عندما تنهض زينب نصرالله (39 سنة) عند الثالثة فجراً، يبدأ يوم عمل جديد. بسرعة ترتدي زينب ثياب العمل وتدير محرّك سيارتها الجديدة من نوع «بيك آب». تجول على عدد من الأيدي العاملة من أبناء بلدتها، لتقلّهم الى سهل الخيام، الذي يبعد عن البلدة نحو 25 كلم. هناك يكون القطاف على أنوار مستعمرة المطلّة الخافتة، فالقطاف الباكر جداً ضروريّ لاستغلال الوقت، لكنه يحتاج الى الضوء الذي لا توفّره الدولة هنا.
تتسابق زينب وعمالها إلى قطاف أوراق التبغ المرّة، لأن الحقول التي زرعتها كبيرة جداً، تزيد مساحتها على 50 ألف متر مربع، وهو رقم لم يصل اليه مزارع جنوبي حتى الآن، فكيف اذا كانت مزارعة ــ امرأة.
تخبز زينب الخبز ايضا وتبيعه، اضافة الى مواظبتها على ادارة دكان صغير قرب منزلها، ومتابعة دراستها الدينية في احدى حوزات المنطقة. 50 ألف متر مربع مزروعة بشتول التبغ مغامرة كبيرة في نظر أبناء المنطقة من المزارعين، فكيف مع كل الاعمال الاخرى الاضافية.
يقول علي ابراهيم، من بلدة عيترون، «نحن عائلة من 8 أفراد نزرع طوال السنة 10 دونمات، ولا وقت لدينا للفراغ»، ويعتبر أن «زراعة 50 دونم أمر مستحيل»، لكن لزينب رأياً آخر وتجربة أخرى، تروي انها «بدأت بزراعة 12 دونماً، وأنا في السابعة عشرة من عمري، أما اليوم فأزرع الخمسين دونم وأطمح للمزيد»، وتعتبر أن «التنظيم والادارة هما أساس النجاح، لذلك أجيد استخدام الوقت والمصاريف». تتحدث زينب عن أيام الفقر والاحتلال، يومها فكّرت ماذا عليها أن تفعل للحفاظ على كرامتها وكرامة أخواتها، «تعلّمت زراعة التبغ من والدي، الذي رحل عنا باكراً، فأخذت على عاتقي متابعة الطريق، وعلمت أنني استطيع فعل كل شيء بالصبر والنظام».
عند المغيب تتهيأ زينب وأخواتها الثلاث لصناعة الخبز المرقوق، أما في أوقات الاستراحة من زراعة التبغ، فتعمل زينب على خبز الخبز مع احدى شقيقاتها، وتقول «علينا ان نخبز يومياً 20 عدّة خبز كحدّ أدنى»، أي ما يعادل 400 رغيف خبز، يتم تسويقها بسرعة قياسية، «الزبائن يحضرون الى المنزل ليأخذوا الخبز وبعض التجار يوزعونه على المحال التجارية». هذا لا يعني أن لا وقت للفراغ عند هذه الأسرة، «نعيش كغيرنا من أبناء البلدة، لكننا نستغلّ الوقت جيداً، ونفتح دكاناً صغيراً كان يحقق لنا أرباحاً معقولة، فنحن نستطيع البيع والشراء أثناء عملنا في شكّ التبغ أو خبز الخبز في جوار المنزل، لأن الزبائن يعلمون مكان وجودنا».
في شهر أيار من كل عام تكون زينب قد انتهت من زراعة شتول التبغ وبدأت بقطاف شتول أخرى، فالأراضي تحتاج الى وقت طويل لزراعتها ( بين آذار ونيسان)، وتحتاج زينب الى نحو 10 عمال لمساعدتها على القطاف، لأن سهل الخيام ينتج بشكل مضاعف، نسبة الى أراضي القرى الجبلية، وهذا يساعد زينب على ترك العمل في الحقل قليلاً لتعود الى البلدة لمتابعة عملية شك الأوراق، التي توزع الكثير منها على بنات الضيعة ليساعدنها على شكّها مقابل أجر محدد، في الوقت عينه تقوم زينب بطبخ الطعام للعمال داخل منزلها، وأحياناً تستغل بعض أوقات الفراغ لمتابعة دروسها الدينية.
تحتاج زراعة 50 دونماً من التبغ الى مصاريف كثيرة، اضافة الى استئجار الرخص من أصحابها، تقول زينب «تكلفني زراعة هذه الأراضي 30 مليون ليرة سنوياً، أما الانتاج الصافي فيزيد على الخمسين مليون ليرة». انتاج زينب وأخواتها بات مثالاً يُحتذى. حتى أن بعض الأمهات بتن يعايرن بها أولادهن من الشباب العاطلين عن العمل، ويقلن لهم «شوفو زينب كيف بتشتغل بتعرفوا انوا بالبلد ما بيخلى الشغل». أحد أبناء البلدة من المغتربين، قرّر ترك الاغتراب في ألمانيا والعودة الى زراعة التبغ في سهل الخيام، «استأجر 30 دونماً وزرعها هذا العام على أمل الانتاج المضاعف». تقول زينب «أجرة دونم الأرض في سهل الخيام 25 الف ليرة سنوياً، بينما في البلدة تزيد على 50 ألف ليرة، أما الانتاج فهو مضاعف أيضاً، ما يعني أن الأرباح ستكون أكثر بكثير، لذلك زراعة 50 دونم تحتاج الى استئجار 20 رخصة تبغ». أكثر ما يزعج زينب اليوم، ليس العمل وصعوبته، بل «لأن البعض يحاول انتقادي على عملي الكثير، وكأنه يتعب عني»، أما سيارة «البيك آب» فلم تحرج زينب أكثر مما زعجها عدم تقبل البعض لقيادتها ونقل عمالها الى عملهم، وكلّ ذلك لا يبدو أنه سيخفّف من نشاط زينب فهي «تطمح لتعلم كيفية تصليح أعطال السيارة الطارئة، كي استطيع تخليص نفسي واستغلال وقتي»، كما تطمح لاقامة مزرعة لتربية الأبقار وتربية النحل، وايجاد فرص انتاجية أقل مشقّة على شقيقاتي، فكل ما اريده أن يعمل شقيقاتي في مؤسسة تابعة لهن، حفاظاً على كرامتهن وعزتهن».
تعليقات: