البذخ قناعة الأعراس التي لا تفنى
لم تعد العادات القديمة في لبنان موجودة ولم يعد هناك ما يعرف بـ "القناعة" فقد أصبح البذخ قناعة الأعراس التي لا تفنى، فمن "معه" ومن لا يملك فلساً واحداً يقيم حفل زفاف "مطنطن" لأنها الموضة. والى جانب كل هذا تترافق الأعراس في لبنان مع حفلة من نوع آخر، من التشنجات النفسية، لأنه لا يكفي العروسين التكاليف المادية الكبيرة إلا انهما يقعان في افخاخ أولها الأكاذيب ولا تنتهي مع الغش والسرقات التي يتعرضان لها. فحتى الدعوة الى الزفاف تخطت المألوف شكلاً ومضمونًا، فمن التصاميم المبسطة، وصولاً الى المزخرفة، التي تأخذ بالوانها الطابع العام لحفلة الزفاف، ليكون لها تسعيرتها الخاصة ايضاً. ومظاهر الترف والتفاخر لم تعد حكراً على الأغنياء، فمعظم من يفكرون في الزواج اليوم، إما يقيمون حفلاً يتعارف عليه في لبنان بـ "المهرجان"، او يستقلون اول طائرة الى قبرص والضواحي وحتى الدول الأوروبية للإحتفال بعرس صغير.
لأسباب عدّة يتجه الشباب في لبنان الى إلغاء حفل الزفاف في الأيام الأخيرة بسبب خلافات "تطرأ" على الثنائي دون ان يعرفا ما أسبابها ليتبين لاحقاً انها ليست إلا اعباء مادية تؤثر على نفسيتهما وتجعل يومياتهما تتجه من سيئ الى اسوأ بسبب قلّة السيولة وكثرة المتطلبات.
فكل فتاة تحلم حكماً بـ "عرس الأعراس"، وكل شاب لبناني حكماً ايضاً يعمل بأكثر من وظيفة ليؤمن حاجيات زفافه التي تبدأ بحجز المطعم وتمر بتكاليف زينة الزهور، المصور، مصفف الشعر، وامور لا تنتهي، تتطلب مبلغا كبيرا من المال. فحفل الزفاف الصغير في لبنان تتخطى كلفته الـ30 الف دولار اميركي.
نقلة نوعية
وتحضّر نسرين وطوني لحفل زفافهما منذ ما يقارب السنة، وهي نادمة جداً على ما قامت به، موضحةً انها تتمنى لو ذهبت مع طوني "خطيفة" ووفرت على نفسها كل هذا العذاب.
وأشارت الى ان "الخطوة بحد ذاتها تشكل نقلة نوعية في الحياة وترتب عبئاً نفسياً كبيراً، كون الفتاة تنتقل من مرحلة الدلال في الكنف الأبوي الى حياة اخرى ومسؤولية كبيرة"، وتتابع " بالإضافة الى ذلك كل فتاة تحلم بالفستان الأبيض وبحفل زفاف ضخم إلا ان هذا الحب يترافق مع واقع مادي ضئيل مما يجعل كل ثنائي وعلى رأسهم نحن، نتدين كي نقيم لنفسنا ولكل من نحب حولنا حفل زفاف يليق بنا وبالحضور".
ورأت ان "كل شيء في لبنان معقّد، فحتى الأوراق الثبوتية التي يجب على العروس إحضارها تتطلب منها جهداً كبيراً، هذا عدا عن ان كل شيء لا ينجز من الزيارة الأولى، فتأخذ القصة مداً وجزراً، وعذاباً للحصول في نهاية المطاف على ورقة إطلاق حال لإتمام الزفاف".
مهرجان وليس عرساً
بدوره شرح طوني انه "بالإضافة الى كل ذلك، فأنا ونسرين نعمل ليل نهار كي نؤمن تكاليف زفافنا، ومستلزمات منزلنا، نجد ان الناس تكذب في ادق التفاصيل، ويوم الأحد موعد زفافنا، وانا على ثقة تامة انني لن احصل على كل ما طلبت، فقد امضيت هذا الأسبوع بين المصور ومزين الورد والمطعم، والكل يقول لم يكن هذا إتفاقنا، فالجميع ينسى ساعة الإستحقاق، ويعمل كما هو يريد".
واعتبر ان "الأعراس اللبنانية اصبحت مهرجانات، يستثمر فيها كل شيء، فحتى الزفات أصبحت بأشكال ومقتبسة من اساطير الف ليلة وليلة، فكلما تدفع المال كلما تحصل على المنتوج الأفضل"، لافتاً الى "انه في لبنان على الشاب ان يكون لديه خيار، إما حفل زفاف، إما الشقة، ومن يتبنى الخيارين يكون إما يعمل في الخارج، او اهله يتكفلون بحفل الزفاف، ليشتري هو الشقة".
المدخول محدود
وفي ظل ارتفاع تكاليف إقامة حفلات الزفاف يتردد كثيرون في الإقدام على هذه الخطوة المصيرية. فمدخول الشاب والصبية يظل محدوداً مهما بلغ الشخص من تقدّم مهني مقارنة بالمصاريف المفروضة عليه وقد تعددت هذه الأعباء اليومية. واوضحت سمر ان "اسعار الكماليات والأساسيات تتضخم لكن الرواتب تراوح مكانها منذ زمن طويل، بالإضافة الى ان مفهوم العرس الصغير في لبنان لم يعد موجوداً فإي حفل زفاف حتى لو تواجد فيه 30 شخصا يكلف اكثر من خمسة آلاف دولار اميركي، فإيجار فستان العروس وحده يصل الى اربعة آلاف دولار هذا اذا إختارت العروس مصمما غير معروف او متجرا بسيطا". وتتابع "التقاليد تقتضي دعوة الكثير من الأشخاص إلى الزفاف خاصة ان عمر من منطقة ريفية فنحن مضطران إلى دعوة كل الاصدقاء والأقارب القريبين منا والبعيدين حتى لو لم تجمعنا بهم صلة. فالعرس هو للأهل ايضاً حيث يثبتون من خلاله مكانتهم الإجتماعية بين الناس".
كما قال وسيم الذي يتحضر ايضاً للزواج أنه يفكر بالحصول، على قرض مصرفي لتمويل كل التكاليف. ويشرح ان حفلات الزفاف في لبنان تحولت من تقليدية ورمزية الى إستثمارات و"برستيج" يتخطى عزيمة الـ500 شخص على حفل الزفاف وهنا تبدأ المنافسة والمبارزة في إظهار اهميتهم من خلال وضع أكبر مبلغ من المال في لائحة الهدايا".
يواجه كل عروسين في لبنان تكاليف خيالية من اجل انجاز عرسهما فتصبح ليلة الحلم بتكاليفها تفوق الخيال، ولم تعد حفلات الاعراس التقليدية مرغوبة، إذ أصبحت موضة قديمة ومن لا يستثمر في حفل زفافه أكثر من عشرين الف دولار لا يتبع موضة العصر ويكون بذلك خذل كل من حوله وعلى رأسهم نفسه وعروسه.
تعليقات: