حفل ريما خشيش مكتمل ومليء بالإحساس

الهوى والروح الجميلة (محمد شرارة)
الهوى والروح الجميلة (محمد شرارة)


الآلة الغربية والأداء العربي

جمهور، أصدقاء ومهتمون وفضوليون إلى الموسيقى العربية والغناء العربي، هم جمهور الفنانة ريما خشيش التي أحيت حفلها أول أمس في قاعة «بيار أبي خاطر» (تلاه حفل ثان أحيته ليل أمس). جمهور فضول معرفي وفني هو جمهور الفنانة خشيش التي عرفت كيف تستقطبه وتحافظ عليه في إطلالاتها الدؤوبة والمتألقة على خشبات المسارح اللبنانية والعربية والعالمية. فنانة يحسب لها طموحها، وجديتها، ومحاولات تجريبها في تقديم الأغنية العربية، والموشح والقصيد بمرافقة موسيقية تنوعت بين العربية والأجنبية في محاولتها إلى تطويع الأخيرة ومنحها روحاً شرقية قابلة للمرافقة مع الغناء العربي.

برنامج الحفل أتى بمناسبة إطلاق أسطوانة «هوى» جديد ريما خشيش. بداية نظرة عابرة على برنامج الحفل كانت كفيلة بإشعال بهجة خاصة عندي، على علاقة بما أدرجته ورقة البرنامج من موشحات يستهويني سماعها، وأجد فيها ريما خشيش التي تتألق بقدرتها على غنائها وعلى نبش روحها الجميلة. تحية بداية إلى روح عازفة القانون الراحلة منذ أيام إيمان حمصي، لتطل خشيش بعدها بالأسود الساحر، وتستأنف علاقة حميمة بجمهورها عملت على إنجاحها من بساطة إطلالتها، ومن الإحساس الذي ترخيه بأنها على المسرح كما لو في بيتها وبين أصدقائها والمقربين منها. المرافقة الموسيقية توزعت بين توني أفرواتر (دوبل باس) ومارتن أورنستن (كلارينيت) وجوشوا سامسون (إيقاعات) وسلمان بعلبكي (رق). البرنامج كان حكراً على غناء الموشحات (رمى قلبي) (يا نحيف القوام) (يا هلالاً) (يا أخ البدر) (سل فينا اللحظ) (رماني بسهم هواه) إلى ما هنالك من استعادات لموشحات علّمت في ذاكرة الفن العربي، مع أغنيات طربية مثل: فتن الذي (شعر: نور ثابت، لحن: فؤاد عبد المجيد) و(حفلة ترف: شعر ولحن: ربيع مروة) التي كسرت قليلاً في نمطية الحفل الموشحاتي، وأدتها خشيش بمزاج عال سمح بإظهار طبقات صوتها، وبتلك القفلات الفخيمة المتمكنة التي ختمت بها في أكثر من موضع.

بالنسبة لصوت خشيش، فهو على ما نكرر دائماً، مكتمل ومليء بالإحساس المدعوم بالمعرفة والدراسة والخبرة، وقد أطلقته في الحفل في حاله الأرقى، مزاجاً وخبرة. مشكلتي أنا شخصياً مع الفرقة الموسيقية الأجنبية المرافقة التي لم يصلني منها ذلك التلاقح مع الغناء فكنت موزعة بين سماع الصوت على حدة، وسماع الموسيقى في مقلب آخر. ولعلها ذائقتي القديمة التي تطالب بمرافقة تخت شرقي في مثل هذه الحفلات لكي أعثر على التناغم الكلي والمشبع، خصوصاً ان ما يقدّم هو الموشح الذي هو على علاقة بوجدان الموسيقى الشرقية. في الحفل، حاولت كمستمعة أن افصل ما بين الغناء والموسيقى، وانتهيت إلى سماع خشيش من دون ان أولي كثير انتباه إلى المرافقة الموسيقية، مع الاعتراف بأن الإيقاع جاهد إلى ضبط «القفلات» تماماً كما فعل «الرق» سوى أن الدوبل باس والكلارينيت لم يقدّما لي الكثير في إنسيابية اختلاط النغم بالكلمات. سوى أن لا بأس في مثل هذه المحاولات، كدعوة إلى الآلة الغربية وإلى العازف الغربي وإفساح المجال لهم ولآلاتهم في التعرف والنهل من خزين تراثنا الجميل، ولكن قبل كل شيء، ليس على حساب روحية المادة المغناة، وروحية الموشح نفسه.

تعليقات: