صمدت «أل بي سي» أكثر من غيرها، لكنّها أبت إلا أن تخطّ اسمها على لائحة ضحايا منافستها اللّدودة، «أم تي في». إذ أنّها شاركت في تعميم كذبة أول نيسان التي بثّها الخصم المهني، على أساس أنّها خبر جاد، فكان خطأها بعشرة من مثله.
بدأت القصة في الساعة 19:50. نشرت «أم تي في» في أخبارها العاجلة خبراً هو التالي: «اختفاء عدد من الصيادين مع قواربهم في مرفأ الدورة والأسباب مجهولة». معظم المواقع الالكترونية أعادت نشر الخبر ولكن، للأمانة، نسبت الخبر إلى مصدره. «أل بي سي» رفضت التواضع أمام منافستها. أرادت مشاركتها في «السبق» فوقعت في الفخ.
حوالى ثلث الساعة، كانت كافية لكي يجد الخبر طريقه إلى كثير من وسائل الإعلام. أخذت «أم تي في» تزيد في «الوقائع». الصيادون صاروا خمسة. الصيادون غادروا مرفأ الدورة ظهراً، ولم يعودوا حتى الساعة. هنا، أبت بعض المواقع الالكترونية الصغيرة إلا أن تسبق «أم تي في» في خبرها. تلاعبت بتوقيت نشرها للخبر/ الكذبة لتظهر كأنها نشرته الظهر.
حين علقت «أل بي سي» في شباك «أم تي في»، قرّرت الأخيرة فضح لعبتها، وكسبت أكثر مما كانت تتمنّاه. في الساعة 20:12، نشرت أن «خبر اختفاء الصيادين هو كذبة أول نيسان». لا مكان هنا لأسباب تخفيفيّة. لا يمكن إلقاء تبعة الخطأ على آخرين، من خلال القول إنّ مصادر في قوى الأمن أكدت الشائعة! في كل الحالات، يبقى الخطأ فادحاً، وسيلة إعلام نشرت خبراً كاذباً، وتبنّته وسائل إعلام أخرى.
من يتابع الرسائل العاجلة التي ترسلها «أل بي سي» و «أم تي في» إلى الهواتف المحمولة لا يحتاج كثيراً من الجهد ليتبيّن له أنهما تنسخان الأخبار العاجلة عن بعضهما البعض. يكفي خطأ في الإملاء أو ضعف في الصياغة ليتضح الأمر. لكنّ «أل بي سي» هي التي وقعت في الفخ هذه المرّة.
خبر «أم تي في» كان بلا ريب «ثقيل الدم». أقلق عائلات لبنانية كثيرة على مصير أحباء لها يعملون في مهنة صيد السمك. ولكن هذا بحثٌ آخر.
تلقت «أل بي سي» صفعة قويّة. سحبت «صاحبة أعلى نسبة مشاهدة في لبنان» الخبر من موقعها الالكتروني. اكتفت بدفن رأسها في الرمال. لم تتكلف عناء الاعتذار من متابعيها.
ولكنها لم تكن صيد «أم تي في» الوحيد. تلفزيون «المستقبل» نشر الخبر أيضاً على موقعه الالكتروني. ولأنه تلفزيون «عريق»، نسب الخبر أيضاً إلى «معلومات» تلقاها!
«المستقبل» التي تفاخر بأنها «الشاشة اللبنانية الأولى التي أسست موقعاً خاصاً بها عبر الشبكة الالكترونية»، وبأنها تخلق «شبكة تواصل بين اللبنانيين في بلد الأرز والمنتشرين في كل أنحاء العالم»، أبقت على الخبر منشوراً على موقعها الالكتروني وكأن شيئاً لم يكن!
تفشّي الشائعة كما حصل أوّل من أمس، ليس حالة معزولة. يتكرّر الأمر يومياً. يكفي أن تضع إحدى الوسائل الإعلامية خبراً على حسابها على تويتر، لكي تتلقفه الوسائل الإعلامية الأخرى وتنشره مع تقديم الفعل على الفاعل، أو اللجوء إلى ألاعيب بسيطة وساذجة أخرى. في عصر السرعة والتسابق على نشر «الأخبار العاجلة» تصير المهنية والحرفية في خبر كان. لا شهرة وانتشار بلا سرعة ولا سرعة بلا أخطاء كثيرة.
أثناء العدوان على غزة، لاحظ أحد الصحافيين أن قناة إعلامية «مرموقة» تنسخ ما ينشره عبر صفحته الخاصّة على «فايسبوك»! نصب لها فخاً. ادعى أن «القناة السابعة في التلفزيون الإسرائيلي» أفادت بـ«سقوط شظايا من صاروخ فجر 5 في محيط منزل رئيس الأركان الإسرائيلي بن غانتس في منطقة غوش دان». لا وجود لقناة إسرائيلية سابعة، ومنزل وزير الدفاع ليس في غوش دان ولكن، رغم ذلك، وقعت القناة في الفخ. الخطأ تناسل إذ تلقفته من القناة «المرموقة» محطات تلفزيونية وصحف كثيرة حتى وصل إلى فلسطين نفسها!
أخطاء لا تعدّ ولا تحصى وقعت فيها كل المواقع الالكترونية، معاً أو تباعاً، تجد منبعها في نسخها للأخبار المنشورة على موقعي «الوكالة الوطنية للإعلام» أو «وكالة الأنباء المركزية» دون تكلّف عناء التحقق منها. تحوّل العمل الصحافي إلى وظيفة نقل وتقليد. حتى الصحف اليومية، المكتوبة على مهل، تقع في الخطأ نفسه فتتساوى في نقل الخبر دون التحقق منه.
عندما صدر القرار الظني بحق الموقوفين في جريمة قتل ومحاولة قتل عسكريين في محلّة كراكاس، كتبت كل الصحف اللبنانية أنه أوصى بعقوبة الإعدام لـ«عزام حسين» مع أنها لو عادت إلى أرشيفها لأدركت أن لا وجود لمشتبه به بهذا الاسم، بل هناك فتاة تدعى غرام. نقطة فقط. صحيح. ولكن النقطة يمكن أن تفعل فعلها بالنسبة للمعنيين بالخبر.
هذه العينات ليست إلا النزر اليسير من آلاف الحالات المشابهة. لا نمتلك الفرصة لتبيّن زيف معظم الأخطاء الإعلامية. نتلقاها على أساس أنها وقائع. يدفعنا هذا الواقع المخيف إلى التساؤل عن مدى جدية وسائل الإعلام كمصدر للمعلومات. في الحقيقة المسألة أعقد من أخطاء العجلة هذه. يوماً بعد يوم تنفصل المعلومة عن الوقائع والأحداث وتصير كياناً يحيا بذاته.
تعليقات: