دمشق :
لم يكن أكثر الناس تشاؤما يعتقد ان سهرة الحب التي جمعتنا مع الفنانة هالة شوكت خلال حفل تكريم اقامته لها نقابة الفنانين السوريين بدمشق ستكون اللقاء الاخير معها وإنها ستموت بعد أشهر بالصمت ذاته الذي رافقها خلال ساعات الحفل.
ورغم أن هالة لم تتكلم حينها، إلا إنها لم تتوقف عن الابتسام. وقد بدت الحياة تفيض من عينيها حتى حسبنا أن صمتها وعكة صحية طارئة لا تلبث أن تخرج منها للوقوف أمام الكاميرا التي أغرمت بها، منذ تحولت الشابة فاطمة توركان شوكت، إلى الفنانة هالة شوكت ـ لقبها الفني الذي أراده المخرج المصري عاطف سالم. هكذا، قدمت إلى مصر لتخطو أولى الخطوات التي أدت الى شهرتها الفنية في فيلم صوره سالم العام 1959هو «موعد مع المجهول» مع عمر االشريف وسامية جمال. ثم عادت إلى سورية لتواصل مشوارها الفني في السينما والمسرح، فبلغ رصيدها 12 فيلما سينمائيا سوريا وجزائريا ومصريا وسوريا ـ لبنانيا مشتركا، بالإضافة الى أكثر من 15 مسرحية كان أشهرها مع دريد لحام ومحمد الماغوط في المسرحية الشهيرة «كاسك يا وطن».
وتعد هالة من جيــل الرواد الذين أخذوا على عاتقهــم صنــاعة دراما سورية وســط اجواء مجتمعية مغلقة تأثم الفن.. ولعل ما أنجزته الى جانب جيلها لا يقتصر على حجز مكان محترم للفن في المجتمع وحسب، بل في إنجاز أعمال ما زالت حتى الساعة، تعد الأكثر اخلاصا للخصوصية السورية.
اشتهرت هالة شوكت في بداية تجربتها الفنية بأدوار الفتاة الجميلة. إلا إنها سرعان ما انتقلت لأداء دور الأم، لتكون واحدة من أصدق اللــواتي أديّن هــذا الدور في الدراما الســورية. ولعل بلوغ هذا الأمر كان مبعث سعادة لها. إذ لطالما عانت من مسألة تقديم المخرجين لجمالها على موهبتها الفنية في إسناد الأدوار التمثيلية لها.
ولاشيء أكثر من الكاميرا كان قادراً على اكتشاف مقدرات هالة شوكت الفنية، ولاسيما في سنواتها الأخيرة، حيث قدمت واحداً من أجمل أدوارها وأشهرها في مسلسل المخرج بسام الملا «الخوالي»، بشخصية «أم نصار»، فضلاً عن شخصية «أم المعلم عمر» في مسلسل «ليالي الصالحية» قبل أن تنهي تجربتها الفنية بدور الام أيضا في مسلسل «كسر الخواطر» العام الماضي. ولو قدر للموت أن يتأخر قليلاً لشهدنا أعمالاً إضافية لها، فهالة شوكت لطالما أعلنت انها لن تعتزل وإنها ستظل تعمل في الفن ما زالت على قيد الحياة.
قضت هالة شوكت سنواتها الأخيرة في دار للمسنين. وهي اختارت الاقامة فيها طواعية، في حلقة جديدة من حياتها أرادتها أكثر هدوءاً، دون ان يعني ذلك قطيعتها مع عوالمها السابقة. اذ واظبت على العمل الفني واجراء زياراتها العائلية، فضلا عن استقبالها الدائم لضيوفها في الدار، التي ودعتها أمس الأحد، ليوارى جثمانها في مقبرة •الباب الصغير» بدمشق، مخلفة نحو ستة وسبعين عاما من صخب الحياة، كرست نحو ثلثيها للفن.
تعليقات: