الغراب: رأيته يوماً واقفاً على غصن شجرة بمعطفه الأسود الأنيق، وقد أحاطته هيبة أخّاذة، وعلا رأسه تاج وقار زاده غموضاً وغرابة
.. لم أستطع أن أخفي إعجابي به، واحترامي له، حين رأيته يوماً واقفاً على غصن شجرة بمعطفه الأسود الأنيق، وقد أحاطته هيبة أخّاذة، وعلا رأسه تاج وقار زاده غموضاً وغرابة ..
وكما توقّعت فقد جرّني الاعتراف إلى سجال طويل، إذ كيف يمكن أن أحبّ "غراب البين" رمز التشاؤم ونذير الموت والخراب ! .
وكيف لي في بلاد " الطّيرة " أن أتحسّس الجمال في الطائر الموسوم بالشرّ! وقد كان الناس قديماَ يتطيّرون بالأنبياء، ودعاة التغيير، وحملة فوانيس النور في نهاراتهم المعتمة .
مرة جديدة أقف في مواجهة المألوف مشدوهاً في حضرة المعلّم " الغراب"، مستعيداً ذلك المجدّ الإلهي وتلك الحبوة التي حباه الله بها حين بعثه كي يعلم قابيل كيف يواري سوءة أخيه ..
بُعث الغراب ليواري سوءة الإنسان القتيل، ويواري معها سوءة القاتل، فيالله وهذا الرائع الذي نسوؤه بغبائنا وقد كان ستراً لسوءتنا الأولى !..
كم تمنيت أن يشاركني أحد هذه المحبة المنفردة للغراب، وأن التقي بالمتخفَف من أثقال الموروث ليقاسمني جنوني في اقتحام متاهات المتراكم، عليّ أستعير من المعلّم " الغراب" ثوبه الأسود فأقف مدافعاً عنه في محكمة الإسقاط المسبق.
.. وكان سروري عظيماً حين التفت ناحية النيل العظيم لأجد إحدى بناته تشاركني الفضول في تتبّع الغراب، وتتملّكها ذات الحيرة والرغبة في أن تسرّه تغاير النظرة وانحياز الموقف إيجابا, وتقدّم له اعتذارينا عما اقترفته المخيلة البشريّة ..
عجباً لقومي أصحاب الطّيرة، والطّيرة شؤم بالطير، هكذا أخبرتني قواميس الأبجدية، ورأيت الطير دوماً مصلوباً على بيارقنا العربية، رأيته يضرب بجناحيه الأسيرين حدود القفص، يحدّق في وجه الشمس، يقرأ آيات الحرية !..
نحن الأمة التي تتشاءم بالطير ويزعجها نعيق الغراب على مدافن الموتى، ولكنّنا نتصفّح كلّ يوم وجوهاَ تقطر باليأس، وتنذر بالشرور، وتضيف الى خيباتنا خيبات جديدة. ونحن نتسلّح بالصبر وقد أضحت أفواهنا أقناناً لإيواء اللسان والأسنان لا أكثر كما عبّر "الماغوط" على صفحات وجعه وتطيّ ره.
أما لسان حالنا فيمطر تلك الوجوه الخائبة حين يواجهها : إنّا تطيّرنا بكم !!..
..
بقلم : الشيخ محمد أسعد قانصو
تعليقات: