المربي محيي الدين حشيشو.. مأساة الحرب اللبنانية المستمرة
«ملف المخطوفين» جمر تحت الرماد يُحاصر 17 ألف عائلة
عشية ذكرى الحرب اللبنانية.. أمنيات بعدم تجدد المشهد
الخطف على الهوية، ذاكرة حفرت في وجدان الأهالي وتعمدت بالدماء، فيما الانتظار يبقى حالهم ومعه الخشية من يوم «الهرج»، حيث يُقتل الناس دون معرفة الأسباب، لتكتمل بذلك النبوءات الدينية، فيما تجدد عمليات الخطف لأسباب مختلفة، يجعل المواطن يعيش أسير الأمن المفقود...
ما أشبه اليوم بالأمس، حيث ترتفع الأصوات تارة من هنا وأخرى من هناك، تحمل نعرات طائفية حيناً، وتلعب على وتر المتناقضات السياسية أحياناً أخرى، لكن تبقى قضية المفقودين وصمة عار في تاريخ لبنان المعاصر، ودروس لمن أراد أخذ العبرة منها، ولكن مع تفاقم الأمور يُخشى أن تنجر البلاد الى ما لا تحمد عقباه...
الحرب اللبنانية لا زالت تحمل ذكريات أليمة لملف المخطوفين، الذين حجزت حريتهم، حيث ما زالت قضيتهم أسيرة الذكريات التي لا تغيب عنها مشاهد الخطف لأكثر من 17 عائلة لبنانية وفلسطينية، فيما جلاء الحقيقة، كان ولا يزال مطلب الأهالي، وما زالت قضية المربى محيي الدين حشيشو عالقة أمام القضاء منذ 22 عاماً بعدما اختارت زوجته نجاة اللجوء للمحاكم...
«لـواء صيدا والجنوب» يستعيد ذكرى الحرب اللبنانية الأليمة ومعها ملف المخطوفين على الهوية...
حزن وأمل
{ ما زالت نجاة حشيشو تنتظر عودة زوجها المربي محيي الدين أو نبأ عنه، رغم مرور 31 عاماً على خطفه من منزله في 15 أيلول من العام 1982، حيث ما زالت أسيرة المنزل، بعدما كرّست حياتها لمتابعة قضية زوجها المخطوف، من أجل معرفة الحقيقية، فاختارت اللجوء الى المحاكم اللبنانية منذ ما يزيد عن 21 عاماً، حرمتها من السفر لقضاء الوقت مع عائلتها في بلاد الاغتراب، بسبب تكرار التأجيل للمحاكمة كي لا تتأخر على جلساتها، ومعها الانكواء بنار الفرقة والبعد عن الأبناء والأحفاد، وفي الوقت نفسه مُحاولة معرفة مصير من كان يقود دفة سفية منزلها.
وقالت: لا زلت أبحث عن الزوج والأب والمربي والمناضل الذي كان يسعى دائماً الى نبذ العنف والعمل على العيش المشترك في منطقة صيدا والجوار، هذا ما كان يشهد له معظم رجال الدين في المنطقة، وفي تلك الفترة ومن بينهم المطرانان: ابراهيم الحلو وسليم غزال وغيرهم، ورغم تعرف العائلة على أسماء بعض الخاطفين لم تلجأ الى أسلوب الانتقام والعنف، لأن المحطوف كان مربياً ولم يلجأ في حياته الى هذه الأساليب، لذلك تقدمت بدعوى الى القضاء رقمها 452 بتاريخ 23– 3-1991، وما زالت هذه الدعوى سارية المفعول، وما تزال جلسات التحقيق تؤجل منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا.
مكافأة الجناة
{ ذكريات وصور هو كل ما تبقى لها، ومعهما عزيمة واصرار تجعلها قادرة على مواصلة النضال لاحقاق العدل الذي طال انتظاره وأملها في الأحفاد أن يواصلوا المسيرة، حيث أشارت حشيشو الى «أن الحرب اللبنانية الأليمة التي عاشها لبنان ما بين العام 1975-1990 على مدى 15 سنة كانت خلالها عمليات الخطف والاخفاء القصري من أقسى وأبشع الجرائم التي مورست خلال الحرب، ولا تزال مفاعليها مستمرة حتى يومنا هذا، لأن ضحاياها ما تزال مصائرهم مجهولة، وهذه الحرب ما تزال ماثلة في مطالبات الأهالي في البحث عن أحبة خطفتهم الحرب ولم يعدهم السلم».
وشددت على «أن ما تعرّض له أهالي المخطوفين يُشكل انتهاكاً واضحاً للحقوق التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الانسان، لأن المسؤولين عن الخطف والاخفاء القصري لم يحاسبوا أو يُحاكموا، بل صدر قانون عفو عنهم حتى دون مساءلتهم، والسياسة التي انتهجتها العهود والحكومات المتعاقبة تجاه القضية اتسمت باللامبالاة والتهرّب من تحمل المسؤولية، والتستر على المرتكبين وتهميش الضحايا، على الرغم من أن رؤساء الجمهورية الذين تعاقبوا على الحكم منذ «اتفاق الطائف» تعهدوا في بيان القسم بحل قضية المخطوفين، والقضية كانت حاضرة في كل البيانات الوزارية، كما تم تشكيل لجنتين في عهد الرئيسين الدكتور سليم الحص والشهيد رفيق الحريري، لكن مثل كل اللجان التي تصبح مقبرة للحقائق لم تصلنا أي أجوبة».
وقالت: نحن أهالي المخطوفين، ضحايا الحرب الذين لم يشملهم السلم، من حقنا معرفة مصير أحبائنا، فهل علينا المطالبة بلجنة تحقيق دولية للكشف عن مصيرهم، علماً بأن أمراء الحرب لا يزالون على قيد الحياة ومعظمهم يتعاطون العمل السياسي. وهل يراهنون على مرور الزمن؟، لكن الوجع والألم لا يسقط بمرور الزمن بل يزداد ويكبر مثل كرة الثلج. فهل يعقل طيلة هذه الفترة عدم وجود حل لهذه المأساة الانساينة، ولماذا لا تشكل الدولة لجان رسمية جدية للتحقيق في مصير المفقودين لطي صفحة الماضي والحرب، ونبني معاً لمستقبل وطن يتسع لجميع أبنائه؟
وأشارت الى «أن قانون العفو الذي صدر كان جائزة للمجرمين وقصاص دائم وتعذيب لذوي الضحايا، لذلك نسأل لماذا يُحاول البعض التغاضي عن المجرمين، فالدولة اللبنانية نست أو تناست أن الدول التي واجهت ظروفاً مشابهة واجهت بشجاعة نتائج الحروب وعملت وتعمل على تضميد الجراح سعياً الى مستقبل سليم ومعافى، وما قضية محيي الدين حشيشو، إلا المثل الفاقع على ذلك، حيث ما زالت قضيته «تجرجر» أمام المحاكم منذ العام 1991 حتى يومنا هذا، رغم معرفة الفاعلين وأسماؤهم».
تحت قوة السلاح
{ وعن يوم الخطف أوضحت أنه «صبيحة 14 أيلول 1982، وعلى أثر ذيوع خبر اغتيال الرئيس بشير الجميل حاصرت منزلنا في منطقة عبرا – شرق صيدا فرقة عسكرية مؤلفة من حوالى عشرين عنصراً بكامل عتادهم ترافقهم سيارة عسكرية عليها عناصر مسلحة وسيارتان مدنيتان، وهي: بيجو بيضاء على سطحها ضوء أزرق، ستيشن وفيات برتقالية وعليهما شعار جهات حزبية، وأجبر قائد المجموعة زوجي على الذهاب معه بقوة السلاح، وذلك بحجة التحقيق معه ثم الافراج عنه بعد ذلك، وعند خروجهم من المنزل طلب قائد الفرقة من أحد عناصره الذي كان مجهزاً سلاحه بالرصاص أن ينزع الرصاص من بيت النار، والتفت إليّ وقال: لا تتصلي بأحد، لا تراجعي أحداً ولا تصرخي سنأخذه ونعيده بعد نصف ساعة، كل ذلك المشهد الحربي حصل أمام أطفالي الأربعة الذين بدأوا بالاحتماء ببعضهم البعض، فيما دب الرعب في الحي. ومنذ ذلك التاريخ وأنا أبحث عن الزوج الذي غادر ولم يعد، وعلمت من أحد الأشخاص الذين أفرج عنهم أنه شاهد زوجي في ثكنة كفرفالوس معصوب العينين، عندها قمت بالكثير من الاتصالات والمراجعات لكن دون جدوى».
عدم شمولها بقانون العفو
{ لقد كرّست نجاة حياتها لمُتابعة قضية معرفة مصير زوجها والبحث عنه منذ 31 عاماً منها 21 عاماً قضتها أمام المحاكم، وهي التي عاشت مع زوجها 20 عاماً، فيما الحرقة في قلبها كونها تعرف الجهات الخاطفة والأشخاص بعينهم وأسماءهم.
وفي ذلك قالت: نعرف الجهة الخاطفة والأشخاص، كون زوجي أخذ من منزله للتحقيق معه، ومنذ تلك اللحظة لم نراه، وأنا وزوجي مربيان فلجأنا إلى دولتنا، حيث قدمنا كل الإثباتات والأدلة والمعلومات والشهادات، فنقول لوزير العدل أين العدل؟، لقد تعذبت 21 عاماً في المحكمة وراء القضية دون الحصول على حُكم، وأنا محرومة من العيش مع أولادي في الخارج لأن القضية تؤجل، فعليّ البقاء هنا أو قطع زيارتي لأولادي حتى أتابع القضية.
وأشارت الى أنه «تعاقب على القضية 8 قضاة، وكل مرة تُؤجل، إما لغياب أحد المتهمين أو المحامي أو القاضي، ولقد ذهبت إلى قصري العدل القديم والجديد أكثر من مائة مرة، وفي كل مرة انتظر أربع ساعات ولا جديد، رغم أن محكمة الجنايات في صيدا ردت الدفوع الشكلية التي تقدم بها المتهمون بأنها جريمة سياسية، وأكدت عدم شمولها بقانون العفو أو بمرور الزمن».
وقالت: هذه القضية تُشكل نموذجاً لـ 17 ألف مخطوف لبناني وفلسطيني، ولكنني لجأت إلى القضاء، ولبنان دولة صغيرة والجهات المتصارعة كانت معروفة والأشخاص معروفين، ومواصفات الخطف وحتى السيارات، وطبعاً تواجهنا معهم في المحكمة، إلا أننا لم نصل إلى أي نتيجة.
الأحفاد سيواصلون القضية
{ وختمت حشيشو: نطلب كأهالي مخطوفين البحث من خلال المقابر الجماعية والحصول على فحوصات الـ «دي. أن. أي»، وكذلك حماية هذه المقابر الجماعية، فمسؤولية الدولة أن تجري الفحص كي يرتاح الأهالي، وأن لا يتم التعتيم على هذه القضية المفتوحة، لأن عدم فتح هذا الملف لا يعني النسيان، لأن هذا الملف سيبقى كالجمرة تحت الرماد الذي يحرق الجميع، ولا يظن أحد أن الجيل القديم سيموت وأن الأبناء سينسون، بل سيواصلون مع الأحفاد المُطالبة بحقهم، لأن هذا الملف وصمة عار، فعلى قيادات الأحزاب الاجتماع وتحديد مصير المخطوفين.
صرخة تكرر حشيشو اطلاقها في كل عام، علها تكون ناقوس خطر يدق لحماية لبنان من الانزلاق الى مأساة مشابهة بفعل تنقل عمليات الخطف بين منطقة وأخرى...
أفراد العائلة لا يجتمعون إلا في الصور
ذكريات مضت لم يبقَ منها سوى الصور
رغم ظروف الحرب كانت ثقته كبيرة بالتواصل بين المناطق
محيي الدين حشيشو مع نجله الأصغر مازن في مئوية «جمعية المقاصد»
نجاة تحتضن أحفادها وتأتمنهم على متابعة القضية
نجاة حشيشو كرست حياتها لمعرفة مصير زوجها
تعليقات: