البطالة هي أهم أمراض الضاحية
اكتظاظ سكاني يضغط على الخدمات العامة والبنى التحتية. النتيجة تعزّز المبادرات الفردية غير الشرعية مثل مولّدات الكهرباء وصهاريج المياه. الفقر يعيش إلى جانب الطبقة الوسطى ــ العليا في بقعة ذات امتداد جغرافي وطائفي واحد. بقعة ليس فيها تنمية، ويزداد بروز الجريمة فيها. أبناؤها يهاجرون بحثاً عن عمل لائق بعدما نزح أهلهم إلى الضاحية الجنوبية بحثاً عن الأمان والدخل. المشهد يكشف الكثير من التناقض الطبقي داخل أسوار كل طائفة
السيارات الرباعية الدفع في زواريب حيّ السلّم تسير إلى جنب الدراجات النارية والسيارات الصغيرة وسيارات الأجرة «التاكسي» التي يكدّ أصحابها بحثاً عن أقساط تسجيل أولادهم في المدارس. ارتفاع أسعار إيجارات المحالّ التجارية إلى ما بين 2000 دولار و3000 دولار في «حارة حريك» و«حي الأميركان» ليس أمراً غريباً عن المنطقة، لكن إيجارات سوق الجمّال في الشياح وسوق البرج تقع على طرف النقيض حيث لا تتجاوز، في غالبيتها، 600 دولار. محل «فلافل أبو الطيب» على خطّ المريجة العام لا يزال في مكانه يبيع أرخص سندويش فلافل، فيما محالّ «بربر آغا»، التي تُعدّ فرعاً لمحالّ «بربر» في الحمرا، حديثة العهد على أوتوستراد «السيد هادي نصر الله». المدارس الخاصة الباهظة الكلفة التي تنتشر على أوتوستراد طريق المطار، ليست سوى «وجّ الصحارة» للمشهد الداكن خلف تراب المدرسة الرسمية الابتدائية في شارع الحجاج في الشيّاح.
هذه المشاهد في الضاحية الجنوبية تعبّر عن تناقض طبقي متساكن في بيئة اجتماعية واقتصادية واحدة. مشهد يقلّ نظيره في لبنان. فالطبقية في هذه الضاحية ليست معيبة للساكنين في مبنى واحد، وليست حافزاً للانتقال إلى منطقة وسط العاصمة. لا أحد يريد الانتقال إلى بيئة لا تشبهه اجتماعياً ومذهبياً. هو الأمان الاجتماعي الذي يجمع قاطنو الضاحية الجنوبية يطلبون دفئه ويغرقون بوحله. هي الضاحية الجنوبية التي تمتدّ على طول الخطّ الموازي للمدينة الرياضية جنوباً، وصولاً إلى «بئر حسن» وإلى حدود مطار بيروت الدولي، وشرقاً باتجاه «سان تيريز» و«حي الأميركان» على تخوم منطقة الحدث، وغرباً عند منطقة الشياح على تخوم حدود بيروت الإدارية على بعد أمتار من «سباق الخيل» و«حرج بيروت». في الوسط هناك المريجة وحارة حريك والليلكي وبئر العبد... سكان هذه المنطقة يُعَدّون نحو 750 ألف نسمة. يتشاركون بنى تحتيّة هزيلة. يبحثون عن حلم الأمان الاقتصادي والاجتماعي. يخوضون غمار رحلة شاقة في البحث عن مفهوم المواطنية. أقصى طموحاتهم «النظام». تتشابك طموحاتهم بالإهمال الرسمي ومنابع مصالح المذاهب والسياسيين والمافيات.
رغم كل ذلك، يرفض القيمون على تلك المنطقة وصفها بـ«حزام بؤس». هي لم تتشكّل أصلاً من هذا الحزام. فالسكان الأقدم كانوا «ملّاكين»، أما اليوم فساكنوها هم من أبناء الطبقة الوسطى ــ العليا وما دون. تقديرات القيمين على المنطقة تشير إلى أن 80% من سكانها يغلب عليهم لون طائفي واحد، أي نحو 600 ألف نسمة، ويختلط معهم 20% من غير طوائف، أي نحو 150 ألف نسمة. لا يمكن اختصار الضاحية الجنوبية بخريطة كهذه، فعلى أرضها تبدو هذه الوقائع صغيرة.
نزوح الفقر
نشأت منطقة الضاحية الجنوبية على مراحل. كانت اللبنة الأولى في القرن التاسع عشر مع قدوم بعض العائلات من شبه الجزيرة العربية. ثم تحوّلت في مرحلة الستينيات والسبعينيات إلى مركز نزوح ريفي من الجنوب والبقاع. أما اليوم، فهي بدأت تضيق بهذه الروافد لتشهد تمدداً مدفوعاً بنموّ سكاني ونزوح مستمرّ إلى ما يُعرف بـ«خط الـ400 متر» أي المناطق التي تقع جنوبيّها على ارتفاع 400 متر.
لمنطقة الضاحية الجنوبية وظيفتان أساسيتان: اقتصادياً، كانت ترفد العاصمة ومراكز النشاط الاقتصادي في جبل لبنان بالعمالة الريفية الوافدة. أما اجتماعياً، فكانت مركزاً للساعين إلى تحصيل العلم على أبواب العاصمة. الظروف التي أعطت هذه المنطقة هذا الدور، شكّلت نسيجها الاجتماعي والاقتصادي الذي نراه اليوم. ومن أبرز العناصر التي تركت أثراً في هذا التشكيل، الحرب الأهلية وما تلاها من حروب في الجنوب وارتفاع معدلات الفقر في البقاع. فالنزوح إلى الضاحية الجنوبية استمرّ من الجنوب المحتلّ بحثاً عن الأمان. وفي مرحلة الحرب الأهلية وما بعدها، أتى سكانها من البقاع الفقير بحثاً عن «لقمة العيش»، ما أسهم بزيادة وتيرة النزوح البشري، وزاد الطلب على السكن هناك.
في رأي رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عبد الحليم فضل الله، لا ينطبق على الضاحية الجنوبية توصيف «حزام بؤس». فبمعزل عن الأزمات الاجتماعية التي تعانيها هذه المنطقة «إلا أنها ليست مناطق عشوائية غير مرخّصة، بل إن غالبية المخالفات الملحوظة في الضاحية، على ندرتها، جرت في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية. الوصف الأدقّ لهذه المنطقة هو أنها أحياء ملاصقة للعاصمة غير منظّمة ولها أحزمة بؤس خاصة بها مثل الأوزاعي».
الفروقات بين الأحياء
هكذا تبدو الفروقات الاجتماعية والاقتصادية واضحة في الضاحية. فالأحياء الجنوبية الشرقية مثل «الجاموس» و«سان تيريز» مختلفة تماماً عن الوسط مثل «المريجة» و«بئر العبد» وسواها. كذلك يبدو الاختلاف واضحاً في المناطق الملاصقة عقارياً للعاصمة مثل «الشيّاح» و«الغبيري» و«حارة حريك» ومنطقة طريق المطار، ومختلفة عن الأحياء الجنوبية الغربية مثل «حي السلّم».
«التفاوت بين هذه المناطق ناجم بصورة أساسية عن فترة نشوئها»، يقول مسؤول في حركة أمل. في رأيه إن المناطق الوسطى والأطراف الجنوبية للضاحية تشكّلت قبل الحرب الأهلية وأثناءها، فيما تشكّلت الأحياء الجنوبية الشرقية مثل «حي الأميركان» و«سان تيريز» بعد الحرب الأهلية عندما كانت أراضي «بور» مملوكة في غالبيتها من أشخاص مسيحيين بدأوا يبيعون أراضيهم تدريجاً مع الفورة العقارية الأولى في منتصف التسعينيات. يومها، وبصورة فردية، «دخل تجار البناء إلى هذه المنطقة ورفعوا أسعارها بصورة كبيرة لتكون مسكناً للميسورين في منطقة الضاحية، فبدأت تتنافس المناطق الجديدة مع مناطق الوسط وتبتعد إلى حدّ كبير عن المناطق الغربية»، يقول المسؤول نفسه. اليوم ارتفع سعر متر المحل التجاري في بعض هذه المناطق إلى ما بين 8 آلاف دولار و10 آلاف دولار، أما إيجار المحل الواحد فيراوح بين 2000 دولار و3000 دولار.
أكثر ما يعبّر عن هذا الاختلاف بين سكان أحياء الضاحية هو تفاوت أسعار العقارات «التي تعدّ معياراً أساسياً للتكوين الاقتصادي والاجتماعي لسكان منطقة الضاحية الجنوبية؛ لأن العقار هو المانع والشرط الأساسي للسكن، وهو دلالة رئيسية لمستوى الدخل» يقول فضل الله. فالتفاوت في سعر المتر المبني بين حي السلّم وحارة حريك يبلغ 30%.
والغريب في هذا التفاوت، أن الهوّة كبيرة بين قدرات السكان، ففي «حيّ الأميركان» يمكن أن يتجاوز سعر الشقة مبلغ 500 ألف دولار، فيما حدّه الأقصى في «حيّ السلّم» هو 170 ألف دولار وسطياً، أي إن الفرق يصل إلى 3 أضعاف.
من أفريقيا إلى الخليج
أسباب التفاوت في الضاحية مختلفة نظراً إلى تنوّع مداخيل سكان الضاحية بين «تحويلات المغتربين وأجراء القطاع الخاص وموظفي القطاع العام». فبحسب فضل الله، ارتفعت هجرة الشباب من سكان الضاحية بوتيرة ملحوظة خلال الفترة الماضية، حتى باتت أموال الاغتراب «جزءاً يعتدّ به ضمن مداخيل السكان في هذه المنطقة، وخصوصاً أن معدلات الهجرة فيها صارت موازية لمعدلات الهجرة من جنوب لبنان». وبحسب المسؤول في حركة أمل، فإن المهاجرين ذهبوا إلى «أفريقيا ودول الخليج، ليحوّلوا مبالغ شهرية إلى ذويهم في لبنان استثمرت لشراء منازل وشققاً سكنية في المنطقة نفسها».
أيضاً، لا يغفل أحد أن هناك أعداداً كبيرة من موظفي القطاع العام هم من سكان الضاحية، فيما يتوزّع الأجراء على مؤسسات القطاع الخاص النظامية والمصرّح عنها للدولة أو تلك المكتومة عنها، وذلك سواء كانت هذه المؤسسات في مناطق الضاحية أو خارجها. هذا الأمر وحده كاف لأن يخلق تفاوتاً اجتماعياً بين السكان؛ فالذين يعتمدون على تحويلات المغتربين هم ميسورون أكثر من غيرهم ولديهم نمط معيشة أكثر ترفاً. إلا أن موظفي القطاع العام المقيمين في الضاحية يشعرون بأمان اجتماعي أكبر رغم رواتبهم المحدودة، نظراً إلى كونهم يستفيدون من تقديمات مالية وصحية وتقاعدية ضمن أنظمة موظفي الدولة. الطامة الكبرى هي لدى موظفي القطاع الخاص؛ سكان الضاحية الذين يعملون خارجها، يعيشون في استقرار نسبي قياساً إلى الذين يعملون في مؤسسات مقرّها الضاحية حيث الكثير من أعمال المهن الحرّة والشركات غير النظامية ليست مشمولة ضمن أي نظام يوفّر لعمالها التغطية الاجتماعية ــ الصحية ــ التقاعدية، وبالتالي فإن هؤلاء العمّال يمثّلون الوجه الثاني للضاحية الجنوبية. بعض هؤلاء يعتمد على التغطية التي يقدّمها النظام الحزبي لهم، والغالبية تعيش بعيداً عن أي شبكة أمان اجتماعية.
وبحسب فضل الله، ينقسم أصحاب الأعمال والمهن الحرّة في الضاحية إلى نوعين: جزء منتظم بالمعنى القانوني والاقتصادي؛ لأنهم يسجّلون مؤسساتهم في غرفة التجارة والصناعة ويحملون إذاعة تجارية ولو كان بعضهم فقط يصرّح عن عماله للضمان الاجتماعي. وهناك جزء ثانٍ غير منتظم قانونياً واقتصادياً مثل مولّدات الكهرباء وبعض أعمال المهن الحرّة في المنطقة.
المتخرجون والتجّار
بالتزامن مع النموّ السكاني، شهدت الضاحية ظاهرة جديدة ناجمة عن تحوّل أساسي في نسيجها الاجتماعي؛ «فقد زاد عدد المتخرجين من الجامعات الأجنبية، وهؤلاء هم أبناء الطبقة الوسطى العليا والوسطى الدنيا التي سكنت في هذه المنطقة»، وفق فضل الله. فهذه الفئة، في رأيه، وحدها كافية لتنشيط الديناميكية في المنطقة التي أنتجت «خبرات وكفاءات تعمل داخل لبنان وخارجه. العاملون في الداخل يحصلون على رواتب مرموقة في قطاعات مختلفة مثل المصارف والتأمين والاستيراد والتصدير ولدى مختلف الشركات الاجنبية أيضاً». هذه الملاحظة لم تكن قائمة في السابق، فقد تحوّلت الضاحية إلى «خزان للموارد البشرية المرتفعة القدرة بعدما كانت سابقاً مركزاً للعمالة غير الماهرة». إلا أن هذا الأمر لا يعني أبداً أن جميع أبناء الضاحية في خير، فهم يعانون من انتشار البطالة وارتفاع معدلاتها بصورة كبيرة، ومن خدمات عامة غير منتظمة ومن توتّرات يثيرها الوافدون إليها»، بحسب فضل الله.
أما التحوّل الثاني المشهود في هذه المنطقة، فهو أن المؤسسات الاقتصادية فيها أصبحت عامل جذب واستقطاب للزبائن من غير مناطق. فعلى سبيل المثال، يشير فضل الله إلى أن «تجارة قطع غيار السيارات المستعملة كانت نقطة الجذب الأساسية في المنطقة سابقاً، لكن اليوم مع زيادة الاستثمار في تجارة التجزئة، بدأت مؤسسات مثل العاملية وقاروط باستقطاب الزبائن، وهو ما دفع المصارف إلى فتح فروع لها هناك؛ إذ إن المصارف تلحق كتل الأموال كما هو معروف». وبالتالي، بات الميزان التجاري بين الضاحية الجنوبية وباقي المناطق يميل أكثر لمصلحة الضاحية.
التمدّد ممنوع
إذاً، إلى أي مدى معاناة الضاحية كبيرة وإلى أي حدود؟ الإجابة تأتي بسهولة استقاء التوصيف من شوارع الضاحية. ففي الأحياء «هناك تمازج طبقي يقلّ نظيره، وكل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والطائفية لم تمثّل حافزاً لخروج فئة وانسحابها إلى غير مناطق، إلا أن للأمر مساوئه في ظل الفوضى القائمة»، يقول فضل الله. الأثر الأكبر يشعر به المقيمون ضمن الكتلة السكانية المكتظة وتتركّز في أحياء الوسط والجنوب، لكن كل أحياء الضاحية، على اختلاف تنوّعها الطبقي، تعاني مشكلة أساسية هي النقص في الخدمات العامة. أي إن البنية التحتية في هذه المنطقة لم تعد تلبّي الطلب السكاني، فعدد السيارات التي تتحرّك في شوارع الضاحية تضاعف نحو 5 مرّات بالحدّ الأدنى، فيما الطرقات لم تنمُ إلا بنسبة 10%. كذلك فإن الضاحية الجنوبية محكوم عليها بألا تتمدّد بسبب الأزمة المذهبية التي تمنع هذا الأمر، وذلك «رغم نموّ السكان في مقابل ندرة الأراضي، وبالتالي كان على سكان هذه المنطقة التمدّد إلى مناطق تناسب وضعهم الاقتصادي والاجتماعي»، وفق فضل الله. فالمعروف أن «سكان الضاحية الجنوبية هم شيعة بما يعادل 80%، لكن هناك 20% من السكان من مختلف الطوائف غالبيتهم من السنّة»، وفق مصادر مطلعة، وبالتالي إن أي تمدّد للسكان يأخذ طابعاً مذهبياً، وهو ما حصل مع بلدية الحدث قبل فترة التي منعت بيع أراضٍ لغير المسيحيين فيها بعدما كان تجار العقارات الشيعة يشترون أراضي لتشييد مبانٍ عليها هناك.
التمدّد السكاني يفتح طاقة «ذكريات التسعينيات» لدى المسؤول في حركة أمل. يومها انبثقت ظاهرة تشريع كل مخالفات البناء التي أنشئت بعد الحرب الأهلية. من أبرز تداعيات هذا الأمر أنه «أسّس لحالة من الفوضى العمرانية في بعض المناطق (…) وبالتالي باتت معالجة المشكلة التي شرّعتها الدولة أمراً يتطلّب تعديلاً في البنية التحتية لاستيعاب السكان وحاجاتهم اليومية من ماء وكهرباء ومواقف سيارات...».
أداء يزيد التوتّر
كان أداء الدولة في الضاحية مختلفاً جذرياً عن أدائها في مدينة بيروت، «فقد جرى توجيه مشاكل الضاحية نحو أطراف غير قادرة على معالجتها. فعلى سبيل المثال، إن صيانة البنية التحتية في المنطقة متروكة على عاتق البلديات العاجزة عن تقديم ما هو مطلوب عملياً، أما القوى السياسية في المنطقة، أي حزب الله وحركة أمل فتصطدمان دائماً بعدم وجود أموال مخصصة لهذه المنطقة، ما ترك الباب مشرّعاً أمام المبادرات الفردية على حساب النظام العام... في هذا الإطار نشأت ظاهرة مولّدات الكهرباء التي باتت كلفتها تبلغ، كمعدل وسطي، 20% من الأجر الشهري للعاملين في المنطقة».
ويضيف رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عبد الحليم فضل الله (الصورة)، أن الضاحية التي كانت معدّة لاستيعاب 100 ألف شخص وجرت تنميتها بمعدل يتيح لها استيعاب 150 ألف شخص، رغم أن عدد قاطنيها حالياً يقدّر بنحو 750 ألف شخص، وهؤلاء يتنافسون على الخدمات العامة. لذلك إن الفوضى الحاصلة هناك هي جزء من الطريق إلى هذا التنافس فتحصل مشاكل مثل سرقة الكهرباء والخلافات على مياه الخدمة والشرب وفوضى السير التي لا تطاق ولا تحتمل واستحالت عذاباً روتينياً يومياً.
ما البديل إذاً؟ الدولة هي الحلّ الوحيد لكل ما يحصل في الضاحية اليوم. حركة أمل وحزب الله يطلبان المزيد من حضور الدولة في مناطق تعاني هذه التناقضات الطبقية ذات الجذور المناطقية والاقتصادية، ويجمع مسؤولو الحزبين على أن الحلول محلّ الدولة هو أمر مستحيل، لكنهم يجمعون أيضاً على أن إلغاء الفوضى أمر مستحيل أيضاً، لكن يمكن التخفيف منها.
الغياب أمني أيضاً
في الضاحية الجنوبية، صدّق أو لا تصدّق، هناك غياب فاضح للأمن الاجتماعي. الأمن الوحيد المتوافر هو أمن القوى السياسية هناك، التي لا تدعي أنها تقوم بعمل أمني يحلّ محل الدولة، لا بل تؤكد أن أمنها هو في مكافحة العمل التجسسي والاستخباري الإسرائيلي. ما يحصل في الضاحية، وفق مشاهدات أمنية، أن بعض مروّجي المخدرات، على سبيل المثال، عندما يسلّمون إلى الدولة تعيدهم السلطة إلى شوارع الضاحية بعد أقل من يومين كأن هناك من يريد إبقاءهم في شوارع المنطقة. «هكذا تريد الدولة أن تتعامل مع هذه المنطقة؛ فهي تعلم أن الاكتظاظ السكاني يولّد بيئة حاضنة لأمور مضرّة ومؤذية اجتماعياً، لكنها لا تريد أن تقوم بأي عمل»، يقول مصدر مسؤول في هذه المنطقة.
الحلّ واضح. غالبية المشاكل في الضاحية مصدرها اقتصادي واجتماعي. كل الاحتكاكات الحاصلة في هذه المنطقة «تأخذ قناعاً سياسياً أو طائفياً أو مذهبياً أو عشائرياً أو خليطاً من بعضها، لكن مشاكل الجميع هي اقتصادية واجتماعية. كل هذه المشاكل لا تزال محمولة إلى اليوم، رغم أن الحلول مكلفة، غير أن ما لا يحتمل هو تزايد العنف والجريمة». ففي مثل هذه الحالة، حيث تصبح الجريمة علنية أكثر ولها وقع أكبر في منطقة مكتظة سكانياً، «يتحفّز الناس لحماية الذات، ويزيد التوتّر الاجتماعي»، يقول عبد الحليم فضل الله.
تعليقات: