أوساط قيادية وسياسية شيعية تراقب محاولات «تظهير» بعض الاسماء لمصلحة قوى 14 شباط .
دأبت قوى 14 آذار وتحديدا رموزها وفي طليعتهم النائب وليد جنبلاط بالتعرض الشخصي للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كما توالى سواه من نواب السلطة ورموزه على التعدي الشخصي وليس السياسي فقط على «السيد» خلال تناولهم مواقفه السياسية منذ قرابة سنتين والى اليوم.
الجديد الذي بدأ يظهر في الساحة بعد حرب تموز هو استخدام بعض رجال الدين - اي المعممين- المنتسبين للطائفة الاسلامية الشيعية ليهاجموا حزب الله وحركة امل عبر تناولهم السيد نصرالله والرئيس نبيه بري، لكن ما جرت ملاحظته في الاونة الاخيرة هو الاستهداف المتواصل من قبل هؤلاء المعممين سوادا او بياضا للمقاومة ولقائدها، لا سيما بعد الوهج الشعبي والتأييد الكبير الذي حظي به السيد حسن بعد «الانتصار الالهي» الذي سجله على العدو الاسرائيلي في تموز. ثم تكرار محاولات التهشيم بهذا الانتصار وتحطيمه رغم سقوط اكثر من الف شهيد والاف الجرحى وعشرات الاف المباني والمنازل المهدمة التي اصابت المناطق الشيعية المعروفة بولائها للمقاومة فيما اعترف العدو الاسرائيلي بالهزيمة واصابته تداعيات سياسية وامنية وسياسية في قيادته وصولا الى جيشه.
الاسئلة الشيعية السياسية والعلمائية تواترت حول هذا التهجم الذي يشنه «المعممون» ضد السيد حسن نصرالله في هذا الظرف السياسي الحساس الذي تتعرض فيه الطائفة الاسلامية الشيعية في لبنان لاخطر عملية حصار سياسي واقتصادي بقيادة السنيورة، جنبلاط وجعجع والحريري في الوقت الذي تجلت فيه الوحدة الميدانية والسياسية بين قطبي الطائفة (حزب الله - حركة امل).
المعلومات المتداولة في الوسط القيادي والسياسي والاعلامي الشيعي الخاص تشير الى ان محاولات خرق «الجبل الشيعي» انطلقت منذ سنتين، واذ طالما حاول كل من سعد وجنبلاط وجعجع وقوى 14 آذار تحييد الرئيس نبيه بري عن السيد حسن واباءت كل المحاولات بالفشل، حتى بدأ فتح النار على بري والتهجم عليه والتعرض له واعتباره في الخط السوري - الايراني المعطل لعمل المجلس النيابي والحكومة.
كما ان المعلومات في الوسط الشيعي شبه مؤكدة عن ان هناك محاولات حثيثة منذ سنتين لخلق تيارات داخل الطائفة الشيعية مؤيدة وحليفة لقوى 14 آذار جرى دعمها ماليا وسياسيا واعلاميا، اذ فيما يختص الدعم المالي لم يأتِ مباشرة من جهات سياسية او دولية. بل جاء عبر اشخاص حضروا الى بعض الشخصيات الدينية ليؤدوا «فريضة الخمس» عندها وبهذه الطريقة جرى تمويل البعض، فيما جرى العمل على بعض الاسماء الاكاديمية والثقافية والدينية الشيعية عبر اصدقاء و«علاقات عامة» قدمت لهؤلاء مساعدات مالية بهدف تحسين اوضاعها وظروفها شرط ان تعلن مواقف سياسية مناهضة لمواقف قطبي الطائفة امل وحزب الله. وهناك بعض الوسائل الاعلامية تنسق مع هذه الجهات وهي التي تعمل على تظهيرهم وابرازهم، خصوصا في الموضوعات التي تتعلق بحركة امل وحزب الله على اعتبار انهما يصادران رأي الطائفة والحقيقة في رأي هذه القيادات والاوساط الشيعية المعنية والمتابعة والمراقبة لهذا الملف ان كل هذه المحاولات هدفها ضرب وحدة القرار السياسي في الطائفة الذي ينظر الى لبنان كوطن نهائي لجميع بنيه كما قال السيد موسى الصدر، لكنه في الوقت ذاته يرفض جعل لبنان محمية اميركية لمصالح الامن الاسرائيلي ذاك المشروع الفيدرالي والتقسيمي للمنطقة العربية.
في الحقيقة الثانية وهي بما يتعلق بالامين العام للسيد حسن نصرالله وتناوله بشكل مستمر من قبل بعض رجال الدين والمعممين الشيعة، فالاوساط نفسها تستذكر الامام السيد موسى الصدر، عندما بدأ يبرز نجمه في قيادة الاكثرية الساحقة في الطائفة الشيعية، حيث تعرض الامام الصدر لهجوم شنيع من قبل بعض رجال الدين الشيعة كبارا منهم وصغارا ووصفوه بأوصاف مشينة، واتهموه بأفضع واقذع انواع التهم، وتعرضوا له تماما كما يتعرضون للسيد حسن نصرالله اليوم. الذي في رأي القيادات والاوساط يحمل الفكر السياسي ذاته عدا عن انهما من مدرسة عقائدية واحدة لا سيما ان السيد نصرالله يعتبر نفسه وهو كذلك من مدرسة السيد موسى الصدر التي تؤمن بالعيش المشترك الاسلامي ــ المسيحي في لبنان، لكنها ترفض حياد لبنان وضعفه، بل تؤمن بانه قوة مقاومة بوجه العدو الاسرائيلي والمشاريع الاميركية الرامية لضرب العيش المشترك اللبناني، تماما كما تفعل في العراق، حيث تعمد اليوم الى انشاء جدرانٍ بين المسلمين هناك، واذا نجحت في لبنان سوف تركب مخيمات عسكرية بين الطوائف والمناطق.
اما على المستوى المعنوي، فالاوساط نفسها تشير الى نقطة مهمة، هي العائلات الاقطاعية الدينية التي طالما ارتبطت بما سمي بالاقطاع السياسي اذ ان بعض رجال العائلات الدينية، طالما فتشوا على مناصب ومراكز داخل الطائفة وتقلبوا بين المجلس الشيعي تارة ثم انتقلوا الى حركة امل، ولما لم ينالوا مناصبهم انتقلوا الى حزب الله، وكذلك لم ينالوا المناصب خرجوا على الاجماع الشيعي السياسي، والديني والتحقوا بقوى 14 آذار علّ وعسى تؤمن لهم المكاسب والمناصب مع الرياح الجديدة، التي لم يستطيعوا نيلها في المراحل السابقة.
والحقيقة المعنوية الثالثة التي يؤكد عليها مرجع شيعي ديني وسياسي ان البعض تصيبه عدوى الغرور والحسد وهو امر مشهور بين البعض، اذ يرفض هذا البعض ان يرى السيد حسن نصر الله الشاب الذي تولى الامانة العامة لحزب اله والمقاومة وهو في الثلاثينات من عمره واخذ ما اخذ من حسن القيادة والتدبير حتى ذاع صيته عربيا واسلاميا وعالميا، يرفض ان يراه في سدة القيادة، وهم ظلوا على ما هو عليه، وقد تناسوا ان النبي محمد كلف بالنبوة لمواصفاته وصفاته فيما كان وجهاء قريش في المقلب الآخر.
في هذا المعنى لا ترى الاوساط القيادية والسياسية الشيعية المتابعة لهذا الملف داخل الطائفة جديداً في التعرض للسيد نصر الله ومحاولة النيل من رجال دين داخل الطائفة الشيعية، فالمسألة حصلت مع الامام الخميني ومع السيد الخوئي والسيد محسن الحكيم والسيد محسن الامين وحصلت مع الامام الخامنئي وحصلت مع السيد عبد الحسين شرف الدين ثم مع السيد موسى الصدر واليوم تتكرر مع احد تلاميذ هذه المدرسة العقائدية والسياسية السيد حسن نصر الله، مع العلم ان هؤلاء رجال دين داخل الطائفة وبعض الذي جرى تعميمهم» مؤخرا، يقرأون ويسمعون العدو الاسرائيلي ان ما حصل في تموز لم يكن محاولة اسرائيلية، لاستعادة الجنديين الاسرائيليين، بل بكلام اولمرت وبيرس وليفني ورايس وبولتون (بطل ثورة الارز) لتطبيق القرار 1559 لجهة نزع سلاح حزب الله والمقاومة تحديدا، ومع ذلك فان هؤلاء لا يريدون ان يستعموا الا الى اصوات حلفاء الولايات المتحدة الاميركية وشيراك وينحازوا الى سياستهم مع العلم ان القرآن ينهى عن اتخاذ هؤلاء اولياء من دون المؤمنين.
وفي رأي الاوساط الشيعية المشار اليها، وبدل ان يتقوا الله في كلامهم ومواقفهم يصرون على ان يكونوا ممن اصابهم حديث الامام المعصوم، الذي وصف بعضهم «بشر العلماء تحت ظل السماء في ذلك الزمان» وفي هذا المنطق يعرضون انفسهم لحسابات دنيوية واخروية صعبة على المستوى العقائدي، خصوص عندما يتناولون السياسة في مسار ولاية الفقيه والجمهورية الاسلامية الايرانية والتسويات والبيع والشراء، فيما هم يعلمون ان مسألة ولاية الفقيه هي بحث عقائدي وفقهي لم تكن ايران صاحبة هذا النهج بل حصلت امثولات عديدة قبلها، وهناك علماء كبار قالوا فيها قبل الامام الخميني.
بناء على ما تقدم ان محاولات رسم خط سياسي مغاير للاجماع الشيعي داخل الطائفة الشيعية في الحقيقة يريح امل وحزب الله ولا يضيرهما، ذلك انه يؤكد مرة اخرى ان الخلاف في لبنان سياسي وليس طائفيا، وينقسم فيه المجتمع اللبناني سياسيا وتنخرط في هذه الانقسامات كل الطوائف، لكن محاولات النيل السياسي والشخصي من السيد نصر الله والمقاومة ستزيدهما قوة من اي جهة اتت وهذا ما تظهره الوقائع السياسية والشعبية.
في الحلقة الآتية: الشيعة.. وايران وولاية الفقيه
...يتبع
تعليقات: