الكاتب أحمد حسّان
كان عندي شوق للكتابة عن الخيام، ولكنني كنت حائراً بين خيارين، هل أكتب عن الخيام أم أكتب لها، قررت في النهاية أن أكتب عنها وعن أحوالها وأحوال أهلها لأنني ببساطة وجدت بعد زيارتي الاخيرة لها أن الكتابة عن الخيام هو أنفع بكثير من أن أكتب لها.
مناسبة هذا الكلام هو أنني إلتقيت بصديق خيامي هو من صميم الخيام ونسيجها وعراقتها، وهو من أعلام أنشطتها الرياضية والثقافية والإجتماعية والخدماتية، وهو من روادها الذين لا يتعبون من محبتها وحرصه على جمع شبابها وفعالياتها كلما تسنى له ذلك، وهو غالباً ما كان ينجح في ترتيب اللقاءات الخيامية ولكنه كان يقارب الفشل في طموحه وآماله بجني ثمار هذه اللقاءات وترجمتها بأفعال تساهم في إنعاش الخيام وتعيد لها دورها ومكانتها على خريطة المنطقة الإجتماعية والإقتصادية والثقافية.
سألته عن أوضاع الخيام وأحوالها، وكان جوابه للمرة الأولى سريعاً وحاسماً، "أوضاع الخيام وأخبارها سيئة ولا تبشر بخير قريب"! ما فاجأني بجوابه هو أنه عودنا دائماً أن يرى النصف الممتلىء من كأس الخيام، ولكنه في هذه المرة كان متشائماً لدرجة أن الواقع المخيف والسيء لم يترك له أو لغيره فسحةً من الأمنيات والأماني ومحاولات الإنعاش المرتجلة والعابرة.
ما يخيفني ويخيف غيري على الخيام هي أنها بدأت تتحول من ساحات مفتوحة على النضال الوطني والقومي وميدان ثقافي وعلمي وإجتماعي وأدبي وحضاري، إلى زوايا معتمة ومغلقة على شلل شبابية لا يجمعهم سوى ندرة فرص العمل والتجاوزات ومعاقرة الآفات التي تتسبب بالضرر الجسدي والفكري والإجتماعي وتنعكس على أصحابها إنحلالاً إخلاقياً وإجتماعياً وثقافياً لم تشهد له الخيام مثيلاً طيلة تاريخها المتنوع.
فبعد أن كانت الخيام النموذج الراقي للمرأة المتعلمة والمثقفة والرائدة في العمل السياسي والنضالي والإجتماعي والثقافي، وبعد أن كانت خزاناً لجيش من الموظفين والاساتذة والجنود والضباط في الجيش الوطني والاسلاك الأمنية والعسكرية، وبعد أن كانت موطناً للأدب والشعر والعلم والمعرفة والثقافة والتنور، ها هي بدأت تتحول إلى مستنقع يُغرق أبنائها، وأصبحت بلدة لا يسكنها إلا المتقاعدون والعاطلون عن العمل، وغدت نموذجاً عن مجتمع فردي ينجح فيه الخيامي خارج الخيام في ميادين العلم والمعرفة والتفوق الإقتصادي والتجاري والعلمي والنقابي والتربوي، ليتحول إلى فرد فاشل في المجتمع الخيامي وعاجز عن تقديم ملكيته الفكرية وثروته المالية والثقافية والعلمية في خدمة الخيام والمساهمة في قيامتها الحقيقية وإعادة رونقها ودورها الريادي وتميزها في منطقتها ووطنها.
- هل سيهز هذا الكلام ضميرنا وضمير المعنيين به، أم سيبقى مجرد كلام للتسلية والتندر؟
- هل سنحافظ على وفائنا لشهداء الخيام الذين لم تنقطع مسيرتهم منذ عام النكبة في سنة 1948 ولغاية ما بعد تاريخ الإنتصار الكبير وحتى كتابة هذه السطور، أم أننا سنكتفي بتعداد الأسماء والترحم على أرواحهم؟
- هل سنضع يدنا بيد نخبة ثقافية وعلمية ومهنية وحقوقية وإجتماعية تزخر الخيام وتعتز بهم، أم سنستسلم لثلة ضالة من أبنائنا تعمل على إشاعة الفوضى والإستهتار بقيمنا وتقاليدنا وتاريخنا النضالي الناصع وتفرط به في أزقة الإنحراف والضياع؟
بالرغم من القلق والحزن العامر والجرح المفتوح على الخيام ومصيرها، وبالرغم من غياب فرص العمل المنتجة والمشاريع الإقتصادية والتجارية والمهنية التي تساعد في بناء مجتمع خيامي متين وملتزم، وبالرغم من غياب المشاريع الإنمائية المتنوعة، إلا أن هناك الامل الكبير بأن تستعيد الخيام دورها الحضاري.
فهل يعني لكم في شيء أن يجري إقامة حفل توقيع كتب لكاتبات وكتّاب من الخيام؟! هذه هي نقاط الضوء التي يجب أن نتمسك بها ونعمل على تطويرها، فالجميع يعرف قيمة الخيام ومكانتها في ضمير الخياميين، ولا ينقصنا سوى أن نبادر، فهل سيتجاوب القيمون والمعنيون أم لا حياة لمن تنادي؟!!
أحمد حسّان
تعليقات: