النازحون في «مخيم الكرامة» – عين الحلوة
المعاناة فوق الوصف ونعيش نكبة جديدة.. بلا مساعدات إنسانية
النازحون الفلسطينيون من سوريا إلى عين الحلوة:
يعيشون في خيم ويصومون وسط الدموع وقسوة النزوح
معاناة فوق معاناة.. قسوة ونزوح ولجوء جديد، بعد لجوء نكبة فلسطين الأولى في العام 1948، حياتهم اليوم تزداد صعوبة في شهر رمضان أكثر من الماضي، بعد نزوحهم قسراً من أماكن إقامتهم في سوريا إلى لبنان، بما يشبه النكبة الثانية، حيث نُصبت العائلات الخيم، وافترشت الأرض، والتحفت السماء، مع ضجيج الأطفال وبكائهم، بينما أمهاتهم يشكون سوء الأحوال وسط ضائقة اقتصادية خانقة وغلاء فاحش، لم يبقَ في جيوبهم مالاً وهم دون معيل، فوجدوا أنفسهم في أرض بور نواة لمخيم مصغّر، على أمل العودة في القريب العاجل...
وفي انتظار العودة التي تبدو طويلة وصعبة، حلَّ عليهم شهر رمضان ليكشف معاناتهم أكثر مما كانوا عليه، وما زالوا ينتظرون المساعدات الدولية والهيئات الإنسانية والخيرية، خلافاً لمن عايش نكبة فلسطين، حيث تكفلت «الأمم المتحدة» بمساعدة اللاجئين. أما اليوم، فالزائرون كثر من الجمعيات وغيرها، ولكن دون فائدة...
«لـواء صيدا والجنوب» حط رحاله في مخيم النازحين – الكرامة في مخيم عين الحلوة وأمضى يوماً بين المعاناة والصوم والشكوى، على أمل مد يد المساعدة...
بلا مأوى
تعيش أكثر من 75 عائلة في مخيم الكرامة موزعين على 60 خيمة نصبت على عجل لتأويهم، وسط ظروف إنسانية صعبة يختصر مشهدها استخدام حمامين: واحد للنساء والآخر للرجال، وهو ذات حال آلاف النازحين من سوريا إلى لبنان، الذين بدأوا صيام شهر رمضان موزعين على مخيمات ومجمعات سكنية.
{ إغرورقت عينا اللاجئة السورية - الفلسطينية الأصل نوافة أحمد حسن (60 عاماً)، وهي تقول: «ها قد أطل علينا شهر رمضان الكريم، وأنا بعيدة عن بيتي في بلدة سبيتي السورية، آه... من الألم والوجع والذل الذي يحرق قلبي، فأنا أرملة ولم أرزق بأولاد، وبيتي في سوريا تهدم من القصف، فأصبحت بلا مأوى.. فنزحت إلى لبنان، وها أنا اليوم أيضاً بلا مأوى... أتنقل من خيمة إلى أخرى».
وتتابع: «لقد حاولت أن أجد مأوى ولو زاوية في خيمة تأويني، لكن للأسف الكل جوابهم واحد: فرد واحد لا نستطيع أن نؤمّن له مأوى، فيجب أن تكون عائلة مؤلفة من شخصين على الأقل، فاضطررت أن «اشحذ» مكاناً لي في إحدى الخيم التي أتنقل بينها كل يوم لأجد مكاناً عند أحدهم ارتاح فيه، فكيف بحالنا في هذا الشهر الكريم!؟ فأين العدالة الإنسانية لترحمنا من هذا الذل؟!»...
نكبة ثانية
{ بينما كانت النازحة الحاجة فاطمة جمعة معاد (65 عاماً) من بلدة الحسين - ست زينب في سوريا، تحمل المياه لتنقلها إلى خيمتها، توقفت قليلاً ناظرة إلى السماء، رافعة يديها بالدعاء وعينيها مغرورقتين بالدموع، تناجي الله وتقول: «يا رب... هجرت من وطني الأم فلسطين وكنت في السنة الأولى من عمري إثر نكبة العام 1948، فكان مأواي وعائلتي - آنذاك - خيمة من «الشادر»، وها هي الأيام تعود بي إلى النكبة مجدداً، لقد هُجرنا من مأوانا في سوريا إلى لبنان لتجمعني مجدداً خيمةً من شادر أنا وأولادي وأحفادي».
وتضيف: «لقد تركت في الشام روحي، فأبنائي الاثنين استشهدوا، وزوج ابنتي كذلك، وأنا اليوم احتضن الأيتام في هذه اللفة من القماش، وعندما يحين موعد الإفطار تزداد معاناتي، حيث أتذكر فلذات كبدي كيف كنا نجتمع سوياً على مائدة الإفطار، ونحن اليوم بلا معيل، «عيب الواحد يحكي»، لكنني أذهب يومياً إلى الحسبة «لأشحذ» ما تبقى من الخضار المرمية وأطهوه لأولادي وأحفادي كوجبة إفطار في هذا الشهر الكريم».
وتؤكد «كثر أتوا وعاينوا الحالة التي نعيشها، لكن دون جدوى، فلم ينظر أحد إلى وضعنا المأساوي لمساعدتنا، ونحن كفلسطينيين نأخذ حصة «مونة» كل شهرين من وكالة «الأونروا»، لكنها لا تكفي أياماً، فلديّ 11 طفلاً يحتاجون يومياً للطعام والشراب... فماذا نفعل؟؟».
وتتساءل: «ألا يكفي أننا تهجّرنا من بيوتنا ونسكن خيمة على التراب؟ نحن اليوم نعيش ظروفاً أصعب بكثير من الظروف التي عشناه إبان نكبة فلسطين، ففي وقتها تكفلت «هيئة الأمم المتحدة» بنا كلاجئين، أما اليوم فلا نملك سوى الشكوى لله».
معاناة لا توصف
{ فاطمة إدريس (40 عاماً)، نازحة من مخيم اليرموك، ولديها 3 أولاد، أجهشت بالبكاء وهي تقول: «في شهر رمضان المبارك في العام الماضي كنت أعيش تحت سقف منزلنا مع عائلتي، وهذه السنة نعيشه في الشتات، بعيدين عن مسكننا وذوينا، الذين لا نعلم عنهم شيئاً حتى الآن, في خيمة بطول وعرض مترين، فنحن نعيش معاناة لا توصف، فطفلتي الصغرى عمرها 8 أشهر بدون حليب وحفاضات منذ أسبوع، وهي لا تتوقف عن البكاء أبداً وليس بيدنا حيلةً، فماذا أفعل؟؟ ليس لديّ معيل... ولا أملك عملاً لأعيل به أسرتي... تباً لهذا الزمن, لقد أصبحنا «نشحذ» من الناس لكي نأكل»!...
وتصرخ «أين الجمعيات التي تُعنى بالطفولة؟ أين المسؤولين الذين نسمعهم على المنابر يتكفلون النازحين؟ لا أحد يشعر بنا، بخاصة نحن في شهر رمضان، سواء أكلنا أو شربنا.. وهل يفكر أحدهم بمعاناتنا ونحن نعيش تحت أشعة الشمس الحارقة طيلة النهار دون مأوى ونحن صائمون، ولكن المصيبة الأكبر عندما يحين موعد الإفطار ماذا نأكل أنا والأولاد؟ لا شيء.. الحمد لله».
انتظار ودموع
{ وتجلس عذرا حسن (50 عاماً) من مخيم اليرموك على الأرض وهي مصابة في قدميها، تقول والغصة في قلبها: «لقد نزحت أنا وأولادي الأربعة إلى لبنان وتحديدا إلى مخيم عين الحلوة، هربنا من القصف لأن لديّ أطفال، فقُصف منزلي وأصبت في قدمي، ونحن الآن نعيش في خيمة على التراب، في الشتاء تطوف علينا المياه، وفي الصيف تحرقنا الشمس وكيف بحالنا في شهر رمضان ونحن صائمون».
وتضيف: «من المؤلم أن تمضي شهر رمضان بعيداً عن منزلك وأحبائك، ومن المؤلم أيضاً أن تنزع عنك صفة المواطنة وتصبح مجدداً لاجئ وتنتظر معونات المنظمات والهيئات الخيرية، لكن كله كلام، لا أحد يقدّم شيئا، فرغم إصابتي أذهب أنا وأولادي إلى السوق و«نشحذ» ما تبقى من خضار مرمية على الأرض لكي أطعمهم»... وتوقفت قليلاً.. والدموع تنهمر من عينيها.. و«أحياناً نذهب إلى الزبالة لنأخذ منها فضلات الطعام».
وتختم حسن: «نحن نعيش مع قلّة النظافة، وسط الذباب، إضافة إلى الجرذان التي تسرح وتمرح، فقد أكل جرذ قدم طفل في المخيم، ولم يبالِ أحد».
حمامان مشتركة للنساء والرجال
خيم تعيد ذكرى النكبة
طفل يبكي سوء الحال
عذرا حسن
فاطمة إدريس
نوافة أحمد حسن
تعليقات: