حالة ترقب وحذر تشوب تحركات القوات الدولية (بلال قبلان)
رئيس بلدية الخيام: ورشة الإعمار الحالية تحول دون الاستثمار في مشاريع تجارية..
هجمة متسرعة على الاستثمارات تُنهيها الرسالة الدموية إلى «القبعات الزرقاء»
غياب تأثير «اليونيفل» عن القطاع الأوسط... ومؤسسات «الشرقي» تلملم جراحها
بعد استعراض تأثير قوات «اليونيفل» المعززة اقتصادياً في القطاع الغربي من منطقة جنوب الليطاني، تستكمل «السفير» اليوم جولتها على قرى القطاعين الأوسط والشرقي، كما تستعرض رأي نائبة الناطق الرسمي للقوات الدولية ياسمينا بوزيان.
القطاع الأوسط: الأقل تأثّراً
بدت مؤسسات القطاع الأوسط في النظرة الأولى معزولة عن أي تأثير جدي لـ«اليونيفل» على حركة عملها، لا سيما عاصمة القطاع بنت جبيل، باستثناء «مطعم التحرير» حيث تتوافد إليه، بين الحين والآخر، دوريات القوات الدولية.
ويؤكد رئيس نقابة أصحاب المؤسسات التجارية في بنت جبيل طارق بزي غياب التأثير الاقتصادي لـ«اليونيفل» على المدينة، مرجعاً السبب إلى صورة بنت جبيل في أعين الجنود على أنها المقاومة و«حزب الله». كما ساهم اعتراض جزء من أهالي المدينة على الضجة والإزعاج اللذين تحدثهما دوريات «اليونيفل» في تعميق هذا الشرخ.
في الواقع، أدّت الأضرار الفادحة في وسط السوق دوراً في إبعاد القوات الدولية عن المدينة التي تحولت إلى ورشة إعمار. ويقول بزي إن النقابة شجعت مؤخراً التجار على فتح مقاه في السوق الجديدة التي تم افتتاحها بمساعدة قطرية. لكنه استبعد إمكانية قيام كبار المتمولين المغتربين من أبناء بنت جبيل بتنفيذ استثمارات كبيرة في مدينتهم الأم.
مفاجأة القطاع الأوسط تمثلت ببلدة عين إبل المسيحية التي لم تشهد التأثير الاقتصادي المتوقع من تواجد القوات الدولية بالقرب منها في حنين. استفادت مؤسسات هذه البلدة المتحررة اجتماعياً مقارنة بمحيطها، جزئياً من حركة «اليونيفل». أجمع على هذا التوصيف كل من صاحب «مطعم الباشا» إيلي بركات وصاحبي فرن ومحل سمانة التقوا وسط البلدة: «في البداية، ارتفع حجم العمل بنسبة خمسين في المئة، وما لبث أن تراجع إلى خمسة في المئة. بالكاد يشتري الجنود سندويشاً يوم السبت»، يقول بركات. تتعدد الأسباب بالنسبة إليهم، ومنها يذكرون: تأمين الاكتفاء الذاتي للجنود في المخيم بعد إنشاء مطاعم ومؤسسات تجارية فيه، والأوضاع الأمنية التي خففت حركتهم. يعلّق صاحب محل السمانة بالقول: «يخافون أكثر منا. ما إن يقرأوا أو يسمعوا خبراً أمنياً في الإعلام، حتى يحتجبوا عن الظهور خارج دوام عملهم». ويختم بركات بالإشارة إلى تراجع الحركة في الحانة الوحيدة في البلدة، علماً بأنها من أكثر الأماكن التي يرتادها الأجانب.
الحركة في بلدة حاريص الشيعية المتاخمة لمخيم «اليونيفل» بدت أكثر حيوية. زاد حجم عمل المؤسسات بنسبة 25 في المئة عما كان عليه قبل حرب تموز، استناداً إلى كاتب البلدية عطا الله العلي الذي تحدث عن افتتاح أربعة محال في مواجهة المخيم بالإضافة إلى مطعم في تبنين المحاذية، بعد وصول القوات الدولية.
هذا التأثير الإيجابي يختفي تماماً في ضيعة الطيري الشيعية. تكاد الدوريات لا تمر في المنطقة. أما الشعور السائد لدى السكان تجاه «اليونيفل» فأقرب ما يكون إلى العداء بعد الإشكالية التي وقعت بين الأهالي والقوات نتيجة الضجة التي تصدر عن الدوريات الليلية. هذا ما عبّر عنه أحد المواطنين المتوقفين في ساحة الضيعة: «ما طلعلنا منهم شي إلا الحفر بالطريق»، ويضيف قائلاً: «ما بدنا شي منهم بس يبعدوا عنا».
مرجعيون: التذمر سيد الموقف
شكّلت جديدة مرجعيون في القطاع الشرقي قبلة للمستثمرين الجدد بعد انتهاء حرب تموز، وذلك نتيجة تنوعها الطائفي وتحررها الاجتماعي الجاذب بطبيعته لجنود «اليونيفل» وللسواح اللبنانيين والأجانب، في آن. لكن، تحولت هذه الهجمة إلى سيف ذي حدين في ظل الأوضاع غير المستقرة في البلد. فحجم الاستثمار فاق قدرة المدينة على الاستيعاب: 5 مطاعم ومقاه جديدة تم افتتاحها في 9 أشهر وعدد مماثل من المحال التجارية، تضاف إلى المؤسسات العديدة المتواجدة منذ ما قبل الحرب الأخيرة. وتحاول المؤسسات اليوم لملة جراحها بعد استهداف الكتيبة الإسبانية، وزيادة الحذر في صفوف الجنود عموماً. يختصر رئيس بلدية جديدة مرجعيون فؤاد حمرا المسألة بالإشارة إلى تحسن الدورة الاقتصادية بشكل ملحوظ مع وصول طلائع قوات «اليونيفل» المعززة إلى المدينة، لا سيما الكتيبة الإسبانية. فأعطى هذا التحسن جرعة أمل لسكان مرجعيون الذين ترددوا بالبقاء في أرضهم بعد الحرب. لكن الحال لم تبق على ما هي عليه: «المشكلة أن أصحاب المؤسسات يعتمدون أصلاً في الصيف على المغتربين اللبنانيين وعلى سكان مرجعيون الذين يقطنون في العاصمة. هؤلاء لم يحضروا بعد، والقوات الدولية لم تعد تتحرك كالسابق بسبب الأوضاع الأمنية، ما أدى إلى تراجع الحركة في المؤسسات، وخلق شعورا بالإحباط لدى البعض، وخصوصاً لدى المستثمرين الجدد».
كذلك، يواجه المستثمرون مشكلة امتناع كبار مالكي الأراضي والعقارات في مرجعيون عن التصرف بأملاكهم. ويتأمل حمرا عودة سكان المنطقة إليها في الصيف: «وإلا، فينبغي تأجير بعض العقارات لإنعاش المدينة اقتصادياً»، علماً بأن أقل من ألف فرد يقطنون البلدة من أصل 12 ألف مسجلين في القيد.
مبالغة في التوقعات
بعد الحرب، توجه ابن النبطية أحمد حجازي وزميله من حولا الشيعية إلى مرجعيون، لاستكشاف فرص الاستثمار هناك. توصلا إلى فكرة إنشاء مؤسسة سياحية حديثة على بولفار الجديدة، تتيح لهما فرصة الاستفادة من وجود «اليونيفل». توّج المشروع بافتتاح مطعم «بلاك روز»: «لكن توقعات ما قبل الاستثمار لم تتحقق في الواقع»، يقول حجازي، معطياً مثلاً: «لو افتتحنا المحل في النبطية حيث لا تواجد للقوات الدولية لما اختلف حجم العمل عن هنا». وفي مقارنة بين الحركة في صور ومرجعيون، يشير إلى الفارق في عدد السكان، خصوصاً في ظل اغتراب معظم سكان البلدة: «صور أصبحت مقصداً للناس وبدأت تنفتح اجتماعياً، في حين ما زالت مرجعيون تبحث عن هويتها»، يعلق حجازي. ويرى أن القوات الدولية هي عنصر داعم لحركة العمل، لكنها ليست أساسية، على الرغم من تأمينها لما يقارب الخمسين في المئة من حجم أعمال المطعم. أما مصروف القوات الدولية على المشروبات الروحية فيصفه بالجيد إلا أنه لا يضاهي مصروف زبائن الحانات في بيروت التي عمل حجازي في إحداها سابقاً.
هذا الوصف هو لسان حال معظم أصحاب المؤسسات التجارية في جديدة مرجعيون. قد تختلف نسب مساهمة القوات الدولية بين مؤسسة أو أخرى، لكن العنوان يبقى: «النتائج دون التوقعات».
لكن، تعتبر إحدى المسؤولات في محل «كرايزي تويز» للهدايا التذكارية أن «اليونيفل» ساهمت في بقائها في مرجعيون بعد الحرب. اليوم، عادت لتفكر بترك البلدة. ويشاركها هذا الشعور صاحب محل مجوهرات قام باستثماره بعد الحرب، فكانت النتيجة مخيبة. ويعتبر مسؤول في محل «دلتا» للألبسة الرياضية أن «اليونيفل» هي مجرد موجة عابرة، خدعت البعض في استعجال الاستثمارات.
على غرار بنت جبيل في القطاع الأوسط، لم تستفد مدينة الخيام اقتصادياً من تواجد اليونيفل في الجنوب. إلا أن القوات الدولية تساهم بإقامة مشاريع اجتماعية، كدورات لتعليم اللغة الإسبانية، وتقديم مساعدات عبر البلدية للمدارس، بالإضافة إلى مولدات كهربائية تستفيد منها المؤسسات والأفراد. ويؤكد رئيس البلدية علي زريق أن ورشة الإعمار الحالية تحول دون الاستثمار في مشاريع تجارية وسياحية، لكن البلدية تشجع على إنشاء مطاعم في الدردارة وتحث على الإسراع في ترميم المنتجع السياحي «تلال الخيام» الذي أصيب خلال العدوان.
«جنّة» إبل السقي
تشذ بلدة إبل السقي عن المشهد التقليدي للريف الجنوبي، إذ تتزاوج فيها الحداثة ونضارة الطبيعة الريفية. وترافق تطور البلدة مع دخول «اليونيفل» في العام 1978 واستمر طوال مدة الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يتجمد بعد التحرير بسبب غياب الدولة عن المنطقة. جاء القرار 1701 ليعيد الروح إلى البلدة. فساهم الجنود الإسبان في تحويلها إلى واحة طبيعية على صورة الريف الغربي التراثي. وأغرت المنطقة الكثير من المستثمرين بعد حرب تموز، حيث افتتحت 6 مطاعم ومقاه جديدة، أضيفت إلى فندق «دانا» وثلاثة مطاعم كانت موجودة من مرحلة ما قبل الحرب.
قام غانم ذبيان من الشوف بجولة بعد الحرب على مختلف مناطق الجنوب، من صور إلى قضاء مرجعيون، لاكتشاف مدى فرص الاستثمار المتاحة. أغراه موقع إبل السقي ومجتمعها المسيحي الدرزي المتحرر اجتماعياً. واعتمد في دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروعه على وجود ما يقارب 2500 جندي تقريباً في مخيم بلاط المحاذي للبلدة، وأخذ في عين الاعتبار جنسياتهم (إسبان وفنلنديين وبولنديين..). في أيار الماضي، افتتح ذبيان مطعماً يتسع لـ150 شخصاً سماه «أميغو» (أو «صديقي» بالإسبانية).
كانت الانطلاقة جيدة وبلغ عائد الاستثمار حوالى 30 في المئة. إلا أن استهداف «اليونيفل» مؤخراً أقلق ذبيان الذي كان مطمئناً إلى بقاء القوات الدولية في الجنوب مدة طويلة.
يستقبل المطعم في نهاية الأسبوع عدداً كبيراً من اللبنانيين الذين تعرفوا الى أجواء «إبل» الحميمة، يضاف إليهم عشرات جنود «اليونيفل». كما خلق التزاوج الذي حصل بين نساء البلدة وجنود القوات النروجية سابقاً، رابطاً بين القوات الدولية وإبل السقي. ويشير ذبيان بأنه في حال اكتملت البنية التحتية التجارية للبلدة، ستفتح أبواب الاستثمار بشكل كبير وتزيد فرص نموها.
انطلاقاً من هذه الفكرة، يشدد صاحب مطعم «ميراج» فيصل الغبار على أن القوات الدولية سمحت لاصحاب المؤسسات بالبقاء في البلدة بعد فترة شد الأحزمة، على الصعيد الاقتصادي، التي تلت حرب تموز. على الرغم من تأكيده أن تأثير «اليونيفل» ليس بالمقدار الذي يتصوره أهالي العاصمة، إلا أنه يعترف بأن حركة المطعم تعتمد بشكل كلي على القوات الدولية، ما رفع حجم أعماله بنسبة 70 في المئة عما كان عليه قبل الحرب. كما ضخت القوات الدولية سيولة إضافية في البلدة، كونها وظفت 45 فرداً من إبل السقي، يتقاضون رواتب مقبولة.
شهد فندق «دانا» الذي يملكه حمرا حركة مقبولة قبل استهداف «اليونيفل»، لا سيما في مطعم الفندق. تساهم القوات الدولية بأربعين في المئة من حجم أعمال المطعم، في حين تتقلص النسبة إلى عشرة في المئة على مستوى الغرف. ويستقطب الفندق بشكل عام لبنانيين من مختلف المناطق يأتون بغرض الاصطياف. لكن حمرا يؤكد أن تسعين في المئة من هؤلاء ألغوا حجوزاتهم بسبب الأوضاع الأمنية، لا سيما بعد استهداف الكتيبة الإسبانية.
اليونيفل: مساهماتنا عديدة
المهمة الأساسية لقوات «اليونيفل» المعززة في جنوب الليطاني هي تطبيق القرار 1701 ومراقبة الخط الأزرق الفاصل بين فلسطين المحتلة ولبنان. تتطلب هذه المهمة التعاون مع المجتمع المحلي، وبالتالي المساهمة في الاقتصادات المحلية.
«نحن جزء من النسيج الاجتماعي في الجنوب منذ سنوات عديدة»، تقول نائبة الناطق الرسمي باسم «اليونيفل» ياسمينا بوزيان التي تشير إلى أن مساهمة هذه القوات اقتصادياً تبدأ بتوفير مئات الوظائف للشبان الجنوبيين، وتوقيع عقود مع تجار محليين تقضي بتأمين الخدمات والبضائع والاحتياجات اليومية لمخيمات «اليونيفل»، إلى جانب المساعدات التي تقدمها لمشاريع إنمائية وصحية وتربوية، والمساهمة بنزع الألغام.
وتطمئن بوزيان هواجس أصحاب المؤسسات التجارية والسياحية الذين يتخوفون من تأمين الاكتفاء الذاتي للجنود داخل مخيماتهم، إذ تنفي تماماً تغيير البنية التحتية الاقتصاية التقليدية لهذه المخيمات، لا بل تشدد على توجه الإدارة بشكل عام إلى زيادة مساهماتها في المجتمعات المحلية. وتقول إن ما يتوفر داخل المخيمات هو الحد الأدنى من الخدمات.
تمنح قيادة القوات حرية الحركة لعديدها خارج دوام الخدمة، لكن بوزيان لا تنفي مخاوف هؤلاء الأفراد من الأوضاع العامة: «جميعنا بشر في النهاية. لا بد من أن يشعر الجنود بعدم الاستقرار الأمني في البلد».
أتى تعليق بوزيان قبل جريمة اغتيال أفراد الكتيبة الإسبانية.. فكيف بالحال بعدها؟
يشكل هذا التساؤل هاجس أصحاب المؤسسات التجارية الجنوبية الأساسي. أما التأثير الاقتصادي الحقيقي لقوات حفظ السلام فلن يتبلور قبل حلول السلام الداخلي في لبنان.
تعليقات: