لم تكن القرى والبلدات المتاخمة للحدود اللبنانية السورية، أو البعيدة عنها نسبياً في منطقتَي راشيا والبقاع الغربي، تعيش في يوم من الأيام وضعاً اقتصادياً مريحاً على الرغم من الاستقرار الأمني الذي كان يسود هذه المنطقة طيلة عقود خلت. السبب في عدم نهوض هذه المنطقة اقتصادياً يعود، أولاً، إلى غياب الدولة ومشاريعها الخدماتية والتنموية عن تلك المناطق، التي تناستها وغيبتها عن قصد أو عن غير قصد عن خارطة النهوض الاقتصادي، لا بل مارست بحقها غبناً مزمناً، ما أدى إلى تفاقم معاناتها وتشتت قدراتها الشبابية المنتجة بين الهجرة الداخلية إلى المدينة والهجرة الخارجية إلى الدول الغربية وبلاد أوروبا وأميركا وكندا وأوستراليا.
وإذا كانت الهجرة قد وفرت متنفساً مادياً مريحاً لشريحة واسعة من أبناء تلك القرى، ما دفعهم إلى استثمار أموالهم في بعض المشاريع التجارية أو الزراعية أو الصناعية الصغيرة والمتوسطة الحجم، إلا أنها لم تستطع تلبية الحاجات المطلوبة، والحلول مكان الدولة في توفير نهضة اقتصادية، علماً أن الدولة ما زالت تتغاضى عن وضع استراتيجية اقتصادية تنموية جدية للمنطقة، وتفعيل دورها على مستوى الناتج المحلي والاقتصاد الوطني.
لكنّ ذلك الواقع الاقتصادي المزري الذي تنوء تحته تلك القرى والبلدات، أخذ يتفاقم بموازاة تدفق النازحين السوريين والفلسطينيين إليها بأعداد كبيرة، ما أدى إلى خلق حال تنافس بين المقيمين والنازحين لجهة اليد العاملة في أسواق هي ضيقة بالأساس، أو لجهة المهن الحرة التي يتكلّ عليها مواطنون كثر في معيشتهم. وكذلك لجهة إنشاء النازحين بعض المؤسسات الصغيرة كالحوانيت وبسطات الخضار والمطاعم ومحال الخياطة الرجالية والنسائية، فضلاً عن افتتاحهم صالات لبيع النراجيل واستراحات على الطرق الرئيسية، وغيرها الكثير من مجالات العمل. إلا أن تلك المشاريع التي أنشئت بطرق التفافية، وفقاً لما يوضح بعض التجار، ودون مسوغات قانونية ورخص من البلديات، بدأت تحد من نشاط مثــــيلاتها اللبنـــــانية وتفقدها مــــوارد رزقها وتعرضــــها للإفــــلاس والإقــــفال.
تلك الحال التنافسية التي بدأت تتعاظم وتثير النقمة في صفوف المقيمين، زادت من ضغط هؤلاء على السلطات المحلية، من أجل وضع حد لهذا الواقع، وتنظيم آليات العمل والتجارة وفتح المؤسسات في القرى والبلدات وفقاً للقوانين، خوفاً من أن تشتد الأزمة وتسوء علاقة المواطنين بدولتهم، وعلاقتهم بالنازحين السوريين والفلسطينيين.
تعليقات: