تغصّ متنزهات نهر الوزاني بالزوار برغم تحرشات العدو الإسرائيلي (طارق ابو حمدان)
استقرار الحدود جنوباً يجذب الاستثمارات السياحية
دفع الاستقرار الأمني السائد في المناطق الحدودية الجنوبية، بمستثمرين في المجال السياحي، إلى إقامة مشاريع بمواصفات عالية على ضفاف نهري الحاصباني والوزاني، وعند أقدام جبل الشيخ، ما جعل هذه المنطقة مقصدا للسيّاح من لبنانيين وعرب وأجانب.
هذا التوجه السياحي إلى حوضي الحاصباني والوزاني، الذي أضيف إلى معالم سياحية قديمة تمتد من «سوق الخان» التاريخي حتى مرتفعات بلدة شبعا والوسطاني، مرورا بالسرايا الشهابية في حاصبيا وبعل جاد في بلدة الهبارية، تزامن مع هجمة غير مسبوقة لتجّار ومتمولين وسياسيين لبنانيين وعرب، على شراء مساحات واسعة من الأراضي على طول الخط الحدودي الممتد من أطراف الغجر عند السياج الحدودي غربا وحتى جبل الشيخ شرقا، مرورا بسهول الخيام ومرجعيون وابل السقي، وصولا إلى مرتفعات شبعا وكفرشوبا وميمس والهضاب الغربية لجبل الوسطاني، مما أدى إلى ارتفاع سعر متر الأرض على ضفتي الحاصباني إلى أكثر من 100 دولار، وفي المرتفعات الجبلية إلى حدود 25 دولارا بعدما كان يباع بنصف دولار، في حين أعطت هذه الصفقات العقارية دفعا قويا نحو النمو السياحي الحدودي، ليغدو هذا القطاع ركنا رئيسيا في اقتصاد المنطقة.
15 منتجعا سياحيا
وتشير مكاتب التنظيم المدني والدوائر العقارية إضافة إلى بلديات قرى هذه المنطقة، إلى تلقيها خلال السنوات القليلة الماضية، طلبات عدة للحصول على رخص انشاء منتجعات سياحية عند ضفتي نهر الحاصباني، وفي المناطق المرتفعة المشرفة على هذا الحوض، وصل عددها إلى 15، موزعة بين الحاصباني، الوزاني، شبعا، عين قنيا ومرجعيون، بينها إقامة فنادق ومتنزهات ومسابح ومطاعم وشاليهات، تقدر كلفتها بحوالي 70 مليون دولار.
وفي هذا السياق، يفتتح قريبا مشروع سياحي جديد على ضفة الحاصباني، على مساحة 3000 متر مربع. ويشمل المشروع حسب صاحبه الدكتور علي أبو همين، مطعما شرقيا، إضافة إلى تراس للحفلات والأعراس يتسع لحوالي 3000 شخص، كما يحوي عددا من الشاليهات، ومسبحا مختلطا وآخر مخصصا للنساء كمرحلة أولى، على أن يتبعه لاحقا إقامة فندق كبير للسياحة العلاجية، وهو الأول من نوعه في المنطقة، الذي يجمع بين الطب الحديث والعلاج بالأعشاب.
وبين غابات الصنوبر في تلال بلدة عين قنيا، يرتفع منتجع سياحي وسط غابة من الصنوبر، يوضح صاحبه عز الدين زين الدين لـ«السفير» أن «المشروع يضم فندقا من 36 غرفة، يتبعه مسبح، وقاعة أفراح على مساحة 2 دونم، تضاف إليها حدائق وملاعب ومطاعم، تطل غربا على فلسطين المحتلة وشمالا على البقاع وشرقا على جبل الشيخ وعلى البحر».
كهرباء... وتعبيد طرق
في المقابل، يبرز شريف مداح (صاحب مطعم ومشرف على منتزه في الحاصباني)، حاجة المعالم السياحية في المنطقة لاهتمام الدولة، خصوصا لجهة تأمين التيار الكهربائي وتعبيد بعض الطرق الفرعية المؤدية إلى المتنزهات، وحماية الحاصباني من التلوث.
ويوضح مداح لـ«السفير» ان «الحركة السياحية مقبولة في حوض الحاصباني، إذ المبادرة الفردية وحدها تجهد في انعاش هذا القطاع»، مضيفا ان «المنطقة التي تبدو أكثر المناطق اللبنانية أمنا، تشهد حركة ناشطة في مطاعمها لا سيما في نهاية الأسبوع، كما تستقطب عشرات الحفلات لفنانين كبار، بحيث هناك حفلة إلى 3 حفلات أسبوعيا مع برامج ترفيهية اضافية».
توقف شركات النقل
ويستدرك مداح قائلا: «لكن المشكلة التي تعرقل إلى حد ما الحركة السياحية، تتمثل بتوقف معظم شركات النقل السياحية عن ارسال حافلاتها إلى المنطقة، فانخفض عدد الزوار من سياح محليين وأجانب إلى ما دون 50 في المئة». كما يؤكد أن «قرار الجهات الأمنية المختصة المعتمد منذ العام 2000 والقاضي بمنع السياح العرب والأجانب من اجتياز معبري زمرية وكفرتبنيت، عند طرفي المنطقة الحدودية الغربي والشرقي، إلا بعد حصولهم على تصاريح خاصة، يحد كثيرا من عدد السياح الراغبين بالتوجه إلى هذه المنطقة»، مطالبا الجهات المعنية «بإلغاء هذا القرار مما سيرفع حتما عدد الراغبين بزيارة المنطقة الحدودية».
وعمل مداح مع مطلع الصيف على تجديد متنزهه، عبر ادخال تعديلات عليه لجهة توسيع مساحاته وتجديد الديكورات وما شابه. وقد لاقى المتنزه إعجاب جنود «اليونيفيل» الذين قصدوه مع بداية انتشارهم. علما أن المنطقة تعتبر خارج انتشار القبعات الزرق، في حين هناك حركة لا بأس بها للرواد المحليين، لكن انقطاع الزوار من المناطق البعيدة بسبب الأوضاع غير المستقرة، أدى إلى خسائر لا يقوى أصحاب المؤسسات السياحية على تحملها.
التراجع 30 %
من جهته، يرى ماجد الحمرا (صاحب متنزه) أن «الحركة السياحية في الحاصباني مقبولة، وإن كان هناك تراجع هذا العام يصل إلى حدود 30 في المئة»، موضحا لـ«السفير» أن لديه حجوزات لحوالي 50 حفلة زفاف خلال الصيف، يشارك فيها حوالي 25 ألف مواطن، إضافة إلى آلاف الزوار من مختلف المناطق، «لكن الأحداث الأمنية المتفرقة تحدّ نوعا ما من حرية الحركة باتجاه منطقتنا، لكن ما اكتسبته متنزهات الحاصباني من شهرة محلية وعربية وعالمية، جعلتها مقصدا لمعظم السفراء العرب والأجانب المعتمدين في لبنان».
ضعف الاتصالات الهاتفية
أما أسوأ ما تواجهه المتنزهات، وفق الحمرا، «تقنين التيار الكهربائي الذي يرفع المصاريف إلى حدود 100 دولار لكل ليلة تقنين (كلفة تشغيل المولد الخاص) كما هناك مشكلة ضعف الاتصالات الهاتفية الخلوية». ويدعو الحمرا وزير السياحة فادي عبود «لزيارة هذه المنتجعات والوقوف على ما تقدمه من خدمات مميزة للزبائن تضاهي تلك المقدمة في أفضل مطاعم بيروت».
ويبدي رئيس «بلدية حاصبيا» غسان خير الدين حرص بلديته على مساعدة القطاع السياحي «حسب الإمكانيات المتوافرة، فالبلدية تعمل كل ما بوسعها من أجل تأمين بيئة نظيفة في حوض الحاصباني، وقامت بسلسلة تدابير لحماية النهر من المياه المبتذلة وزيبار الزيتون».
سوق الخان السياحي
وعن انجاز المشروع السياحي للبلدية السابقة الذي أنجزت دراسته ووضعت تصاميمه، على أن يقام في محيط النبع الرئيس للحاصباني، يقول خير الدين لـ«السفير»: «إن المشروع ينتظر التمويل اللازم، كما اننا سنفتتح قريبا مشروع سوق الخان السياحي التجاري، ما يعطي دفعا اقتصاديا وسياحيا وثقافيا مرموقا في المنطقة، خصوصا أن الخان القديم الذي تم ترميمه له شهرة عالمية مميزة».
ويؤكد خليل العبد الله (صاحب منتجع في الوزاني) لـ«السفير»، أن «كل التحرشات واستفزازات العدو الإسرائيلي الأخيرة، لم تغير من واقع الحال، لجهة حركة المتنزهين، إذ تغص معظم متنزهات الضفة الغربية لنهر الوزاني بآلاف الزوار من المناطق اللبنانية كافة، والكثير من الأقطار العربية والدولية، متجاوزين كل تهديدات العدو». ويلحظ أن «المنطقة باتت أكثر المناطق اللبنانية السياحية نجاحا وازدهارا، مما حفز العديد من المتمولين اللبنانيين من أبناء المنطقة والجوار، إلى استثمار أموالهم في مشاريع سياحية كبيرة، ليرتفع عدد المنتجعات والمتنزهات خلال أقل من ثلاثة أعوام إلى ثمانية».
أكثر من 50 مليون دولار
وفي هذا الإطار، يوضح حسين العبد الله (أحد الملاكين الكبار في الوزاني)، لـ«السفير» أنه «خلال السنوات القليلة الماضية، تنامت المشاريع السياحية في الوزاني، لترتفع ميزانيتها إلى أكثر من 50 مليون دولار، تحول معها الوزاني إلى شبه جنة يقصدها السياح من كل أقطار العالم، وباتت ضفة النهر الغربية، محطة للراحة والاستجمام، على عكس ضفة عدونا الشرقية التي كانت وما زالت مصدرا للتدمير والقتل. ومهما فعل العدو، فلن يتمكن من ضرب النمو السياحي عندنا، وخير دليل محاولته التهويل علينا عبر شق وتعبيد طريق عسكرية تربط مواقعه بضفة الوزاني الشرقية، من دون أن تكون لهذه الخطوة أية ردود سلبية على الوضع هنا».
أفضل رد على العدو
ويصل عدد زوار نهر الوزاني في نهاية الأسبوع، وفق غسان الأحمد، إلى أكثر من ألف زائر، مشيرا إلى أن «المتنزهات لم تعد تقتصر على موسم الصيف فقط، بل باتت هناك قاعات شتوية في معظمها، كما بات سمك الوزاني يجذب بدوره المتنزهين من مختلف المناطق، نظرا لجودته الناتجة من نقاوة مياه النهر». ويعتبر الأحمد أن «أفضل رد على العدو الإسرائيلي المتربص على بعد بضعة أمتار، هذه الحفلات الصاخبة التي تقام في الوزاني، مما يصيب قادة العدو بحالة إرباك حقيقية، فلا يجدون سوى لغة التهديد والوعيد للرد على هذا التحدي الحضاري الذي نفخر به حقا».
تعليقات: