نازحون جدد عبر جبل الشيخ باتجاه شبعا والعرقوب (طارق أبو حمدان)
ضاقت قرى حاصبيا والعرقوب بالنازحين السوريين، بعدما تجاوز عددهم مئة ألف، من نحو 25 بلدة سورية تقع معظمها عند المقلب الشرقي لمرتفعات جبل الشيخ، امتداداً حتى دمشق وضواحيها. ولم تعد في تلك القرى أماكن لاستقبال عائلات إضافية، في ظل تدفق شبه يومي لما بين ثلاث إلى خمس عائلات، يراوح عدد أفراد كل منها بين خمسة وتسعة.
عشرات العائلات النازحة التي وصلت حديثاً إلى قرى المنطقة حشرت في الملاجئ الأرضية، أو في مرائب السيارات، أو داخل غرف منفردة تفتقر إلى أدنى المواصفات الصحية والبيئية. ومنهم من قصد أقارب سبقوهم إلى النزوح. فالمكان «ليس مهماً، همّنا إيواء العائلة بين أربعة جدران فحسب»، يقول النازح من ريف دمشق فريد العابقي، الذي كان قد نزح منذ أسبوعين بعدما تسبّبت الاشتباكات في تدمير منزله ومحله التجاري.
لا يوجد وجه شبه بين بيته في ريف دمشق، والكاراج الذي استأجره بـ120دولاراً شهرياً في بلدة حاصبيا. هناك بيت شاسع مع حديقة وهنا كاراج لا يزال قيد الإنشاء يتسع لسيارة صغيرة فحسب، ومقفل ببابٍ نصفه من خشبي ونصفه الآخر كرتوني، ويوصد بمسمار متحرك.
وتتوزع داخل إحدى الغرف المعتمة في كفرشوبا، فرش عدة من الإسفنج وإلى جانبها بعض الأواني المعدنية والصحون الزجاجية، و«غاز» صغير للطهو، وعلى الطرف الآخر، حمام صغير مغطى مدخله بقطعة قماش.
ويقول النازح فادي الحواسبي من بيت جن: «نعيش هنا ثلاث عائلات، ونتقاسم بدل الإيجار ونجهد في تأمين قوتنا. وننعم بالتيار الكهربائي لفترة قصيرة من جارنا صاحب إحدى الورش الصناعية، وكذلك لا تصلنا المياه إلا نادراً. ويقلقنا مجيء الشتاء، ولكن ما العمل في ظل استمرار القتال. علينا التأقلم مع هذه الظروف السيئة التي ستتفاقم خلال أشهر الشتاء».
لم تتبدل ظروف السكن بين سوريا ولبنان بالنسبة إلى النازح عبد الله عباس فحسب، بل إنه خسر مهنته كموظف في مصلحة المحاسبة، وبات عامل نظافة في محل تجاري بأجر يومي يبلغ نحو 20 ألف ليرة، مقابل 12 ساعة عمل يومياً، وهو مبلغ يكاد لا يؤمن لقمة العيش لعائلة مؤلفة من 8 أشخاص.
مأساة النازيحن متشابهة أينما حلوا، لكن حال التوتر المتفاقمة بين العائلات السورية النازحة وسكان القرى يضاعفها، إذ أنّ المشاكل بين الأطفال النازحين واللبنانيين شبه يومية، وفي أكثر الحالات تتوسع لتشمل ذويهم، لتصل بعض المناكفات إلى استعمال العصي والسكاكين.
ويشير النازح سامر الطارقي إلى أنّ الحال المادية الصعبة هي التي دفعته إلى استئجار سطح أحد المنازل في إحدى قرى حاصبيا، وهو يدفع 100 ألف ليرة شهرياً، وقد استحدث خيمة من القماش مساحتها 10 أمتار مربعة، لتؤويه مع عائلته المؤلفة من خمسة أشخاص خلال الصيف. لكنّه يخشى أن تستمر المعارك في سوريا حتى الشتاء، فلا تعود المنازل المؤقتة تصلح لمواجهة الصقيع والمطر.
وقد بات ازدحام القرى بالنازحين يحتم إيجاد سبل جديدة لتحاشي المشاكل الاجتماعية والحياتية المرشحة للتفاقم. ويقول أحد مخاتير الجهات المانحة إنّ «على الجهات المانحة والجمعيات المدنية الناشطة في عملية الإغاثة التفكير جدياً بإيجاد حلول للحد من هذه المأساة. ويجب مراقبة تحركات الذين قد تسوّل لهم أنفسهم القيام بأعمال مخلّة بالأمن». ورأى مختار آخر أن «انعدام فرص العمل لمعظم هؤلاء، والعشوائية في تأجير المحلات من دون حسيب أو رقيب، قد يؤدي إلى جنوح البعض للقيام بأعمال غير مشروعة من أجل تأمين قوت أولادهم».
رؤساء بلديات العرقوب وحاصبيا يتخوفون من موجة نزوح جديدة، فلا البلديات قادرة على إيواء وتقديم المساعدات للنازحين، ولا الجهات المانحة الدولية أعدت خطة طوارئ لمواجهة موجة نزوح جديدة، وما يزيد الطين بلة الشتاء الذي بات على الأبواب في منطـــقة يراوح ارتفاعها بين 1000 و2000 متر.
تعليقات: