سلاحف المنصوري في دائرة الخطر

تربي منى خليل السلاحف وحدها منذ 13 عاماً (حسن بحسون)
تربي منى خليل السلاحف وحدها منذ 13 عاماً (حسن بحسون)




حتى الآن، لم يحدّد مصير السلاحف البحرية المقيمة منذ سنوات على شاطئ المنصوري. الصراع في وجهات النظر بين مربية السلاحف منى خليل والبلدية حول وجهة استخدام الشاطئ واستثماره مستمر؛ إذ يتمسّك الطرفان بحق كلّ منهما في رماله. فكيف ستنتهي المنازلة بالنسبة إلى السلاحف؟ وأي دور لوزارة البيئة؟

>>

من المنتظر أن تتوجّه لجنة استقصاء ميدانية قريباً إلى شاطئ المنصوري، للتحقق من مشروع بلدية المنصوري (قضاء صور) في فتح الشاطئ الرملي أمام العموم. هذا ما كشفت عنه مستشارة وزير البيئة ناظم الخوري، لارا سماحة، لـ«الأخبار». أما سبب إرسال هذه اللجنة، فهو حملة الاحتجاج والمناصرة التي أطلقتها الناشطة البيئية منى خليل على صفحتها على موقع «الفايسبوك»، على ما وصفته بمشروع البلدية لتخريب الشاطئ وتهديد السلاحف البحرية التي تقصده لوضع بيوضها.

قبل أسبوعين، تلقت خليل رسالة عبر البريد الإلكتروني من أحد أقربائها المقيمين في الخارج، ينذرها بأن رئيس البلدية حسن خشاب اتخذ قراراً باستثمار الشاطئ الذي تستخدم قسماً منه منذ 13 عاماً للاهتمام بالسلاحف. والاستثمار يتضمن استحداث موقف للسيارات والسماح للعموم بالدخول إلى الشاطئ والتنزه والسباحة وإنشاء أكشاك وخيم بحرية. علماً بأنها استطاعت في عام 2008 الحصول على قرار من البلدية السابقة بإعلان الشاطئ حمى طبيعية بهدف حماية الموارد الطبيعية، ولا سيما السلاحف للحفاظ على بيوضها وتكاثرها. في حين أن خليل كانت قد قررت، منذ عام 1999 بمبادرة شخصية منها، العودة من اغترابها الهولندي والإقامة في بلدتها المنصوري بعدما اكتشفت بالصدفة توافد السلاحف إلى الشاطئ المحاذي لبستان عائلتها. ضخامة السلاحف دفعتها إلى أن تنذر حياتها لحمايتها وتوفير شروط تكاثرها ومنع انقراضها.

منذ 13 عاماً، بدأت خليل بتنفيذ قرارها بمفردها. يومياً تجوب الشاطئ لتجمع القمامة التي يتركها بعض رواد البحر خلفهم. أما في موسم تكاثر السلاحف بين شهري أيار وتشرين الأول من كل عام، فهي ترصد حركة السلاحف التي تقصد الشاطئ ليلاً وفي الظلام الدامس والهدوء لتضع بيوضها. تحاول خليل توفير هذين الشرطين ليلاً، فيما تقوم منذ الفجر بتسجيل عدد الأعشاش التي وضعت وتحديد أماكنها وحمايتها من أقدام المارة والثعالب والكلاب، عبر تغطيتها بأقفاص حديدية. وعندما يحين موعد تفقيس البيوض، تساعد خليل السلاحف الصغيرة على الزحف نحو البحر لتبدأ رحلة الحياة. علماً بأن السلحفاة التي تولد على شاطئ المنصوري تعود بعد سنوات لتضع بيوضها عليه.

تعيش مي خليل، أو «أم السلاحف»، اليوم في انهيار تام. تظن أن حماها وسلاحفها ستصبح في مهب الريح بعد أسابيع قليلة. تغالب دموعها وتمنعها غصتها من الإجابة عن أسئلتنا. لا تفكر إلا في أن حلمها البيئي سيتلاشى أمام عينيها قريباً من دون أن تتمكن من المقاومة والمواجهة. تستغرب «تفكير بعض البشر بتهديد حق السلاحف بأماكنها التي تقصدها قبل أن نأتي إلى الحياة بمئات السنين». تقطع سريعاً حديثها معنا ليقينها بأن تسليط الضوء إعلامياً على القضية وحملتها على الفايسبوك ومناشداتها لن تجدي نفعاً. تشعر بأن المشروع بات أمراً واقعاً. كيف لا وهي التي «لم تحظ برعاية وزارة البيئة لعملها التطوعي بدل أن تستصدر الوزارة قانوناً لإعلان الشاطئ محمية طبيعية». مع ذلك، لا تنفك تروّج للعريضة التي أطلقتها عبر الفايسبوك حول حماية الشاطئ والسلاحف والتي وجهتها إلى الرؤساء الثلاثة «للتدخل لحماية الأجيال الحالية والآتية في لبنان». النائب غسان مخيبر الذي كان أحد الموقعين على العريضة، اقترح طرح القضية على مجلس النواب لاستصدار قانون لحماية الشاطئ وسلاحفه.

لكن هل يدهم الخطر شاطئ المنصوري فعلاً؟ في حديث لـ«الأخبار»، نفى خشاب «اتهامات خليل جملة وتفصيلاً»، موضحاً أن البلدية ستستحدث موقفاً للسيارات على الطريق العام بعيداً عن الشاطئ، وتنشئ جنائن في محيطه وتسمح للمواطنين بارتياده، لكن في قسم بعيد عن موئل السلاحف. ونفى أن تكون البلدية بصدد السماح بإنشاء خيم بحرية وأكشاك سياحية أو اي إنشاءات على غرار شاطئ صور. وأشار إلى أن الشاطئ الذي يشكل العقار رقم 563 والممتد على مساحة 12 ألف متر مربع، تتبع ملكيته لوزارة المال. بالتالي، لا يحق للبلدية التصرف به من دون قرار يسمح لها بذلك، يكون صادراً عن مجلس الوزراء. وأكد أن خطة البلدية تهدف إلى فتح الباب أمام استمتاع المواطنين بالشاطئ بما أنه الشاطئ الرملي الوحيد المؤهل للسباحة والاستجمام من رأس الناقورة حتى حدود محمية صور. ورفض خشاب اتهامات خليل بتخريب الشاطئ، لافتاً إلى أن أقاربها يضعون يدهم على الشاطئ انطلاقاً من البستان الذي يملكونه بمحاذاته ويستمتعون به بمفردهم. واتهمهم بإقدامهم قبل سنوات على طمر آثار ومدافن صليبية تقع على الشاطئ. أما بالنسبة إلى السلاحف، فاستشهد خشاب بقرار البلدية السابقة بإعلان الشاطئ حمى ودعم خليل نفسها.

من جهتها، أوضحت مستشارة وزير البيئة لارا سماحة، أن الوزارة ستحدد موقفها من القضية في ضوء الكشف الميداني الذي سيجريه خبراء لديها على الشاطئ وبعد الاستفسار من البلدية عن آلية خطتهم ومدى تأثيرها على السلاحف. مع ذلك، تشير المعطيات الأولية برأيها إلى أن البلدية لا ترتكب مخالفة، بل يحق لها استثمار الشاطئ بالحد الأدنى من دون استحداث إنشاءات.

إشارة إلى أن الشاطئ الممتد من الناقورة حتى عدلون، كان موئلاً للسلاحف البحرية حيث تضع بيوضها. لكن عددها بدأ يتقلص تدريجاً بسبب الاعتداءات على الأملاك البحرية والصيد البحري العشوائي بالديناميت ورمي الأوساخ على الشاطئ، ولا سيما أكياس النايلون التي تبتلعها السلاحف وتختنق بها وتؤدي إلى نفوقها، بعد أن تظنها قناديل بحرية.

تعليقات: