الحاجة مريم منصور في مجمّع عبرا القديمة: عيدنا الحقيقي بالعودة والتلاقي جميعاً
بين ذكريات الأمس الجميلة في سوريا وواقع اليوم المأساوي
كل عام وأنتِ بخير «يا ست الحبايب» عبارة يرددها العالم كل عام في 21 آذار، إذ يحتفلون فيه بعيد الأم، ولكن ما أصعب أن يأتي عيد الأم والإنسان بعيد عن المنزل والأرض والوطن، أن يأتي وفي العين دمعة وفي القلب غصة بحيث يصبح العيد مجرد ذكرى وتمنيات وتلاقي الأحبة بعد فراق..
يطل العيد هذا العام حزيناً على الأمهات النازحات من سوريا، اللواتي وجدن أنفسهن بعيداً عن الأحبة والمنازل، يعتصرن في نفوسهم الألم، ويخفين الدمعة خوفاً على فلذات أكبادهن خشية أن يقتل أو يجرح أو يخطف أو يسجن أو يفقد ولا تستطيع مرة جديدة أن تسمع عبارة «أمي.. كل عام وأنتِ بخير»..
في تجمّعات النزوح في صيدا ومنطقتها، هناك المئات من الأمهات اللواتي ينتظرن العودة إلى منازلهن في سوريا ومخيماتها الفلسطينية للاحتفال بعيد الأم مجدداً وغيرها من المناسبات الدينية والوطنية، ولكل واحدة منهن حكاية: غصة ودمعة يختصرها عنوان العودة بالسلامة..
«لـواء صيدا والجنوب» حط رحاله في «المجمّع السكني للنازحين» في عبرا القديمة، حيث تقطن 35 عائلة نازحة فلسطينية وسورية، والتقى إحدى الأمهات النازحات اللواتي رَوَتْ اللوعة بعيد الأم اليوم بعد روعته سابقاً بلقاء أبنائها..
حكاية مريم
{ الحاجة مريم علي منصور (72 عاماً) تجسّد معاناة الأمهات السوريات والفلسطينيات اللواتي لن يستطعن الاحتفال بالعيد هذا العام، فالنزوح القسري دفعها مع عدد من أولادها إلى صيدا، حيث تقيم حالياً في «المجمّع السكني للنازحين» في عبرا القديمة، بانتظار العودة مجدداً إلى مخيم اليرموك، حيث منزلها وباقي أولادها وأقاربها وأصدقائها.
والحاجة مريم عايشت نكبة فلسطين واللجوء، من صور في جنوب لبنان إلى حماة، حيث ارتبطت مع زوجها محمد، الذي توفي منذ 15 عاماً تاركاً برقبتها العائلة أمانة، استقرت في مخيم اليرموك وسط دمشق سنوات طويلة بعد أحداث حماة، ثم وجدت نفسها مجدداً في صيدا على مقربة من شقيقتها الأخرى في صور بعد المعارك الجارية في سوريا.
بحزن وأسى، تقول الحاجة مريم: «لقد تغيّر الحال، سرقوا الفرحة منا وبتنا نعيش في حزن دائم، أعيش القلق كل يوم على أولادي هناك في اليرموك، لقد غادروه ولكنهم لم يغادروا دمشق، قالوا لي لا نريد أن نعيش «بهدلة» النزوح بعيداً عن منزلنا، وأنني أطمئن عليهم بين الحين والآخر، وبالتالي يأتي عيد الأم هذا العام بلا معنى للفرح، فرحنا الحقيقي العودة إلى منازلنا والاجتماع مع بعضنا البعض مجدداً».
ذكريات وواقع
{ وتستعيد الحاجة مريم السنوات الماضية حين كان عيد الأم محطة سنوية، يلتقي في بيتها، أي بيت العائلة، الأولاد والأحفاد كلهم، يقدمون لها الهدايا والورود ويقطعون قالب الحلوى، ويتمنون لها العمر المديد، تقول: «أما اليوم فالأجواء حزينة ولم يبقَ أحد إلا وتضرر من أحداث سوريا، البعض فقدَ فلذات الأكباد والبعض الآخر سقط له جرحى أو مفقودين والذي لم يعانِ مرارة هذا أو ذاك فرّقه النزوح المفتوح على مأساة معيشية ومعاناة لا تنتهي».
وتضيف والدمعة في عينيها: «كنا نعيش حياة رغيدة وقد أصبحنا اليوم في غرفة في مجمّع سكني يكتظ بالنازحين أمثالنا، كأنه التاريخ يعيد نفسه من نكبة فلسطين إلى لجوء لبنان إلى نزوح سوريا، عيد الأم سيأتي علينا هذا العام حزيناً بالتأكيد وأتمنى فيه أن تعيش كل الأمهات فرح الاطمئنان على أولادها وتعيش بهدوء إلى حين العودة، أحمل في هذا العيد رسالة محبة وسلام بأن نعود لنلتقي دون أي أحزان وهذا عيدنا الحقيقي».
وردة وتمنيات
في الغرفة نفسها، سمع حفيدها محمد ناجي (8 سنوات) الكلام، تأثر وبكى وسارع إلى حضن جدته يضمها وهي تجلس على الأرض فوق فرشة وقرب موقدة، يقول لها: كل عام وأنت بخير.. سنعود إلى منزلنا ونعيش الهدوء والفرح مع بعضنا البعض.. «لا تزعلي».
ويضيف: رغم كل الحزن والنزوح سأقدّم لأمي وجدتي في عيد الأم وردة، لا أملك المال لأشتريها ولكني سأقطفها من هذا البستان المجاور وأقول لهما كل عام وأنتما بخير في عيدكم.
أما شقيقته دلع البالغة من العمر 6 سنوات، فقد قالت بتأثر كبير: أتمنى العودة إلى منزلنا، لم أعد أرى صديقاتي أو ألعب معهم، لقد تعرّفت هنا على رفيقات ولكن هناك كل شيء أجمل، أتمنى أن يعم الأمن والسلام ربوع مخيم اليرموك وكل سوريا، وتكون عودتنا سريعة لقد اشتقت إلى المدرسة وزملائي واللعب معهم والفرح بينهم بعيداً عن هم النزوح وعذابه.
وبين محمد ودلع، يلهو العشرات من الأولاد النازحين في أرض بور قرب المجمّع السكني مزروعة بالزيتون يظللها دفء الشمس واخضرار العشب وتفتح الأزهار، غير مبالين بما يجري حولهم مؤقتا في النهار وحين يخلدون إلى النوم ليلاً يتمنون أن يكون ما يعيشون مجرد كابوس آن الأوان أن يستيقظوا منه بالعودة إلى ديارهم.
نزوح ومجمّعات
{ والحاجة مريم وأحفادها ليسوا وحدهم في «مجمّع عبرا السكني»، فهناك المئات من الأمهات اللواتي ينتظرن العودة إلى منازلهم في سوريا للاحتفال بعيد الأم مجدداً، إذ تجاوز عدد النازحين من سوريا إلى صيدا من الفلسطينيين والسوريين الـ 5 آلاف عائلة، موزعين على «مجمع عبرا القديمة»، «مجمّع الإمام الأوزاعي» قرب «المستشفى التركي» عند مدخل صيدا الشمالي، «مجمع الإصلاح»، «مجمع الرحمة» - حارة صيدا - الهلالية، «مجمع السبع أعين»، إضافة إلى مجمعات سكنية صغيرة.
ويقول المشرف على مجمّع عبرا القديمة لؤي منصور «أبو خالد»: إن «اتحاد المؤسسات الاغاثية» في صيدا وجوارها و«جمعية التعاون الإنساني» يقدمان كل الممكن في سبيل تأمين المأكل والمشرب والحياة الكريمة اللائقة، لكن المساعدات الإنسانية قليلة، وهي بالتأكيد لا تكفي ونعتمد على أبناء المدينة في تأمينها وننظم بين الحين والآخر نشاطات ترفيهية من أجل تخفيف الضغط النفسي عن العائلات النازحة وخاصة كبار السن والأطفال، ونتمنى أن تكون عودتهم قريبة ليقيموا الاحتفالات في منازلهم مجدداً.
مع حفيديها محمد ودلع أطفال يلهون بانتظار العودة
مأساة النزوح تذهب فرح عيد الأم المجمّع السكني في عبرا القديمة
مع حفيديها محمد ودلع
أطفال يلهون بانتظار العودة
مأساة النزوح تذهب فرح عيد الأم
المجمّع السكني في عبرا القديمة
تعليقات: