طرق الجامعة مسدودة امام شباب القرى الحدودية
سنوات طويلة من المثابرة والتفوّق عايشها الطالب محمد صولي، من بلدة كفركلا الحدودية، قبل أن يحصل على شهادة الثانوية العامة، فرع العلوم العامة، في العام 2008.
كل سنة من سنوات الدراسة كانت ترفع من معنويات محمد وتزيده طموحاً نحو المستقبل. لم يكن محمد حينها معنيا بأوضاع أسرته المادية، «فهي لم تكن عائقاً يوماً أمام نجاحي المتكرّر، بل على العكس زادتني ايماناً بأن علي المثابرة أكثر لتحسين أوضاعنا المعيشية، اضافة الى أن مدرستي الرسمية هي شبه مجانية، وقريبة من مسكن العائلة»، يقول.
بعد الحصول على الشهادة الثانوية أدرك محمد، مع العديد من زملائه، أن عليه الاقامة في بيروت ليكمل مشواره التعليمي، «كان طموحي أن أصبح مهندساً معمارياً، لكن الواقع والاقامة في الجنوب، قضيا على طموحي هذا، لأننا لا نملك منزلاً في المدينة، ولا يمكن لوالدي استئجار غرفة لي، أما التنقل يومياً من قريتي الى بيروت فهو مستحيل، نظراً لكلفة الانتقال وبعد المسافة».
تحطّم كبرياء محمد، كما يقول، «عدت الى نفسي، ولجأت مع عدد من زملائي، الذين تتشابه أوضاعهم المعيشية مع أوضاعي، الى التسجّل في فرع كلية الآداب في صيدا، اختصاص لم أرغب في دراسته يوماً، ولا يساعدني في المستقبل على تغيير واقعي المعيشي بسبب زيادة عدد المتخرجين من حملة هذه الشهادة، الأمر الذي جعلني أترك الجامعة نهائياً وأنصرف الى العمل الشاق في البناء لأحصل على مصروفي الخاص».
حالة محمد صولي تشبه عشرات الحالات الأخرى من أبناء تلك المنطقة الحدودية، التي لا يقيم فيها اليوم الا المزارعون أو بعض الموظفين من غير القادرين على الهجرة كغيرهم، أو غير القادرين على الاقامة في المدن، حيث تنتشر معظم الجامعات الرسمية والخاصة. حتى أن من قرّر منهم الدراسة في صيدا واجه مشكلة عدم توفر وسائل للنقل العام، وبالتالي «عدم الالتزام بحضور المحاضرات، لأن ذلك مرهق ومكلف، وبات علينا الاتكال على المثابرة المنزلية فقط لتحقيق النجاح»، تشير الطالبة فاطمة سويدان ( دير سريان).
في بلدة بنت جبيل اضطرّ الطالب ابراهيم دباجة ( 24 سنة) للعمل في البناء أيضاً، «فهو مجال العمل الوحيد المتوفر لي، بعد أن درست 11 عاماً في التعليم المهني في اختصاص المحاسبة والمعلوماتية وحصلت على شهادة الامتياز الفنّي»، كان ابراهيم يطمح لاكمال دراسته في أحد معاهد بيروت الفنية للحصول على الاجازة الفنية في المحاسبة «علّها تتيح لي العمل في المهنة التي أحببتها»، لكنّ ذلك لم يحصل بسبب «الأوضاع المعيشية السيئة»، وبالتالي أصبحت دراسة 11 سنة دون جدوى، «فالمنطقة لا توجد فيها فرص للعمل، أما أبواب الهجرة فهي مقفلة بالكامل، وبات عليّ العمل في البناء، أتقاضى 20 دولاراً يومياً، في حال توافرت أشغال البناء، فهي اليوم شبه
متوقفة».
أما سعيد ( 23 سنة)، ابن بلدة شقرا ( بنت جبيل)، فقد استطاع التخلّص من أحلامه باكراً، «أدركت وأنا في السنة الثالثة ثانوي من دراستي، أن أوضاع عائلتي المالية تتدهور شيئاً فشيئاً، فقرّرت المغامرة وترك الدراسة باكراً، وهو خيار كان صعباً جداً، كوني كنت مجتهداً في دراستي، لم أستمع الى نصائح أحد وهاجرت الى أفريقيا، وبدأت العمل باكراً، وأنا اليوم، بعد 5 سنوات من الهجرة بت قادراً على مساعدة أهلي والبدء ببناء منزل جديد
لي».
عندما زار رئيس الجامعة اللبنانية، قبل عامين، بنت جبيل، قال لـ«الأخبار» إنه «لا يشجّع افتتاح فروع للجامعة اللبنانية، في المناطق، كما حصل بالنسبة لفرع كلية العلوم في بنت جبيل»، معتبراً أن «ذلك قد يساهم في انحدار المستوى التعليمي للجامعة اللبنانية»، وهذا ما بات يثيره العديد من الخريجين، من الذين اعتبروا أن «المستوى التعليمي للجامعة اللبنانية يتراجع بسبب تفريعها». ولكن يبقى الحلّ الأمثل لمعالجة مشكلات طلاب القرى النائية، هو «تشجيع بناء المؤسسات والمصانع في الجنوب، لتوفير فرص العمل اضافة الى تأمين وسائل النقل العام للطلاب، وتأمين المساكن المجانية لهم في المدن، وهذا على الأقل يخفّف كثيراً من معاناتهم ويساعدهم على متابعة الدراسة الجامعية بحسب طموحاتهم وقدراتهم العلمية» كما يقول المهندس حسن بزي (بنت جبيل)، الذي بيّن أنه «رغم قيام بعض المجالس البلدية بمساعد الطلاب من خلال استئجار المساكن الجماعية لهم، الاّ أن ذلك لا يعتبر انجازاً لأن الدولة والبلديات والأحزاب السياسية لا تبدي اهتماماً بالتنمية البشرية وتحفيز الشباب على العمل والابداع، بل كل همها الحصول على المكتسبات الخاصة، دون رحمة أو اشفاق على أجيال بكاملها».
تعليقات: