السفير السعودي علي عواض عسيري: «المملكة ليست مع طرف ضد طرف في لبنان»
اغتاظ السعوديون من السيد حسن نصرالله، وثمة خلية شُكلت على عجل لقراءة وتحليل أبعاد هجومه الأخير على المملكة، يقول عارفون.
فريق المملكة في لبنان سارع الى طرق باب السفارة في بيروت متضامناً. وبعض هذا الفريق أسقط على نصرالله عبارات أقسى من الانتقاد.
«ما هكذا تُعامل المملكة»، يقول البعض، «فهي لم تكن يوما إلا مع لبنان»، ويتكئ هؤلاء على «لازمة» السفير السعودي علي عواض عسيري «المملكة ليست مع طرف ضد طرف في لبنان». وتبعا لذلك ثمة اقتراح يدرس في إحدى زوايا هذا الفريق لتنظيم حركة تضامنية مع المملكة تتّخذ أشكالاً مختلفة.
واللافت للانتباه أن هؤلاء المتضامنين مبرمجون على قناعة «انّ نصرالله هو الذي افترى على المملكة، ولطالما استفزها في الكثير من المحطات اللبنانية وغير اللبنانية دون أن تنساق الى رد فعل انفعالي». ولكن سرعان ما يقع هؤلاء بالتناقض، اذ تتملكهم قناعة بأن نصرالله بهجومه على المملكة كمن يحاول تعجيل إجراءات بحق «من هم معه من اللبنانيين وغير اللبنانيين في دول الخليج».
البعض يسأل «لماذا بلغت العلاقة بين الحزب والسعودية هذا المستوى غير المسبوق من التدهور والقطيعة والتوتر؟ لماذا تناول نصرالله المملكة بهذه القسوة؟ ولماذا اختار هذا المضمون؟ ولماذا اختار هذا التوقيت بالذات؟ وماذا بعد؟».
واذا كان فريق المملكة يلقي على «حزب الله» مسؤولية دحرجة كرة التوتير والاستفزاز، فإن الحزب يعتبر أن الكرة كانت دائما ولا تزال في الملعب السعودي، ولدى الحزب إجابات كثيرة حيال ما يطرح من تساؤلات تستند الى تاريخ العلاقة بين الطرفين، تتلخص بالآتي:
ـ لم يناصب «حزب الله» السعودية العداء يوما، بل لطالما أراد أن تقوم العلاقة معها على أساس الود والاحترام المتبادل، خاصة أن تاريخ الحزب يشهد على أنه كان حريصا دائما على العلاقة مع السعودية، سواء ببعدها العربي أو ببعدها الإسلامي، وضرورة التفاهم والتقارب السني ـ الشيعي.
ـ منذ نشوء «حزب الله» لم يبدر منه ما يستفز السعودية. بل العكس هو الصحيح، وثمة شواهد كثيرة، ولا ينسى تصريح المصدر السعودي المسؤول الذي غطى عدوان تموز 2006 حين اتهم المقاومين بالمغامرين، وأحدهم توعّد بمحاسبتهم.
ـ العلاقة مع المملكة كان فيها دائما ما يتفق عليه، وايضا ما يختلف عليه سياسيا، ولكن مع السعي الدائم من قبل الحزب لحصر هذا الخلاف في الرأي ضمن حدود ضيقة وترك القنوات مفتوحة.
وصلت العلاقة في بعض الفترات الى ما توصف بـ«المراحل الذهبية»، التي تخللتها زيارات لقيادات بارزة من «حزب الله» الى المملكة (اتفاق جدة، اتفاق الرياض، زيارة الشيخ نعيم قاسم)، وكذلك لقاءات في لبنان، كان أبرزها لقاء قبل سنوات بين الملك عبدالله بن عبد العزيز (كان وليا للعهد آنذاك) مع السيد ابراهيم أمين السيد ووفد رفيع من الحزب.
منذ سقوط حكومة سعد الحريري، بدأت السعودية بالتعاطي مع «حزب الله» من منطلق ثأري، أقرنه حلفاؤها في لبنان بحملة تحريض سياسي وتجييش مذهبي، توّجها السفير السعودي بهجوم على الحزب متهماً إياه بتعريض الطائفة الشيعية للأخطار ودعاه لمراجعة سياسته تجاه السنّة، والإعلان أن بلاده سترحّل كل من له علاقة بـ«حزب الله».
بلغ التوتر بين «حزب الله» والسعودية ذروته مع بدء الأزمة السورية، اذ منذ ذلك الحين وُضع الحزب على منصة التصويب السعودي اليومي، حتى وصل الأمر بعد معركة القصير الى محاولة المملكة إسقاط الحُرم على الحزب سعياً لعزله سياسياً وإقصائه عن الحكومة الجديدة المفترضة. وكذلك إرباكه أمنيا، وثمة إشارات اتهامية غير مباشرة أطلقها الحزب حول دور لـ«جهاز مخابراتي مقيت» في تفجير الرويس وصواريخ «الكاتيوشا» على الضاحية الجنوبية.
كانت السعودية السباقة، ومعها دول مجلس التعاون الخليجي، في نزع صفة المقاومة عن «حزب الله» وتصنيفه بـ«المنظمة الإرهابية». سابقة بذلك الغرب الأوروبي الذي يتملكه التردد حتى الآن.
كل هذا السياق الهجومي السعودي على «حزب الله»، كما يقول حزبيون، قاربه الحزب بما يسمى سياسة «النفس الطويل وكظم الغيظ والعض على الجرح وامتصاص الصدمات. لكن بعدما تخطت الأمور الخط الأحمر، قرر السيد نصرالله أن يبقّ البحصة ويسمي الأشياء بأسمائها ويطلب من السعوديين أن يعودوا عن غيّهم، فهو أعطى فرصة لذلك، مع العلم أنه يعرف تمام المعرفة أنهم لن يعودوا».
يضيف هؤلاء، «لقد سبق للسيد نصرالله أن أعلن قبل فترة التوصل الى معرفة هوية من يقف خلف متفجرة بئر العبد وواضعي العبوات على طريق المصنع، وفي إطلالته الاخيرة أعلن التوصل الى معرفة من يقف خلف تفجير الرويس، فهل يعني ذلك أنه على وشك مغادرة سياسة الصمت والانتقال الى تسمية المتهمين بأسمائهم، أكانوا من السعودية أم من غيرها؟».
ولكن ماذا بعد؟
تقول شخصية وسطية تربطها علاقة وثيقة بالمملكة، «ان استمرار توتر العلاقة بين السعودية وحزب الله معناه استمرار التأزم السياسي في لبنان، علما ان وضع المنطقة ربطا بالأزمة السورية، بدأ يأخذ شكلا جديدا من المقاربات الدولية. طبعا قد لا يستطيع البعض أن يستوعب صدمة أية تسوية محتملة، ولكن لا بد من حوار، مباشر أو غير مباشر، بين الطرفين يعيد تصويب الامور ويراعي مصالح الجميع، وأراهن في هذا السياق على الحوار الايراني ـ السعودي ونتائجه الأكيدة لبنانياً وسورياً».
تعليقات: