اليسار الديمقراطي بلا غطاء... كرسي مرحاض!

إلياس عطالله يرحب بمحاولة «الرفاق الشباب إحياء الحركة» (أرشيف)
إلياس عطالله يرحب بمحاولة «الرفاق الشباب إحياء الحركة» (أرشيف)




من حين لآخر، وفي اللحظات المصيرية، تصدر بيانات سياسية تحمل توقيع «حركة اليسار الديمقراطي». يظن قارئ البيانات أن الحركة التي تهجّرت من مبنى «هوا تشيكن» قبل سنوات، تصنع التاريخ. أين هي الحركة اليوم؟ وماذا تبقى منها؟

آخر إحصاء لأعداد المنتسبين إلى حركة اليسار الديمقراطي موجود بحوزة مسلّحين دخلوا في السابع من ايار 2008 إلى مركز الحركة وصادروا كل محتوياته، ومن ضمنها كومبيوتر محمول عليه احصاء لم يرسل إلى المنتسبين، حفاظاً على سريته. قيل لليساريين الديمقراطيين يومها إن من يريد معرفة نتائجه عليه التوجه إلى المركز والتنسيق مع زياد صعب، الذي يمتلك وحده كلمة سر الكومبيوتر. في ذلك اليوم، يقول أحد اليساريين الديمقراطيين السابقين، سرق المسلحون كل شيء من المكتب، حتى غطاء كرسي المرحاض. صارت حركة اليسار الديمقراطي بلا غطاء كرسي مرحاض وبلا كومبيوتر وبلا إحصاءات. كانت الحركة قد تركت مركزها الشهير فوق «الهوا تشيكن» في كورنيش المزرعة، بعدما كان الاتفاق أن يدفع نائب اليسار الديمقراطي أمين وهبي من راتبه النيابي إيجار المركز، لكن وهبي نكث بالاتفاق، ورفض دفع بدل إيجار المكتب، فاضطر «الرفاق» إلى الانتقال إلى مكتب آخر، مكان النادي العلماني في كليمنصو. بعد ذلك، بدأت الأمور تصبح أسوأ شيئاً فشيئاً، حتى انتهى الأمر بمن بقي من نشطاء الحركة، إلى عقد الاجتماعات في كاراج في منطقة الأشرفية. وعلق أحد الظرفاء إنه «كاراج لغيار الزيت». ومع ذلك، «كربج» محرك الحركة، وتوقفت عجلاتها تماماً، وانفرط عقدها السياسي.

اليوم يعود نشطاء من حركة اليسار الديمقراطي إلى التداعي لإنقاذ الحركة، التي حلم بها الشهيد سمير قصير، ولإعادة الحياة إليها عبر نشاط فايسبوكي. فوليد فخر الدين (فيدو)، الأمين العام للحركة، يعيش نشاطاً غير مسبوق، يتواصل مع «قدامى» الحركة، واليائسين منها عبر الفايسبوك، ويحاول اقناعهم بالعودة إلى نشاطهم من جديد. وفخر الدين يعتمد على المجموعة التي لا تزال تؤمن بأن «صلاحية» الحركة لم تنته، وأنه لا يزال ممكناً «استهلاكها». كذلك يعمل على اعادة إحياء الموقع الإلكتروني للحركة، وصفحتها على الفايسبوك لجعلهما اكثر تفاعلاً مع «الجماهير».

من جهة ثانية، تنشط المجموعة التي قاطعت الانتخابات التنظيمية الأخيرة، والمعروفة داخل الحركة بمجموعة «إلزم اليسار». تعمل بدورها على إحياء الحركة أيضاً، وهي تضم رنا خوري (ابنة الإعلامية جيزيل خوري)، ريان اسماعيل (زوج رنا خوري)، واسامة وهبي (شقيق النائب أمين وهبي). «شجرة العائلة» هذه اختارت زياد ماجد ملهماً ثقافياً لها، وهي طبعاً مجموعة تحمل في طياتها رفضاً للوراثة السياسية بكل أشكالها وأنواعها. وتتواصل هذه المجموعة العائلية مع مجموعة وليد فخر الدين، رغم الخلاف القديم معه، الذي ادى بالمجموعة إلى مقاطعة الانتخابات التنظيمية. أما مارك ضو، الذي كان من المجموعة، فقد استقال تماماً من الحركة، وهو يعدّ لمشاريع أكبر، تتمثل في ترشحه للانتخابات النيابية المقبلة، مدعوماً من سلسلة محطات «ضو» المملوكة من والده. وهو ليس مرشح اليسار الديمقراطي، مع أن وليد فخر الدين يؤكد أن للحركة أكثر من مرشح في الانتخابات المقبلة إن حصلت. وهو يفضل قانوناً نسبياً خارج القيد الطائفي مع دوائر كبرى، أو قانوناً مع الدائرة الفردية، لكن نشطاء في «اليسار الديمقراطي» لا يقبلون مساندة ضو في الانتخابات طالما أنه اختار لنفسه أن يترشح من دون استشارة الحركة أو التنسيق معها. وهؤلاء يؤكدون أنهم يريدون مرشحاً يعبر عن الحركة وسياستها، ولا يعبر عن سياسة تيار المستقبل أو قيادة 14 آذار الحالية.

«أكثر من أيا زمان، هيدا زمان حركة اليسار الديمقراطي»، يعتقد أحد الناشطين في الحركة، الذين بقدر ما يقترب بعضهم من اليسار الديمقراطي، يلتصق بعضهم الآخر أكثر فأكثر بتيار المستقبل. يرى الناشط أن الحركة تمثل، بما تجمعه من كوادر وأفكار، «التيار الأكبر في البلد الذي يعكس ما يريده الناس وما تفكر فيه الأكثرية الصامتة، لكن المشكلة أن العلامة التي يعطيها للحركة، على المستوى التنظيمي، صفر». يتساءل عما إذا كانت الحركة تريد حقاً أن تكون ما يتمناه هو وآخرون لها، متحدثاً عن محاولة جدية لإحياء الحركة، «لكنها تحتاج إلى إمكانات لا أعرف اذا كانت متوافرة أم لا». هذه المحاولة يقودها جميع من يهتمون بأمر الحركة، وهم يتصلون بالجميع «بمن كانوا في الحركة، ومن لا يزالون فيها، ومن يرغبون في الانضمام إليها».

وحينما يطرح سؤال «أين اليسار الديمقراطي؟»، لا بدّ من طرح سؤال آخر أكثر إلحاحاً: «أين الياس عطا الله؟». لا يفكر الرجل في الترشح للانتخابات النيابية المقبلة، ولا يرى أن الانتخابات ستحصل أساساً. لم يعد يحضر اجتماعات الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار، لأن 14 آذار بصيغتها الأولى لم تعد موجودة، لكن وليد فخر الدين يحضر اجتماعات الأمانة العامة، مع أن نسبة التلاقي مع هذه القوى لا تتجاوز الخمسة في المئة في ما خص جميع المواضيع المطروحة اليوم في البلد. والمشاركة في 14 آذار تعدّ شكلية اليوم، ويتوقع لها كثيرون أن تتوقف، وأن يتخذ الإطار الجديد الذي تستعد له الحركة موقفاً واضحاً بالانفصال عن قوى الرابع عشر من آذار، على الرغم من أن اليسار الديمقراطي يعدّ نفسه «أم الصبي».

الياس عطا الله يحمل تنظيمياً لقب «رئيس» الحركة، ويقول إنه يحضر اجتماعات المكتب التنفيذي التي تعقد «في بيوت الرفاق، ولا خجل، وإذا كان على أحد أن يخجل فهم حلفاؤنا». هو يرحب بمحاولة «الرفاق الشباب إحياء الحركة»، ويبارك الأمر. يرى أن الفضاء داخل الحركة يجب أن يبقى واسعاً، «ويجب التقليل من الأحكام الصارمة على سلوك الرفاق، وخصوصاً في وجود حالات مثل الأسير وحزب الله وأوضاع طرابلس وقانون اللقاء الأرثوذكسي في البلد». يبدو عطا الله جائعاً إلى الحديث الإعلامي. لا يترك موضوعاً إلا ويتطرق إليه خلال اتصال هاتفي مع «الأخبار». يبدو أنه لا يريد لهذا الاتصال أن ينتهي، لكنه ليس زمان التلفون العادي البليد. هو زمان الهواتف الذكية. وعلى الياس عطا الله ربما أن يواكب هذا الزمان، ويدخل الفايسبوك وتويتر، ليجري الاعتراف به في الحركة الجديدة «الافتراضية» لليسار الديمقراطي، التي ستعقد ما يشبه «مؤتمراً تأسيسياً» جديداً في ذكرى استشهاد سمير قصير في حزيران المقبل.

تعليقات: