قرية على بحر صور

لا يغيب رضوان يوماً واحداً، عن شاطئ صور الجنوبي، عند الخيم البحرية. أدمن منذ سنوات على ذلك المكان، حتى أصبح جزءاً منه. يرى في البحر ورماله وشمسه وناسه وأسراره، حلمه الوردي.

يقيم هناك، أربعة اشهر، تبدأ مع انطلاق موسم الخيم البحرية، إلى حين فكّ الخيم التي يوضبها المستثمرون في بيوتهم إلى حين حلول موسم آخر.

هذه المتعة، لا تقتصر على رضوان فحسب، إنما تعيشها مجموعات من عشاق البحر، المواظبين على زيارته صيفاً وشتاءً.

فشاطئ صور الجنوبي الواقع ضمن محمية صور الطبيعية، بات يحمل اسما آخر، اعتاده أبناء المنطقة وزوارها، هو الخيم البحرية، وقد بدأ العمل بها قبل 19 عاماً، قبل أن يعاد تنظيمها مع الانتخابات البلدية في العام 1998، وإنشاء محمية صور الطبيعية بعد ذلك.

مع كل موسم بحري، أي من أوائل أيار، إلى أواخر أيلول، يصبح الشاطئ الصوري الجنوبي، الذي يتفرع غرباً إلى منطقة رأس الجمل، التي يقصدها الزوار ومحبي السباحة من المناطق كلها، ملاذاً هادئاً وهانئاً، لعشرات آلاف المواطنين والمغتربين، على مدار الموسم.

تلك البقعة المفتوحة، باتجاه فلسطين المحتلة، تتحول إلى قرية قائمة بذاتها، حيث تجتمع فيها كل الأهواء والطبقات والأفكار، في ظل توفر خدمة الإنترنت للسنة الثانية على التوالي.

ويجمع المستثمرون والزوار وبلدية صور، على أن الخيم البحرية تشكل عامل استنهاض للحركة السياحية التي تنعكس بدورها على دورة المدينة الاقتصادية.

ويشكل المنقذون البحريون المتعاقدون مع البلدية في كل موسم، وعمال الخيم المياومون من لبنانيين وسوريين، وكذلك المستثمرون الـ 49، وبائعو الترمس والفول والذرة وسواها، إضافة إلى موزعي المشروبات الغازية والروحية، يشكلون حلقة متكاملة في إنجاح الموسم البحري، يضاف إليهم فريق الإنقاذ في الدفاع المدني اللبناني والصليب الأحمر. ويخضع الموسم، كل سنة، لتعديلات عدة بحسب الظروف والتطورات الأمنية والسياسية في لبنان والمنطقة، التي تحجب عودة المغتربين الذين يراهن على عودتهم مجمل القطاع السياحي .

وتحرص البلدية، التي ينتقد أعمالها العديد من المستثمرين والزوار، على إطلاق أعمال البنى التحتية في المنطقة مع بدء موسم الخيم البحرية، إظهاراً لوجه المدينة الحضاري والأثري، من خلال هذا الموقع الفريد من نوعه على طول الشاطئ اللبناني. وتنشر البلدية يومياً أكثر من 35 شخصاً من الشرطة والحراس والبوابين والمنقذين البحريين، لتأمين سير العمل في المنطقة التي يوجد في قسم منها مسبح شعبي، تمنع إقامة الخيم فيه إفساحاً في المجال أمام المواطنين غير القادرين على تمضية نهارهم في الخيم، إذ يشكو بعضهم غلاء أسعارها.

وتستوفي البلدية، التي تستفيد من مردود موقف السيارات التي يصل عددها إلى أكثر من ألفي سيارة في أيام الآحاد، رسماً شهرياً من المستثمرين، وذلك على أساس حجم كل خيمة.

فتستوفي عن الخيمة التي يبلغ عرضها 12 متراً مليون ومئتي ألف ليرة لبنانية، ومليون ليرة عن كل خيمة عرضها عشرة أمتار، وثمانمئة ألف ليرة عن كل خيمة يبلغ عرضها ثمانية أمتار، بينما يتكفل المستثمرون بتسديد اشتراكات مولدات الكهرباء، وشفط الجور الصحية وبدلات المياه.

«الفاتورة غالية»

تدير داليا فران، الانثى الوحيدة بين مستثمري الخيم، خيمتها منذ عشر سنوات.

هي متفائلة دائماً، ولا تخشى أي تعثر قد يصيب الموسم.

الزبائن يأتون من كل لبنان، وهم باتوا يعرفون مدينة صور أكثر من ذي قبل بعد ترددهم إلى الخيم البحرية، التي تجذبهم إلى تمضية أيام عطلهم الصيفية، وفق فران.

تقول: «نحن نتقيد بالأسعار، التي تضعها البلدية، في كل موسم، ونعمل على تطبيق القوانين في هذا المكان، الذي يسوده الانضباط والهدوء».

ويستثمر نجيب زبد خيمته منذ 19 عاماً، أي أن أكثر من ثلث حياته، يمضيه على شاطئ صور سنوياً.

بين نجيب والبحر، أكثر من عمل ومردود مالي يعيله مع عائلته، فتلك السنوات راكمت صداقة بينه وبين البحر وزواره وعشاقه.

لا يخفي نجيب الشكوى من بعد المسافة بين الخيم ومياه البحر. يعتبرها مسافة بعيدة تجعل الناس يترددون في زيارة الخيم، لا سيما العائلات، الذين يخشون الابتعاد عن أولادهم.

يقول مبتسماً: «دعونا إلى لقاء في محمية صور، بحضور ممثلين عن البلدية ، وطلبو منا استبدال اللمبات الحالية بلمبات خضراء اللون، كونها تريح السلاحف البحرية».

ويؤكد أن الأحداث الأمنية المتنقلة، لا سيّما في صيدا، تنعكس على زوار المنطقة، وهذا احد أسباب تراجع العمل.

تقصد رولا الخيم البحرية في صور كل موسم، كما المئات الذين يقصدونها من بيروت والجبل والشمال، وذلك للاستمتاع بالبحر وشاطئه وحرية الحركة في أرجائه، وتتذوق الأطباق البحرية وفي مقدمها السمك، وتناول المشروبات الروحية في العديد من الخيم.

تعبّر رولا عن إعجابها ببحر صور وشاطئه الرملي المميز. تقول: «لقد اعتدنا على زيارة الخيم منذ أكثر من عشر سنوات، وكل سنة نرى فيها مزيداً من المتعة والراحة». لكنّ رولا لا تخفي، في المقابل، انزعاجها وتأففها من الفاتورة العالية للعديد من الخيم التي ترتاده.

ويلفت رئيس لجنة الاشغال في بلدية صور محمد حرقوص إلى أن البلدية تقوم بكل ما يلزم لإنجاح موسم الخيم البحرية، بدءا من النظافة العامة للشاطئ، الذي يضم الخيم والمسبح الشعبي، وتأمين مواقف السيارات وحفظ الأمن، والحفاظ على سيارات وممتلكات الرواد الذين يأتون إلى البحر من كل مناطق لبنان، كذلك احترام الحريات الشخصية ومنع الفوضى والتعديات.

ويشير إلى أن البلدية اتخذت إجراءات تتعلق بالسابحين، فعمدت إلى نشر 18 منقذاً بحرياً تلقوا تدريبات عدة، وهؤلاء بدورهم يقدمون الإرشادات للسابحين عن المناطق التي يمكن السباحة فيها عندما يكون الموج مرتفعاً، مذكرا بأن شخصين قضيا غرقا مع بداية الموسم.

ويوضح أن فريقاً من الصليب الأحمر موجود على مدار الساعة على الشاطئ، بالتعاون مع البلدية، وهو مجهز بسيارة إسعاف وسيارة للدفع الرباعي.

وفي ما يخص الانتقادات في شأن تأخر الاشغال في الطريق الرئيسي المقابل للخيم البحرية، يوضح حرقوص أن البلدية تتابع العمل لحظة بلحظة، معيداً أسباب التأخير التي مضى عليها أكثر من أسبوعين إلى قلة عديد ورش العمل من ناحية، ومن ناحية ثانية بسبب الأعمال الإضافية التي طلبتها البلدية، وهي غير ملحوظة في الالتزام، ومنها مد شبكة صرف صحي للخيم البحرية، وتمديد شبكة كهرباء تحت الأرض وإعادة العمل بقسم من الطريق.

وانتقد حرقوص المتعهد الذي ينفذ في الوقت نفسه وصلة الحوش صور التي لم تعبد بعد، بالرغم من مرور أكثر من شهر على تأهيلها، وذلك بحجة انتظار مد شبكة الألياف الضوئية التابعة لوزارة الاتصالات.

تعليقات: