الكويتي سعود السنعوسي.. فائز بـالجائزة العالمية للرواية العربية 2013

الكويتي سعود السنعوسي
الكويتي سعود السنعوسي


الكويتي سعود السنعوسي: لم أنتصر على أحدهم ولم أكن في حرب


ظفرَت رواية الكاتب الكويتي سعود السنعوسي الثانية "ساق البامبو" بـ"الجائزة العالمية للرواية العربية" 2013 في دورة حام حولها فيض من الكلام لم يخلُ من التشكيك في خيار إغفال المكرّسين واستبقاء التجارب الكتابية الشابة. في ما يأتي حوار مع الروائي حول نصه وحيثيات الفوز.

¶ نالت "ساق البامبو" "الجائزة العالمية للرواية العربية" 2013 وهي أول رواية كويتية يتم ترشيحها لهذا الإمتياز. لم يلبث فوزك الفردي أن صار فوزا جماعيا وكويتيا وطنيّا. ألا يُخشى على أي مشروع روائي عندما يحمّل هذه الأبعاد؟ ألا يدفع به ذلك تلقائيا الى ان يصير مشروعا لسوء الفهم؟

- لست أخشى سوء الفهم بقدر خشيتي إساءتي في التعبير. هناك حس جماعي بالفوز في الكويت، هذا أمر يسعدني ويقلقني. أريد للناس أن يفرحوا بتحقيق أي إنجاز. يشعر البعض بالعطش لأمور مماثلة، ولكن لا أريد لهم أن يشعروا بالانتصار. لم أنتصر على أحد، ولم أكن في حرب مع زملائي في القائمة القصيرة حتى ينتصر أحدنا على الآخر. تعاطى البعض مع الأمر بما لا يتفق وطبيعته، احتفى بالفوز ولم يحتفِ بالرواية بل وربما لم يقرأها. سيعي القارئ انني أنبذ في نصي أي صورة للتعصب والتطرف، أتمنى تاليا أن لا يجرّنا الفوز الى الإنتصار لأنفسنا بشكل مبالغ فيه يجعل من فوز رواية "ساق البامبو" انتصارا وإقصاء للآخر ومنجزه الإبداعي على السواء.

¶ تتناول "ساق البامبو" ("الدار العربية للعلوم ناشرون") حكاية عيسى أو هوزيه المولود لوالد كويتي وعاملة المنازل الفيليبينية جوزافين. يعدّ اراغون الرواية مفتاح غُرَف مَنزِلِنا الممنوعة. هل دخل نصك غرف المجتمع الكويتي المُحَظرة؟

- استطاع النص دخول هذه الغرف، على رغم تحفظي عن كلمة "محظرة"، فالرواية تناولت مسألة معروفة ورَدَت في صحفنا وصارت مادة دسمة للحديث في مجالسنا وأماكن عملنا واجتماعاتنا أحيانا. توقّف البعض عندها ربما لأنه جرى تناولها في عمل إبداعي. تحسس البعض من ذلك واعتبره هجوما قاسيا على بعض النماذج الاجتماعية. أرفض كلمة هجوم وأكتفي بكلمة قسوة. ما المانع أن نقسو على أنفسنا وعلى الآخرين إذا كان الحب دافع هذه القسوة؟ هناك أصوات قليلة جدا رفضت طرح الموضوع على هذا النحو، في مقابل أصوات كثيرة تأثرت بالعمل وأيدتني وشاركتني حال الندم وتأنيب الضمير تجاه أمور ألفناها وباتت جزءا من ثقافتنا من دون أن ننتبه إلى خطورتها.

¶ تفتتح روايتك على قول مواطنك الكاتب اسماعيل فهد اسماعيل "علاقتك بالأشياء مرهونة بمدى فهمك لها". في إحدى المناسبات الإحتفائية بكَ، أشار اسماعيل الى أنك بحصولك على "الجائزة العالمية للرواية العربية" فعلتَ ما لم يفعله الرواد، ونضيف فعلتَ ما لم يفعله رواد غير كويتيين أيضا أسقطوا من نهائيات الإمتياز في 2013، من قبيل الياس خوري وواسيني الأعرج وإبرهيم نصرالله وآخرين. كيف قاربت هذه المسألة؟

- أتحفظ عن كلمة "أسقطوا" وأتوقف عندها على السواء، لأني لا أتخيل أنه يمكن أن تسقط أسماء بهذا الحجم أو أن يتم اقصاؤها كما يشيع البعض. لا ترتبط المسألة بكاتب كبير وصغير، وانما بنقاش عمل بعينه. لا أدّعي أن عملي أفضل من غيره، فالحكم عليه يعود إلى لجنة التحكيم. تعاطى البعض مع الفوز بـ"الجائزة العالمية للرواية العربية" كأنه يمنح شهادة غير قابلة للنقض لإسم روائي، ولا أظن ذلك صحيحا. لا يعني عدم تأهل أعمال أساتذتنا الكبار اننا تفوقنا، نحن جيل اليوم، عليهم أو على تاريخهم وانجازهم الإبداعي. أنا من الشباب وتلقيت تهاني الأستاذ الروائي واسيني الأعرج وتشجيعه منذ البدء، على رغم اننا نحن الإثنين، المخضرم والمبتدئ، أدركنا القائمة الطويلة. الكبار كبار في تعاملهم وثقتهم بأنفسهم أيضا. ربما انتقد بعض المتحمسين لتلك الأسماء الروائية الكبيرة النتائج، لكني متيقّن ان المعنيين لا يأبهون لهذه الأمور فتاريخهم ومنجزهم أكبر من أن يقيَّم بجائزة تكافئ عملا محددا.

¶ تعتمد "ساق البامبو" منطقا يشبه الخديعة. تريد للقارئ الاعتقاد بداية ان هوزيه ميندوزا كتب الرواية بالفيليبينية ثم نقلها ابرهيم سلام الى العربية. بينما تجعل الكاتب اسماعيل فهد اسماعيل يقابل شخصيتك المتخيّلة جوزافين في الفيليبين، حيث أنجز روايته السباعية "إحداثيات زمن العزلة". تشوّش الفواصل بين المعطيات الواقعية والمتخيّلة، هل لاقتناعك ان الواقع مسألة غير موضوعية؟

- الأمر أبسط من ذلك بكثير. يحاول الروائي إقناع المتلقي بواقعية أحداثه وشخوصه، وهذه حالي في "ساق البامبو" المكتوبة بقلم بطلها هوزيه ميندوزا أو عيسى الطاروف كسيرة ذاتية. كان أمرا لا بد منه، لا يتوقف دور المترجم ابرهيم سلام عند كتابة المقدمة أو سيرته الذاتية في صفحات الرواية الأولى، بل يظهر في العمل كأحد شخوص الرواية تماما مثل مراجعة العمل ومدققته خولة راشد ودورها رئيسي في النص. تضفي الإستعانة بأسماء حقيقية وأحداث شهيرة نوعا من الصدقية على الرواية، ناهيك بأن طبيعة العمل فرضت عليَّ الأسلوب. حاولت أن أفصِل سعود السنعوسي عن هوزيه ميندوزا في الرواية، والسنعوسي خارج اللعبة فعلا. كُنتُ هوزيه، تقمّصتُ شخصيته بكل أبعادها طوال فترة الكتابة. أردت لبطلي أن ينهض من ركام الأوراق ليسوق لنفسه، تحقق الأمر حين نسبت الرواية في بعض المواقع الإلكترونية إلى مؤلفها هوزيه ميندوزا ومترجمها إبرهيم سلام من دون الإشارة إليَّ. أسعدني ذلك وأدركت ان الحيل التي استخدمتها، أي المترجم والمدققة والشخصيات الحقيقية والأحداث الشهيرة، وهبت الحياة لهوزيه ميندوزا ليتغلّب على صانعه.

¶ ذكرتَ انك ضبطت نفسك إبان الكتابة حين شغلتك اللغة، وانك "تورّطت" في مجازات وتشبيهات شعرية أعدت النظر فيها بسبب ميلك الى البساطة. هل تمنع البساطة الجماليات الفنية؟

- العمل يفرض أسلوبه ولغته. حين كنت أسرف في الإعتماد على اللغة وزخرفتها كنت أنتبه إلى صوت الراوي هوزيه في داخلي، لم يكن مقبولا أن تكون هذه لغة الشاب البسيط الذي لا يتجاوز العشرين في نهاية الرواية. حاولت أن أكتب بلغة تشبهه. واجهتني المشكلة في اللغة وفي أسلوب التفكير أيضا، وهذا الأصعب. انتقد البعض طرحي الديني والمقاربة بين الإسلام والمسيحية والبوذية، ورأوا في ذلك شيئا من السذاجة أو السطحية. أسعدني ذلك لأني تعمدته. بدأ عيسى أو هوزيه البحث عن إله في مرحلة متأخرة من حياته، فكيف أطرح تساؤلاته بعمق ونضج لا يتفقان مع خلفيته الثقافية وبيئته البسيطة وسنه؟ تنازلت عن الكثير في العمل لأُخلِصَ لبطلي وحاولت أن أبعده عني لأفسح له ليقول ما لديه على نحو يشبهه.

¶ تختلف نبرة روايتك وفق الأجزاء. ثمة ايقاع سردي في الجزء الأول، تليه أجزاء توثيقية حيث تفاصيل عن الفيليبين. يعلن هوزيه "قدري ان أقضي عمري باحثا عن اسم ودين ووطن"، هل تختزل الجملة فحوى نصك، أي إشكالية الإنتماء الثلاثية؟

- يمثل كل جزء في الرواية حقبة زمنية، فكان لا بد أن تختلف النبرة بين جزء وآخر. أتى الجزء الأول "عيسى قبل الميلاد" نقلا عن جوزافين الأم، حيث هوزيه والقارئ في مكان واحد هو مكان المتلقي. كانت جوزافين تسرد له تفاصيل علاقتها براشد (والد هوزيه) قبل ولادة ابنها، وفي كل جزء تقريبا هناك جانب توثيقي يخدم العمل من غير اقحام. كانت الإشارة إلى حرب فيتنام مبررة بل لا مناص منها لدورها في تشكيل شخصية الجدّ ميندوزا، مدمن المراهنات على مصارعة الديوك. تشابكت أحداث غزو سنة 1990 وتفجير موكب أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد واختطاف طائرة الجابرية، مع أحداث الرواية مباشرة. فرضت طبيعة العمل بعض الشروح في الهوامش، وبوصفها رواية مترجمة تدخّل كل من إبرهيم سلام وخولة راشد في لغتها وفي شرحها. استطعت من خلال حيلة البحث عن اسم ودين ووطن، إمرار أسئلة كثيرة. انها بوابة دخل عبرها هوزيه الى الكويت أو الخليج ليكشف صورتنا التي لا تشبه الصورة التي نعرفها عن أنفسنا.

رواية الكاتب الكويتي سعود السنعوسي  \
رواية الكاتب الكويتي سعود السنعوسي \"ساق البامبو\"


تعليقات: