هل يصمد الاستقرار في لبنان ام تعود المخاوف الامنية؟


لبنان في ظل "التسوية" حبس انفاس جديد

انطوى اسبوع ولادة " التسوية الكيميائية " التي اعلن الجانبان الاميركي والروسي بعد ظهر امس عناوينها العريضة بما يجعل المرحلة المقبلة محفوفة بانشداد جديد للانظار الى مدى الجدية في تنفيذ هذه التسوية في سوريا وما اذا كان الخيار العسكري قد وضع على الرف تماما ام ان تطورات طارئة ستعود الى الواجهة بما يعني ان سائر دول الجوار السوري وفي مقدمها لبنان ستبقى عينا على المسرح السوري وعينا على تداعيات المرحلة الطالعة عليها.

وسط هذا التطور المحفوف بكل الغموض يطل المشهد اللبناني على غموض لا يقل تعقيدا عن مرحلة حبس الانفاس السابقة التي رشحت ساحته لانعكاسات حتمية لو قيض للضربة الاميركية للنظام السوري ان تحصل . وتقول اوساط واسعة الاطلاع لـ" النهار" في هذا السياق ان المفارقة التي يتوقع ان تتظهر في الايام القليلة المقبلة تتمثل في ان لبنان قد يكون مقبلا من جديد على تمديد مرحلة ازماته المفتوحة دون اي افق وشيك لفتح اي ثغرة في جدار اي منها ولا سيما الازمة الحكومية . ذلك ان تطورين سجلا في الايام الاخيرة كان من المفترض ان يحركا قنوات المساعي لاعادة تعويم البحث في تشكيل الحكومة وهما البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية في شأن تثبيت "اعلان بعبدا" وجولة وفد كتلة الرئيس نبيه بري لشرح مضامين مبادرته الحوارية . وفي كلا التطورين لم تصدر اصداء سلبية حيال اي منهما لكن لم تصدر ايضا اي ملامح ايجابية بالمقدار الكافي الذي يؤشر الى ان المشهد الداخلي قد يكون مقبلا على تحريك جدي فعال للملف الحكومي . وتضيف الاوساط نفسها ان ما لا يعلنه اي فريق هو ان التسوية الاميركية - الروسية حيال السلاح الكيميائي في سوريا اعادت وضع سائر الافرقاء اللبنانيين على نقطة الانتظار نظرا الى مخاوف غير معلنة من ان يكون الفريق الموالي للنظام السوري قد شعر بلحظة استقواء بعد صرف النظر عن الضربة الغربية للنظام وهو الامر الذي يقابله بطبيعة الحال الفريق المناهض بمزيد من التوجس من عراقيل اضافية تحول دون حلحلة عملية تشكيل الحكومة او القبول بتسوية وسطية . يدلل على ذلك في رأي هذه الاوساط عودة مشهد تشييع مقاتلين من " حزب الله " سقطوا في سوريا مما يعني ان الحزب يضرب عرض الحائط بكل المواقف التي ترهن التسوية الحكومية بخروجه من معترك التورط في الصراع السوري كما بتجاهله تماما كل المواقف الرئاسية والرسمية والسياسية المتمسكة بـ"اعلان بعبدا" .

على ان البارز في هذا السياق هو ما تلفت اليه الاوساط من مخاوف جديدة وقديمة على الوضع الامني اذ انها لا تخفي ان المرحلة المقبلة قد تحمل تجدد الهواجس من استهدافات للاستقرار الامني النسبي الذي استعاده لبنان في ظل عاملين: الاول اثارة جهات عدة خارجية اتهامات بنقل بعض الاسلحة الكيميائية من سوريا الى لبنان عبر " حزب الله " الذي التزم حتى الان جانب الصمت ولم يعلق لا سلبا ولا ايجابا على هذه المزاعم كما لم تصدر اي تعليقات من الاجهزة الامنية المعنية بطمأنة الرأي العام الى انتفاء هذا الاحتمال ومنعه في حال وروده. فعلى رغم رجحان كفة استبعاد هذا الاحتمال لعوامل كثيرة تشكل اثارة هذا الموضوع خطرا كبيرا اضافيا من شأنه وضع لبنان في عين الاستهداف والشبهة مما يستدعي تحركاً عاجلاً لوضع حد حاسم لتداعياتها. اما العامل الاخر فهو الخشية من انعكاسات الحرب الباردة الاقليمية التي ستزداد حدة في ظل التسوية الكيميائية ما دامت ادت الى مزيد من الفرز والاحتدام الاقليمي من جهة وترك الوضع الميداني في سوريا عرضة لمزيد من الاحتدام وعودة انعكاساته على لبنان من جهة اخرى . لذا تقول الاوساط ان لبنان سيقبل على مرحلة اختبارية جديدة يصعب كثيرا ان تحمل ملامح واضحة او مطمئنة وهو الامر الذي سيوجه الانظار الى الاستعدادات الجارية لاجتماع الدول الداعمة للبنان في نيويورك في ٢٥ ايلول الحالي على هامش مشاركة رئيس الجمهورية ميشال سليمان في اعمال افتتاح الدورة العادية للامم المتحدة. ذلك ان هذا الاجتماع يكتسب اهمية مزدوجة كما تقول الاوساط اذ انه في جانب منه يهدف الى مد يد المساعدة للبنان في تحمل الاعباء الضخمة التي ترتبها عليه الازمة السورية سواء في مسالة اللاجئين السوريين او الاكلاف الاقتصادية والاجتماعية التي تركتها انعكاسات الازمة السورية . وفي الجانب الاخر السياسي والديبلوماسي وهو الاهم فان الاجتماع يبدو بمثابة اعادة بسط حزام امان دولي على الاستقرار اللبناني انطلاقا من التبني الاممي ل" اعلان بعبدا " الذي تكرر في مناسبات عدة وارسال رسالة استثنائية الى سائر الافرقاء والدول بان هذا الاستقرار هو بمثابة خط احمر دولي .

تعليقات: