الباحة الداخلية للسراي الشهابية
تصدع وانهيارات والمعالجات توقفت عند الدراسة.
القصر الشهابي أو «السراي» الشهابي صرح صليبي ومعلم أثري قيّم صمد على هيبته ووقاره لفترة زادت على الثمانمئة عام في وادي التيم. كان خلالها مركزا للقرار وقاعدة للسيطرة على المناطق المجاورة عبر حلف سياسي وعسكري طويل الأمد أبرمه الشهابيون مع الأمراء المعنيين الذين كانوا يحكمون في تلك الحقبة جبل لبنان.
ذاك السراي الذي صمد، صبر وانتصر على مر الزمن، تحداه الإهمال مؤخرا فهزمه، إذ خارت قواه، فانحنى ظهر بابه الكبير، وقد نخر التفتت حجارته، وجعدت وجهه تشققات وانهيارات وتصدعات، حولت هذه القلعة الشامخة الى مبنى منهك مهدد كل لحظة بالإنهيار إذا لم تسارع الجهات المعنية لإنقاذه عبرعملية ترميم سريعة وشاملة كانت قد أعدتها ووضعت خرائطها وتصاميمها مديريةالآثار بالتعاون والتنسيق مع المؤسسة اللبنانية للمحافظة على سراي الأمراء الشهابيين في حاصبيا، التي انطلقت من أجل هذه الغاية في 24 آب من العام 2001 برئاسة الأميرة كارلا شهاب .
يشوب تاريخ هذه القلعة الشهابية الغموض، فهو يبدأ مع الصليبيين لكنه قد يعود الى زمن أبعد... ففي حين تذكر بعض المراجع ان هذا الحصن بناه العرب او الرومان واستولى عليه الشهابيون بعدما انتصروا على الصليبيين عام .1170 اعادوا بناءه من جديد و ادخلوا عليه تعديلات ومنذ تلك الفترة شغله أعضاء هذه الأسرة (الشهابية) دون غيرهم. وحاليا تتوزع ملكيته على خمسين عائلة متفرعة عن الشهابية لكن يسكنها فقط 4 عائلات، هي عائلات مفيد، منذر، عادل وفؤاد شهاب كما هناك جناح للأمير مجيد ارسلان ورثه عن والدته الأميرة نهدية شهاب وزوجته الأميرة لميس شهاب ابنة رئيس الوزراء الأسبق الأمير خالد شهاب.
وان كانت القلعة ملكية خاصة فقد تحول الإهتمام بها رسميا بعد أن صنفتها مديرية الآثارعام 1962 معلما تاريخيا بتوجيه من رئيس الجمهورية آنذاك فؤاد شهاب.
هذا التصنيف كما تقول رئيسة المؤسسة اللبنانية للمحافظة على السراي الشهابية الأميرة كارلا شهاب لم يحفز الجهات المعنية على الإهتمام بهذا الصرح بل اكتفى العديد من المسؤولين بزيارة القلعة لا سيما بعد التحرير عام ,2000 دون ان تسجل اية خطوات عملية للأنقاذ. وتضيف «في العام 2001 بدأنا حملة واسعة لأنقاذ القلعة حيث كلفت مديرية الآثار فريقا متخصصا من شركة بوليتكنيكال أمضى عدة أشهر في إجراء دراسات ميدانية شاملة أثمرت عن مخطط تفصيلي يمكن ان يعتمد في اعادة الترميم والتأهيل. هذا الفريق تشكل من المهندس المدني المتخصص في الإنشاءات الأثرية الدكتور جهاد غنام والمهندس المعماري المتخصص في الترميم الدكتور نبيل عيتاني والدكتور مصباح رجب متخصص في التنظيم المدني والمدن العربية وعالم الآثار الدكتور ابراهيم قوتلي. وتضمن التقرير الذي أعده هذا الفريق دراسة الوضع الحالي للسراي وكيفية التدخل العاجل المؤقت، توثيق المعطيات والمعلومات، وضع المشروع التمهيدي للترميم، وضع الخرائط التنفيذية لأشغال الترميم والإشراف على أعمال الترميم. ومما أشار اليه التقرير أيضا ضرورة تركيز الجهود على عمليات وقف التدهور البنياني عبر تدعيم بعض الأقسام ووضع إقتراحات لإزالة المخاطر التي تهدد عدة أجزاء بالإنهيار، فهناك مشاكل طارئة في القسمين الشرقي والغربي من السراي وتفتت كثير من الأحجار في الواجهة الرئيسية والقناطر، إضافة الى تفكك في العقود».
والسراي بشكل عام معرضة لمشاكل عدة يجب التدخل لإزالتها سريعاً ومنها: الزاوية الصليبية المحاطة بالنفايات التي إذا اختلطت بمياه الأمطار تفرز مواد سامة، مرور طريق عام رئيسي ضيق بموزاة البرج تسلكه الشاحنات الكبيرة ما يسبب بإرتجاجات وغالباً ما تصطدم بالبرج، الأمر الذي يخلق تصدعات. كما هناك عامل الرطوبة الذي ادى الى نمو الفطريات على حجارة القلعة وتسبب بانهيارات بالجذوع الخشبية في السقف. اما في الطابق العلوي للجهة الجنوبية فقد أقيمت صوفية باطون مكان الأسقف المنهارة المكونة من الخشب والطين فأصبح الوزن ثقيلاً جداً على الإنشاءات، الأمر الذي يهدد بالإنهيار مع الوقت.
وجاء في الدراسة أيضا أن السراي الشهابية في حاصبيا لها قيمة تاريخية وثقافية كبيرة لأن عمرها حوالي الألف سنة وكانت لفترة طويلة مركز القرار السياسي وتشكل احد مرتكزات المعالم الأثرية في جنوب لبنان مع معالم أخرى كقلعة الشقيف وقلعة تبنين وخلوات البياضة، فهي مسار سياحي هام من شأنه إنماء المنطقة وإحياؤها.
وتلفت شهاب بهذا الخصوص ان جمعيتها تقوم بحملة واسعة مع كافة المعنيين ومختلف الجهات المانحة لتأمين الأموال اللازمة للترميم والتي تقدر بما بين 5 الى 6 مليون دولار اميركي وتضيف: «لقد نجحنا بإدراج السراي على لائحة world monuments funds وهي جمعية عالمية تعنى بالآثار القيمة مما يعني ان السراي اصبحت من المعالم التي يجب على العالم ان يسعى لأنقاذها لأهميتها التاريخية والهندسية والثقافية» .
رئيس بلدية حاصبيا كامل ابو غيدا أسف للوضع الأليم الذي وصلت اليه القلعة في ظل تجاهل تام من قبل المعنيين فالخطورة يقول ان «تبدأ اقسامها بالإنهيار في فترة قريبة». ابو غيدا دعا كافة الجهات المعنية الى المساعدة في إنقاذ السراي الشهابي لأنه من أهم المعالم الأثرية في المنطقة الحدودية مضيفاً «لقد راجعنا وأجرينا سلسلة اتصالات مع أكثر من جهة مسؤولة للإسراع في ترميم هذا الصرح الأثري الهام لكننا نعترف إننا فشلنا حتى الآن في تأمين التمويل اللازم وأننا نأمل في الفترة القادمة بإيجاد طريقة لتمويل أعمال الترميم التي أنجزت منذ فترة دراستها والتي لا تزال حبرا على ورق».
قلعة حاصبيا هي مجموعة من المباني تحيط بساحة يبلغ طولها 150 مترا وعرضها 100 متر تجاورها مبان تاريخية عدة وجامع. تمتد بمجملها على مساحة تقارب الألفي متر مربع. وهي مؤلفة من ستة طوابق ثلاثة منها فوق الأرض. ولأنه تمت إعادة إعمارها على مراحل، فتركيبتها اليوم تمثل خليطاً من التقنيات المعمارية. من السهل تحديد الفن المعماري الصليبي الذي ينتمي اليه البرج الكامن في الزاوية الجنوبية الغربية والجدار الشرقي الذين يمكن رؤيتهما من الطابق الثالث، وتعود بعض التفاصيل الأخرى حسب الأمير منذر شهاب الى القرون الوسطى، منها النوافذ المشقوقة لرمي السهام والكوات المخصصة لإطلاق الزيت الحار او القذائف على العدو. وعلى الرغم من وظيفتها الأساسية كحصن الا أن هذه القلعة تحوي العديد من التفاصيل الجذابة كالعواميد النحيلة والنوافذ ذات القناطر ، وعند المدخل درجات عريضة ينفتح عندها بسهولة باب يعود الى العهد الصليبي ويتيح الممر المواجه والبالغ عرضه أربعة امتار وإرتفاعه ثلاثة أمتار مرور الفرسان الداخلين الى القلعة دون الحاجة للترجل عن جيادهم. وتزين أسود حجرية تمثل شعار نبالة العائلة الشهابية.
على الجدران المحاذية للبوابة المقنطرة اسدان ضخمان مقيدان بسلاسل على مقربة من ارنب ضعيف غير مقيد وتظهر مجموعة من الأسود الصغيرة داخل القوس فوق المدخل وتحتها مباشرة لوحة منقوشة باللغة العربية علقت بمناسبة بناء الأمير علي شهاب جناح جديد سنة 1009 وما أن يعبر الزائر المدخل حتى يصبح في فناء كبير تحيط به جدران ضخمة وتقوم في زاويته اليمنى بوابة تؤمن الإطلالة الوحيدة على الأبراج ومن الممكن النظر عبر شق في الجدار الى غرفة سفلية كان يحتمي فيها قائد الحصن حيث بأمكانه عند اللزوم الفرار من هذا المكان عبر نفقين خاصين يقود أحدهما الى نهر قريب يسمى ابو دجاج والثاني الى المسجد. وفي الطرف البعيد من الفناء فتحة مقوسة عريضة داخل جدار من الحجر الأسود والأبيض كانت مدخلا الى الديوان والى صالون الست شمس زوجة بشير الشهابي الثاني حاكم جبل لبنان بين عامي 1788 و.1840 اما الى يسار الديوان فقد بني الجناح الذي شغله ابراهيم باشا بن محمد علي باشا والي مصر خلال حملة شنها ضد العثمانيين سنة 1838 . بينما شقّ المدخل العلوي الأخر في جدار من الحجر الأصفر والأبيض يوصل الى كنيسة صليبية والى الطابق الثاني تصل عبر سلالم حجرية الى فناء تتوسطه بركة صغيرة وبعيداً عن الفناء تجذب الزائر غرفة جميلة، جدرانها مزينة بالنقوش الناعمة ولا يزال بالإمكان التعرف على زهرة الزنبق والنجم والنقوش المحيطة بقنطرة في الفناء والطابق الثالث الذي اشاده الشهابيون في القرن التاسع عشر يحوي على فناء وبركة بحيث زين اعلى المدخل باقواس تدعيمية تنتمي الى الطراز المعماري المملوكي ويظهر تحتها ختم شيد بالأجنحة التي بناها الأمير محمد. ويلاحظ على أحد الجدران نحتاً أنيقاً على عمودين مجوفين من الرخام الإيطالي وهو أسلوب فن إحتيالي كما يعتقد عادل شهاب يرمي الى كشف صوت إقتراب الفرسان المعادية ومن هذا الدور يمكن دخول البرج الصليبي الكاشف على محيط القلعة وعلى المسجد الذي بنيت مئذنته في القرن الثاني عشر وهي مسدسة الشكل ومزينة بحجارة ملونة. ويقال أن الكونت اورا دوبوريون حوصر ضمن هذا الحصن حوالي أربعين يوماً وقد اضطر يومها الشهابيون الى ثقب السور الخارجي والدخول من فوهة صغيرة ليعتقلوه ومن ثم قطعوا رأسه وارسلوه كهدية الى السلطان صلاح الدين الأيوبي في دمشق الذي سعد كثيراً وأنعم على الأمير منقذ شهاب بالبقاء في هذه القلعة حيث لا يزال آل شهاب يسكنونها حتى اليوم.
تعليقات: