الخطة الأمنية في الضاحية الجنوبية مستمرّة، وهي تتمدد باتجاه بيروت او بعض احيائها ليلا خصوصا تلك التي تقطنها غالبية شيعية، كما هي الحال في محيط منزل رئيس الحكومة المكلف، على سبيل المثال لا الحصر.
الاجراءات الاحترازية، وضبط مداخل الضاحية التي يتجاوز عددها المئتين، باتت تحت السيطرة الكاملة لحزب الله، رغم وجود حواجز للجيش اللبناني. فالدخول الى الضاحية لا يمكن ان يتم من دون المرور على حاجز لحزب الله. وبعد كل حاجز للجيش لا بد من وجود حاجز امني "للشباب".
جزء كبير من مداخل الضاحية بات مجهزاً بأدوات تقنية معدة لكشف المتفجرات قبل وقوعها. ويتمنى ابناء الضاحية ان تحول هذه الاجراءات دون تكرار تفجيري الرويس وبئر العبد. رغم ان التساؤل بات يزداد حول المدة الزمنية التي يمكن ان تستمر... ولا اجابة توحي بأنها ليست طويلة. بل ان الاجراءات الميدانية، ومحاولة ايجاد مواقف سيارات جديدة في اكثر من منطقة داخل الضاحية، المكتظة اصلاً، يوحي ان هذه الاجراءات ستطول، وليس في الافق ما يوحي بتغيير يطمئن الناس.
اكثر من ذلك: بعض السكان القادرين على الانتقال الى خارج الضاحية، غادروها. بعضهم تلقى نوعاً من النصائح بالإقامة خارجها. لذا عمدت بعض العائلات الى الانتقال نحو مسقط الرأس في الجنوب والبقاع. بعضهم نقل افراد عائلته ويحضّر إلى نقل اولاده نحو مدارس في الأرياف. الباحثون عن جواب مطمئن من قياديي الحزب لم يتلقوا ما يتمنون سماعه: "المرحلة قاسية تحتاج الى صبر، وعلى كل مواطن ان يرتب اوضاعه على اساس ان كل الاحتمالات واردة".
الى ذلك كان للتفجيرات الدموية وما تلاها من اجراءات، اثر سلبي على الحركة الاقتصادية. لذا استوعب حزب الله نحو ثلاثة آلاف شاب في الوظائف الأمنية المستجدّة، خصوصًا على الحواجز. لكنّ ذلك، على اهميته في امتصاص جزء من البطالة، لم يمنع تململ مؤسسات تجارية، كبيرة وصغيرة، من حجم التراجع في الحركة. إذ تحولت الضاحية الى مكان يحسن عدم الدخول اليه لغير المقيم فيه. وبعض المؤسسات بدأت تتحضر للخروج من الضاحية. بعضها الآخر بدأ صرف جزء من عماله. والآخرون لا خيار لهم غير الانتظار والأمل بأن تمر الازمة كغيمة صيف عابرة.
في طبيعة الحال ليست هذه الاجراءات مقتصرة على الضاحية الجنوبية وبعض مدينة بيروت. ايضا ثمة ما يوازيها من اجراءات في مدينتي النبطية وصور جنوبا، وفي مدينة بعلبك وغيرها بقاعاً. إجراءات يظهر فيها حضور الجيش والقوى الامنية الرسمية، الا انه يبقى هامشيا على ما تظهر الوقائع على الارض. وبات واضحا ان الوجود الامني والعسكري الرسمي في هذه الاجراءات الميدانية على الارض هو مكمل لاجراءات حزب الله، وليس العكس.
ولا يخفى على أحد أن هذه الاجراءات مرشحة، في حال استمرارها مدّة طويلة، الى مزيد من الاعتراضات والتململ. هذا ما يدركه الجميع. وبالتالي فإنّ منفذي التفجيرات حققوا ارباكا امنيا واجتماعيا واقتصاديا داخل البيئات الشيعية.
في المقابل تحولت مرجعية حزب الله الى اكثر من مجرد قوة سياسية وعسكرية مسيطرة داخل هذه المناطق، بل الى مرجعية امنية كاملة، فيما تراجعت المؤسسات الامنية والعسكرية الرسمية، التي سلمت عمليا بمرجعية حزب الله على هذا الصعيد. وبات العنوان الامني الطاغي، ومستلزماته، يتيح للحزب القيام باعتقالات او تفتيش سيارات بعض الدبلوماسيين، او اي شخص آخر، من دون مساءلة.
طوال السنوات الفائتة كان لبنان كلّه يشعر بالخوف من التفجيرات والإغتيالات، وبقيت البيئة الشيعية تحتضن الأماكن الأكثر أمنا. من طرابلس إلى صيدا والبقاع وبيروت وحتى عكار والشوف وعاليه.. كلّها كانت مناطق "حروب متنقلة". وكانت الضاحية هي الأكثر أماناً. اليوم، في المحصّلة، ما عاد مفجّر السيارات يشعر بالربح فقط إذا نجح في زرع سيارة مفخخة هنا أو هناك. الداخل إلى الضاحية والخارج منها، والداخل إلى صور وبعلبك والنبطية والخارج منها، يعرف تماما أنّ العدوّ المجهول قد نجح في تخريب الحياة كلّها وليس فقط الأمن. وربما، في مكان ما، ينظر ويكتفي بأنّه جعل هذه البيئة تبدأ في دفع ثمن قرارات قيادتها.. وينتظر.
تعليقات: