يتصدّر العكّوب قائمة الحشائش والأعشاب البرية الغذائية (رامح حمية)



لا تقتصر مزايا البساط الأخضر الذي ترتديه القرى الجبلية في فصل الربيع على المنظر الجميل، بل تتعداه إلى أنواع الحشائش المختلفة التي تقدّمها الأرض وأبرزها العكوب بفوائده الغذائية المتعددة

في مثل هذه الأيام من كل عام، ومع نهاية فصل الأمطار، يتسابق الأهالي في القرى الجبلية، على قطاف نبات «العكوب» الشوكي الذي ينمو في المرتفعات وبين الأعشاب. والتسابق على قطاف تلك النبتة ليس هواية، وخصوصاً في تلك المنطقة التي اعتاد أهلها أكله، ولكنه مورد رزق يؤمن لهم بعضاً من «الأموال الموسمية»، إذ يعمدون إلى جمعه و«طرحه» في أسواق القرى، وقد يرسلونه إلى خارج لبنان.

وسط باحة منزلها في بلدة العديسة (مرجعيون)، تقوم أم محمد أشمر مع أطفالها الأربعة بتنظيف نبات العكوب من الأشواك القاسية، بعدما جمعته صباحاً من الحقول البعيدة. وعدت أطفالها بأن تطعمهم «أطيب أكلة عكوب مع اللبن واللحمة». أما بقية «العكوبات»، فتبيعها أم محمد «لمساعدة زوجي في مصروف البيت، فهذا النبات الموسمي نستطيع بيعه أيضاً بأسعار مقبولة، ويؤمن لنا دخلاً إضافياً». وعن سعره، تقول السيدة إن «سعر الكيلوغرام الواحد يصل إلى حدود 15 ألف ليرة».

تفرح أم محمد للسعر، وخصوصاً أنها قادرة على جمع كميات وافرة منه. فبرغم قصر موسمه كونه ينمو مع بداية فصل الربيع، إلا أنها تجمع ما يكفي للبيع والتخزين أيضاً «إذ يمكن توضيبه في أكياس ووضعه في الثلاجة وحفظه حتى فصل الشتاء». لكن سهولة تجميعه لا تنعكس أبداً على طريقة العمل به «فتنظيفه صعب جداً، وقد ينسينا طعمه اللذيذ». أما عن طرق طبخه، فيمكن «قلبه مع البيض، أو إعداده مع اللبن واللحم، أو مقلوبة مع الرز واللحم بدلاً من الفول».

كما أم محمد، كذلك فاطمة قطيش (حولا) التي تنتظر موسم العكوب بفارغ الصبر، كي تحفظ منه «بضع أكلات في الثلاجة» ولتبيع أيضاً. صارت قطيش «معلّمة» بتنظيف العكوب كما في بيعه. وفي صحن دارها، تراها جالسة بين أكياس بيضاء «حشتها» بغلّتها، وعلى كل كيس اسم صاحبه. وتقول «الكثيرون من أبناء المنطقة ينتظرون حصتهم، وعليّ أن أنظفه جيداً كي آخذ السعر الذي أريد، لأن السعر يتدنّى إذا بعته بدون تنظيف».

لكن الحفظ والبيع ليسا الهدفين الوحيدين من قطاف العكوب، فهناك أمهات كثيرات ينتظرن الموسم لإرسال «الغلّة» إلى أبنائهنّ في المهجر.

في البلد أو في المهجر، «أكلة» العكوب لا يمكن إلا أن تكون ممتعة. ولكن المتعة في تذوق طبق العكوب ليست هي نفسها في عملية إعداده التي «تهدّ الحيل وتكسر الظهر». مع ذلك، لا تقاوم النسوة إغراءه ولذّة مذاقه، والتنافس في إعداده، حيث تعتبر عملية تجهيزه مهمة صعبة للغاية تبدأ باختيار نوعه الجيد بعد «لفة ودورة» طويلة في الحقول أو الأسواق، ومن ثم القيام بعملية «التعكيب»، وهذا الأمر متعب للغاية حتى للنسوة اللواتي يحترفنه، إضافة إلى أنه يأخذ الكثير من الوقت، لذلك لا مناص من أن يشارك أفراد العائلة في هذا العمل الشاق.

يتمتع «العكوب» بخصائص غذائية نادرة. وهو نبات شوكي تؤكل جذوره التي تحتوي على مواد مغذية. وفي هذا الإطار، يقول الطبيب زهير موسى (كفركلا) إن «هذا الطعام يقوّي الجهاز العصبي ويعالج الجهاز البولي ويقوي الدم ويحتوي على فوائد جمة بالنسبة إلى الجهاز الهضمي». ومن ناحية الفوائد الصحية الغذائية لمن يتناول طعام العكوب مطبوخاً، فإن خبراء التغذية يؤكدون أنه مفيد جداً ونافع لتنحيف جسم الإنسان ولمن يعاني من ارتفاع الكولسترول والشحوم ولمرضى القولون العصبي وللإمساك المزمن، ويساعد في الهضم وطرد السموم. وكذلك، هو غني بالأملاح المعدنية وخاصة البوتاس التي تقوي الأعصاب وتنقي الدم، كما يحتوي على مجموعة من الفيتامينات المفيدة والمغذية للجسم. ويقال أيضاً إنه مدرّ للبول ومقوّ للقلب وغني جداً بالألياف الهامة. كما يعتبر من أهم أدوية الكبد على الإطلاق، وله دور في علاج حصى المرارة وعلاج الصداع النصفي وعلاج البواسير.

والعكوب الذي يعتبره البعض من أطيب الأكلات العربية في بلاد الشام يتصدر قائمة الحشائش والأعشاب البرية الغذائية الربيعية والتي يزيدها هطول الأمطار نمواً مبكراً وسريعاً في هذه الأيام. أما بالنسبة إلى شكله، فيشبه الأسطوانة الرفيعة، ويميل لونه إلى الأخضر مع البياض وذيله الترابي مغطى بأغشية نباتية. وبسبب هذا الذيل، تعمد النساء في المنزل إلى إزالة هذه الأغشية أو الأوراق مع القمم الشوكية بحذر.

العكّوب