حلم رجلٌ يوماً بحلمٍ غريب... "كان في مملكةٍ تحكمها النّساء، وجيشها من نساء، والرّجال فيها ما بين كنسٍ ومسحٍ وغسل أطباق".
ذُعرَ لما رأى! وفجأةً، شدّه أبوه من يده وأخذه إلى غرفة النّوم ثمّ أغلق الباب.
وهنالك بدأت محاضرة الوجود: "يا بنيّ، لقد اشتدّ عودك وبانت نضرة الشباب والجمال على وجهك وهيئتك، وقد اقترب موعد "القطاف"، لذا حان الوقت لكي تعِيَ الحقيقة، فمع أنّك تعيش معزّزاً مكرّماً في بيت أهلك لكن يجب ألّا تغفل عن الهدف الأساس، عليك أن تحصل على "أنثى" كزوجةٍ لك فتخدمها بإخلاص طوال حياتك."
ردّ الرّجل بعفويةٍ: "لكنّي أحبّ إكمال دراستي وعندي شغفٌ بالعلم!"، فأجابه الأب بإصرار: "بالطّبع، أنا أيضاً أشجّعك على هذا الأمر، فتحصيلك للشّهادات يزيد من رصيدك في منافسة الرّجال أمثالك للحصول على "الأنثى الأفضل"، فالأنثى في هذا الزّمن لا ترضى إلّا بأعلى مستويات العلم عند شريك الحياة حفاظاً على "البريستيج" الإجتماعي لها."
وانتهت المحاضرة، وبقي الرّجل جالساً وحيداً مع تلك الأفكار المسمومة. لقد رسموا له منذ ولادته طريقاً لم يُسأل عنه، ومع أنّه مجرّد متلقٍّ لعروض الزّواج لكنّه يُلامُ في حال بقائه أعزباً.
اشتدّ به الحزن، لأنّه ما من أحدٍ يهتمّ برجوليّته ولا بإنسانيّته، فطموحه يتعدّى الزّواج والأولاد وغرفتي النّوم والمطبخ... لكنّه أحسّ بأنّه لم يُخلَق إلّا للزّواج من "أنثى"، وفي حال لم تختره أنثى ما فهو لا شيء أبداً، مجرّد جسدٍ يبلى مع الأيّام وتنخفض أسهمه وتزداد نظرات الدونية والشفقة تجاهه.
هم يتوقون إلى رؤيته مرتدياً بدلة العرس لكي "يفرحوا به" ويتخلّصوا في نفس الوقت من ذلك العبء الّذي يكاد يبور في بيت الأهل ومن أن يُطلَقُ عليه لقب "عانس" اختصاراً لفشله في اقتناص "أنثى"... ومع كلّ هذا، لم يعلّمه أحدٌ شيئاً عن ذلك الزّواج ومسؤوليّاته وكأنّه لا يتعدّى البدلة والزّفّة وتلك اللّيلة المشتعلة.
وما كان يُضاعف حزنَه رؤيتُهُ للرّجال من بني جنسه يهيمون على وجوههم بحثاً عن تلك الأنثى، عن تلك "المخلّصة"! ولعلّهم محقّون في ذلك فربّما يخلّصهم الزّواج من صوت البومة الّذي يطالبهم دوماً بذلك. أغلبهم يسير على درب "أكون زوجاً أو لا أكون!"، فيحاولون بشتّى الطّرق لفت نظر "الأنثى"، فعمر الجمال قصير والورد إلى ذبول ولا مجال لتضييع الفرص أو الـتّلكّؤ عن "الجهاد المقدّس"، لقد تمّت برمجتهم على هذا الخطّ من قِبل أقرب النّاس إليهم وللأسف.
سأل نفسه متحيّراً: "من أنا؟ إلى أين المسير؟ كيف السّبيل إلى التّحرّر من الجاهليّة القابعة في النّفوس؟... لكنّه تعب من التّساؤل وغفا. وإذا به يستيقظ منقبض القلب كسير الجناح، فيتبيّن له بأنّه رجع مجدّداً إلى مملكة الواقع! مملكةٌ يحكمها الرّجال وجيشها من رجالٍ والنّساء فيها ما بين كنسٍ ومسحٍ وغسل أطباق... فعادت إليه البهجة لأنّه "رجلٌ" يعيش في مملكة الرّجال، ثمّ وأد حلمه المزعج كما يئد الكثيرون أحلام الإناث...
ويبقى السّؤال: "متى نصحو من هذا الواقع المرير إلى حلمٍ جميل لا مملكة فيه إلّا مملكة الإنسان؟!"
تنويه: "ليس بالضّرورة أن يكون المكتوب واقعاً مُعاشاً من قبل الكاتبة بالذّات، ولكنّه يبقى نظرةً إلى تجارب النّاس في المجتمع."
تعليقات: