بعد سيطرة المعارضة السورية على الرقة
فيما تنزلق محافظة الرقة السورية، هذه الزاوية النائية في شمال شرق سوريا سريعاً خارج سيطرة الحكومة، يستعدّ عدد كبير من السوريين لحرب جديدة يتخوّفون من اندلاعها بين المقاتلين المعتدلين نسبياً الذي شهروا السلاح أولاً في وجه النظام، والمتشدّدين الإسلاميين الذين ظهروا لاحقاً ويتمتّعون بالقوة العضَلية والنارية لقيادة تقدّم الثوار.
وقد أدّت السيطرة على مدينة الرقة، وهي أول عاصمة تسقط في أيدي المعارضة بين عواصم المحافظات السورية، إلى ترسيخ المكاسب التي حقّقتها فصائل إسلامية الطابع في شكل أساسي، في ثلاث محافظات في شمال شرق البلاد. لا تزال القوات الموالية للرئيس بشار الأسد تتمسّك بعدد صغير من القواعد المبعثرة، ويمكن أن تُطرَد من هناك في أي وقت.
لكن حتى في الوقت الذي يستمرّ فيه النظام في الصمود، بدأت التصدّعات تظهر في أوساط مجموعات الثوار حول الأيديولوجيا، وشكل الدولة السورية المقبلة، والسيطرة على الموارد المهمّة التي تتركّز في هذه الزاوية المهمَلة منذ وقت طويل إنما الأساسية في البلاد.
"لا مفر من القتال"، هذا ما يقوله أبو منصور، القيادي في "كتائب فاروق" التابعة للجيش السوري الحر التي تصادم عناصرها الشهر الفائت مع مقاتلي "جبهة النصرة" المتطرّفة في بلدة تل أبيض الحدودية، في واحد من حوادث عدّة أسفرت فيها التشنّجات عن اندلاع أعمال عنف. وتابع "إذا لم يقع القتال اليوم، فسوف يحدث غداً لا محالة".
"جبهة النصرة" التي صنّفتها الولايات المتحدة في خانة المنظمات الإرهابية بسبب الاشتباه بعلاقتها بتنظيم "القاعدة"، هي واحدة من مجموعات عدّة تبرز على الساحة في المنطقة، إنما في صورة المجموعات الأقوى والأكثر إثارة للانقسام.
وأعلن تنظيم "دولة العراق الإسلامية" المرتبط بـ"القاعدة" أنه اندمج رسمياً مع "جبهة النصرة"، وأنه سوف يُطلَق على المجموعتين معاً اسم "الدولة الإسلامية في العراق والمشرق".
وفي اليوم التالي، وصفت "جبهة النصرة" الإعلان عن التحالف بأنه "سابق لأوانه"، وقالت إنها ستستمرّ في استخدام اسمها، في ما يؤشّر إلى وجود تشنّجات بين التنظيمين. وقد أكّد زعيم الجبهة، أبو محمد الجولاني، أن علاقة وثيقة تربطه بـ"دولة العراق الإسلامية" وأنه حارب إلى جانبها في العراق قبل الانتقال إلى سوريا في تموز 2011 للمشاركة في الثورة السورية.
لكنه أضاف أنه لم تتم استشارته بشأن الدمج، كما نقل عنه موقع SITE Intelligence الذي يرصد نشاط الجهاديين عبر الإنترنت.
على الرغم من أن "جبهة النصرة" تتشاطر الراية نفسها مع "دولة العراق الإسلامية"، فرع تنظيم "القاعدة" في العراق"، إلا أن عناصرها سعوا في السابق إلى تصوير تنظيمهم بأنه سوري وإلى التقليل من شأن روابطه مع "القاعدة".
وقد سلّط الاندماج المحتمل الضوء على التداعيات العميقة التي يمكن أن تترتّب على مستقبل سوريا جرّاء سقوط هذه المنطقة الشمالية الشرقية التي تتعرّض للإهمال منذ وقت طويل، في أيدي المتطرّفين. تضم محافظات الرقة ودير الزور والحسكة - التي تُعرَف جماعياً بالاسم القديم "الجزيرة" نظراً إلى موقعها بين نهرَي دجلة والفرات - السواد الأعظم من مصادر الثروة الاقتصادية السورية، بما في ذلك الحقول النفطية، واحتياطي الغاز، والجزء الأكبر من المحاصيل الزراعية، لا سيما القمح والقطن.
كما أن منطقة الجزيرة تشمل محافظتَي نينوى والأنبار في غرب العراق، حيث تقع جذور تنظيم "دولة العراق الإسلامية". تمتدّ الروابط القبلية والعائلية عبر الحدود، ولا تزال تتردّد في تلك المنطقة أصداء النزاع الشائك والمعقّد الذي عرفه العراق خلال العقد المنصرم، عندما بدّل عدد كبير من أبناء القبائل السنّية الذين انضموا في البداية إلى التمرّد ضد الولايات المتحدة، مواقعهم وشاركوا في القتال ضد تنظيم "القاعدة".
عن "الواشنطن بوست" | ترجمة نسرين ناضر
بعد سيطرة المعارضة السورية على الرقة
تعليقات: