صيّاح، وسير الحوار، جعلا من قضيّة العملاء الفارّين، أشبه بقضيّة «كنسيّة مسيحيّة»، عوضاً عن طرحها كما هي في الواقع، كقضيّة وطنيّة شاملة، تعني كلّ مواطن، ولا يمكن حلّها عند المرجعيّات الروحيّة، بل وفقاً لمقتضيات القانون اللبناني، وأمام القضاء. أو كأنّ الحديث عن صعوبات الحياة عند المتعاملين، يجعل من فكرة تعاملهم أمراً عادياً ومقبولاً لا بل مبرراً!

كأنّه صار من الواجب، عاطفياً وإنسانياً، التعاطف مع من كان مشاركاً أساسياً في جرائم العدو الصهيوني في لبنان، لا بل يجب الدفاع عن «وطنية» من تآمر على أبناء قريته وساهم بالتنكيل بهم وإذلالهم في الشريط الحدودي، تحت حجة أنه لم يكن أمامه من خيار آخر!

أخذ مرسال غانم الحديث عن عدم وجود «خيار آخر» على لسان ضيوفه، كأمر مسلّم به، ومن دون مساءلة. لم يسألهم من اعتقل الأسرى في أنصار والخيام، ولا عن ألوان التعذيب التي ذاقها أولئك الأسرى لأنّهم رفضوا تقبيل يد المحتلّ أو التعاون معه.. فهل سمع من يبرر عمالته، بعدم وجود «خيار آخر»، بمناضلة سجنت لعشر سنوات تدعى سهى بشارة مثلًا؟ هل سمع بخيارات آلاف الجرحى والشهداء الذين قتلتهم إسرائيل في الجنوب طوال سنوات الاحتلال؟ لماذا لم يتعامل أهل الجنوب المقاومون مع العدوّ، إن كان «الأمر الواقع هو ما دفع الناس إلى الالتحاق بجيش لحد»، كما لفت المطران صيّاح.

كلّها أسئلة لم تخطر في بال الإعلامي مرسال غانم، فقد حصر اهتمامه بكشف «الفضيحة» في ملفّ برنار مندلق.. لكنّ طريقة تبرير العمالة في تلك الفقرة من «كلام الناس»، كانت الفضيحة الحقيقيّة.

تعليقات: