على الرغم من الدور المتقدم الذي تؤديه المملكة العربية السعودية، في ما خص ملف لبنان، إلا أن القيادة المصرية تواصل البحث في آلية تواصل من النوع الذي يقود إلى خرق جدي. وكشف دبلوماسي عربي رفيع المستوى عن اقتراح أعدّه رئيس المخابرات المصرية العامة اللواء عمر سليمان، وبحثه مع عدد من الشخصيات العربية عشية القمة العربية الأخيرة، يتعلّق بمبادرة شاملة تخص مشكلات لبنان الطارئة.
وبحسب المصدر، فإن سليمان اقترح قمة مصرية ــــــ سعودية ــــــ سورية، على أن تتولى لجنة ثنائية، تضمه ورئيس مجلس الأمن القومي السعودي بندر بن سلطان، البحث مع الرئيس السوري بشار الأسد في ترتيبات هذا الاتفاق الذي ينص على إقرار أولي لمشروع المحكمة الدولية من خلال المؤسسات الدستورية اللبنانية، وأن يُستعان بإيران لهذا الغرض، ثم يصار إلى تفاهم على شخصية لبنانية لترشيحها توافقياً لمنصب رئاسة الجمهورية، على أن يلي ذلك مباشرة تأليف حكومة جديدة يتوافر فيها التوازن السياسي الذي يعيد الاستقرار إلى لبنان، وأن ترجأ في الوقت نفسه الملفات الشائكة الأخرى إلى وقت آخر.
وقال المصدر إن سليمان ناقش اقتراحه مفصلاً مع دبلوماسيين على صلة بمراكز القرار في عدد من الدول، وعلى صلة بالأمم المتحدة التي يفترض أن تؤدي دوراً في هذا المجال. وأوضح أن النقاش توقف لبعض الوقت بسبب المناخات التي رافقت الإعداد للقمة العربية، وصعوبة عقد قمة ثلاثية مصرية ــــــ سعودية ــــــ سورية لأسباب كثيرة بينها عقدة «الاعتذار» التي كان السعوديون ينتظرونها من الرئيس الأسد. وحصلت يومها توقعات بينها تحديد موعد مسبق لخطاب يلقيه الأسد ويقدم فيه اعتذاراً مباشراً، ما دفع بالأخير إلى إلغاء خطاب كان مقرراً في مناسبة حزبية سورية، وإبلاغه وسطاء أن الأمر لا يتم على هذا النحو، وأن لديه من الأسباب ما يكفي ليطلب هو اعتذار الآخرين، وخصوصاً أن دمشق كانت تقف إلى جانب لبنان يوم تعرضه لعدوان، بينما كان الآخرون يبررون هذا العدوان.
إلا أن ذلك لم يكن ليتوقف لولا مداخلة غربية قوية. وينسب المصدر إلى مسؤولين مصريين أن الولايات المتحدة الأميركية عطّلت المسعى من زاوية رفضها مقايضة تعيد الدور السوري إلى الواجهة، وأن ما يجري في المنطقة لا يحتمل خطوة كهذه، وأنها أبلغت بندر بن سلطان عدم موافقتها على أي خطوة تأتي خارج السياق العام المتصل بما يجري في العراق وفلسطين.
وبعدما اتجه الجميع من جديد صوب مجلس الأمن الدولي، كان لا بد لجهود الحوار الداخلية في لبنان من أن تفشل، وهو الأمر الذي دفع السعودية إلى إعادة النظر في الملف من زاوية أخرى، فتراجع بندر بن سلطان إلى الخلف قليلاً ليتقدم وزير الخارجية سعود الفيصل مع مواقف لا تقل تشدداً، وهو الذي كان قد حمّل المعارضة مسؤولية التدهور السياسي في لبنان، برغم أنه أبدى تفهماً لما أعلنه الرئيس نبيه بري في مؤتمره الصحافي الشهير. لكن الأمر تطور باتجاه ترتيب آخر لملف المحكمة الدولية من خلال الأمم المتحدة.
ويقول المصدر إن الدور المركزي للرئيس الفرنسي جاك شيراك ــــــ على أهميته ــــــ لا يمكن أن يكون اختصاراً للجهود التي تقودها الولايات المتحدة في شأن المحكمة الدولية، وإن ما تريده واشنطن هو الذي يحصل عملياً. ويلفت المصدر في هذا الإطار إلى الضعف والارتباك اللذين تعانيهما الأمانة العامة للأمم المتحدة منذ وصول بان كي مون إليها. ويلفت المصدر في هذا السياق إلى الآتي:
أولاً: إن الأمين العام الجديد يفتقر إلى الخبرة في ملفات الشرق الأوسط، وقد ارتكب حتى الآن مجموعة أخطاء في تصريحات، علماً بأن فريقه يحمِّل جريدة «الحياة» مسؤولية تحوير جزء من موافقه، وأن مكتبه اضطر مراراً إلى نفي أو توضيح ما نسب إليه، علماً بأن المعنيين في الجريدة نفسها أوضحوا لمعاوني بان كي مون أنهم لم يحوروا في ما قاله لهم. كذلك هي الحال بالنسبة إلى عدد من الدبلوماسيين المعتمدين في الأمم المتحدة من الذين لا يخرجون من بعض الاجتماعات مع بان كي مون بنتائج نهائية.
ثانياً: عناده في مقاربة بعض الملفات الإدارية، الأمر الذي أتى حتى الآن على كل ما تركه الأمين العام السابق كوفي أنان، بما في ذلك الفريق البشري. وهو في صدد تغيير جديد يطال مساعديه المباشرين.
ثالثاً: عدم حسم الموقف من موظفين كبار يعملون على ملفات حساسة في الشرق الأوسط، وتأرجحه بين تبني وجهة نظر الولايات المتحدة وفرنسا بشأن المحكمة الدولية وملف القرار 1701 ومتطلبات خطوة من هذا النوع. حتى أن المصدر يكشف أن مسؤولاً أميركياً أبلغه أن إسرائيل لن توافق على المخرج الذي تم في شأن مزارع شبعا، وخصوصاً أن المسّاح الذي درس ملف الخرائط الجغرافية للمزارع، أميركي سبق أن اختاره كوفي أنان. وهو وصل إلى خلاصة مفادها أن المزارع لبنانية، وأن ترسيمها يرتبط بأمور عدة بينها توافق لبناني ــــــ سوري وبينها ما يتصل بواقع الاحتلال هناك. وقد تبلورت صورة عن الموقف، لكن الولايات المتحدة ضغطت بقوة لمنع الإشارة إلى هذه النتيجة في التقرير الأخير لمجلس الأمن الدولي حول مراقبة تطبيق القرار 1701، وهو ما عكس ضعفاً غير متوقع بهذه السرعة لبان كي مون أو لفريقه العامل، وخصوصاً لممثله الشخصي في لبنان غير بيدرسون الذي بات كثيرون يشككون في حقيقة موقفه الحيادي.
وعليه، يعتقد المصدر أن تجدد التواصل السعودي ــــــ المصري ــــــ السوري والجهود المتكررة للأمم المتحدة في شأن ملفي المحكمة الدولية والقرار 1701 سيفتحان الأبواب مجدداً أمام توقعات من النوع الذي يفرض على الجهات اللبنانية المسارعة إلى وضع تصور يعكس أزمة فريقي المعارضة، سواء لناحية الحكم أو لناحية الحسم، وهي الوضعية التي تهدد الاستقرار في لبنان أكثر من أي وقت مضى، وهو ما ظهر في الجريمة الإرهابية الأخيرة التي أودت بحياة شابين لأسباب سياسية. وإذا لم تتطور جهود التهدئة القائمة حالياً إلى مبادرة سياسية متكاملة، فإن الانفجار واقع في أي وقت.
تعليقات: