طرد اللبنانيين من الخليج شائعات. شائعات تتغذّى من حملة الإماراتيين الشهيرة، ومن التحليلات التي ترافق قرار الخليج إدراج حزب الله على لائحة الإرهاب في تلك البلدان. وفقاً للحكومة، لا شيء يدعو إلى القلق. وزير الخارجية، عدنان منصور، متفائل. وهذا حسن. التفاؤل سمة لا تستقيم الدبلوماسية من دون وجودها. اللبنانيون يتقيّدون بقوانين تلك البلاد، يمكنه أن يجزم بذلك، ولديه تجارب في هذا الإطار. العمر الطويل الذين قضوه، والعلاقات التاريخيّة، وما إلى ذلك من وقائع صائبة، لكنها آخذة في التبدل. منصور يعتقد بأن السعوديّة تعرف موقف لبنان «النأي بالنفس». وهو موقف شهير ووقعه الموسيقي بديع. والسعوديّة تحترمه «دبلوماسيّاً». وقد تمنح «حصة» الحزب من الحجيج للنائب عقاب صقر مثلاً، أو لرجلها «الثاني» في لبنان، بعد النائب سعد الحريري، أحمد الأسعد. من يعلم. فحزب الله «إرهابي». وعلى النائب الحريري، كمواطن سعودي، التقيّد بالأمر، وعدم التحدث إلى «إرهابيين». ربما لا يمكنه أن يغرّد معهم أيضاً على «تويتر».
وعلى قياس دبلوماسي صرف، لا يتدخّل لبنانيّو شبه الجزيرة العربيّة في السياسة هناك. منصور يجد أن من الواجب شكر السلطات هناك «على المعاملة الطيبة التي يلقاها اللبنانيون في دول الخليج». وهي معاملة يعتبر منصور «أنها بالمثل». الرجل مفرط في التفاؤل، إذ يشدد على ضرورة التمييز بين «المنع» و«التحذير»، فالسعوديّة مثلاً، «حذرت» رعاياها من القدوم إلى لبنان ولم «تمنعهم». في الدبلوماسية، الوزير على حق. وفي الواقع، العلاقة متوترة بين «الرعايا» ولبنان، استناداً إلى قرار سعودي بتجاهل الحكومة اللبنانيّة والتصويب على الحزب. لا علاقة لتدخل الحزب في القصير، والقصة بدأت قبل ذلك في الإمارات، غير أن ثمة من يريد القول: «هذه نتيجة تدخل الحزب في سوريا». في المحصلة، كما يقول الوزير، وكما يقول جميع الأطراف، هذا توتر معقول ومفهوم. لا يجب إخراجه عن سياق الأزمة في سوريا، لأن ذلك سيبدو أكثر «أفلاطونيّة» مما تحتمله العقول بكثير.
يحب الوزير أن يبقى وزيراً. دبلوماسي على حساب الواقع، ولكن العارفين يؤكدون أن إدراج السعوديين (ودول مجلس التعاون الخليجي) حزب الله، على «لائحة الإرهاب» خاصتهم، ليس قراراً سعوديّاً خالصاً، مرتبط بمعارك القصير الأخيرة، وليس هو ردّاً مباشراً على هذه المعارك، إنما هو استكمال للحرب. فلا هذه الدول اكتشفت «تركيبة» حزب الله الآن، أو اتضح لها أن للحزب دوراً كبيراً في سوريا أخيراً، ولا الحزب أخفى موقفه من الأحداث الجارية هناك، قبل أن يفيض تدخله عن التصريحات. في السياسة، استقالة الحكومة (ميقاتي) وإدراج حزب الله على لائحة الإرهاب الخليجيّة حدثان متصلان. كلاهما ضدّ موقف الحزب مما يجري في سوريا. وجاءت معارك القصير، وكان لا بد من رد خارجي، أكبر من دول التعاون الخليجي، على توسيع الحزب خياره بالمشاركة في الحرب الأهليّة السوريّة.
لبنانيّو الخليج في وادٍ آخر. اللبنانيّون على قلق منذ حملة الإماراتيين لتهجير اللبنانيين الشيعة تحديداً. بيّنت الوقائع، آنذاك، وجود حملة «ممنهجة» لم تتوقف. وعلى ذمة «لجنة المتابعة» التي أسسها المرحّلون، كما يقول رئيسها حسان عليان، فإن هذه الحملة لم تتوقف، وبدأت في الأصل قبل «إدراج الحزب على اللائحة»، واستمرت حتى «بعد الوعد الذي تلقاه الرئيس نبيه بري من الإماراتيين بوقفها». وفقاً لعليان، لم يتقلص عدد المرحّلين حتى، بل استمر الترحيل بالوتيرة نفسها، ولدى اللجنة لوائح تثبت الأمر. هم ناس لا علاقة لهم بالسياسة غالباً، إنهم من «بيئة الحزب». تعرّض الشيعة للطرد من الإمارات بلا أسباب واضحة، ورُحّلوا جماعات لأسباب مذهبية. آخر دفعة من هؤلاء وصلت قبل شهر. وقبل أسبوعين، جاء 6 أشخاص من السعوديّة. وقبلها بشهرين، طرد شخصان، بالطريقة عينها: «يمنحون 6 أيام لتخليص المعاملات، وأحياناً، تكون المهلة 48 ساعة فقط»، يقول عليان. أما عن الطريقة التي طرد بها هؤلاء، على ذمة عليان «يأتي مندوب إلى أماكن عمل اللبنانيين، ويخبرهم بقرار الترحيل والمهلة المسموحة». اللبنانيّون في السعوديّة على قلق كأن الترحيل قادم، ذلك أن بينهم من قضى سنوات هناك. وهم لا يعلمون، بحق، إن كان إدراج الحزب على لائحة الإرهاب ينسحب على «بيئته». لدى هؤلاء تجربة غير مطمئنة على الإطلاق: الإمارات. نتحدث عن «40 مبعداً هناك منذ شهرين». ولكن منصور متفائل، ولديه من المعطيات ما يجعله مقتنعاً بأن الأمور مع «السعوديين لن تسوء إلى هذا الحد». ربما يبالغ اللبنانيّون في خوفهم، ولكن المؤكد أن الإمارات بالغت كثيراً في حملتها. لوائح المبعدين طويلة فعلاً.
تعليقات: