لم يجد العكاريون هذا العام صعوبة في تأمين مؤونة الحطب استعداداً للشتاء، إذ ان الحرائق التي اندلعت في قرى وبلدات عكارية، وفرت مخزوناً جيداً من الحطب، وأعطت غطاء للمواطنين للتزود بالحطب من دون الحاجة إلى التخفي أو نقله سراً تحت جناح الظلام.
وقد بات مشهد الشاحنات التي تنقل الحطب، من أجود أنواع الأشجار المعمرة، مألوفاً في عكار، ويعلن بداية موسم الحطب، في ظل غياب أي دور رسمي للأجهزة المعنية ولنواطير الأحراج.
ويمكن القول إن لكل فئة من العكاريين حطبها الخاص، إذ ان العديد من العكاريين من أصحاب الدخل المحدود يعمدون إلى التزود بما تيسر من الحطب الذي يجمعونه من بساتينهم، أو شراء بعض بساتين التفاح واللوز التي يريد أصحابها التخلص منها.
بينما الفئة الأكبر هي تلك التي حولت تجارة الحطب إلى تجارة نشطة مع ازدهار بيع أشجار الشوح واللزاب والعرعر والأرز.
ولعلّ الحرائق التي اندلعت هذا الصيف دفعة واحدة في البلدات العكارية والتي طاولت غابة القلة الواقعة على الحدود الفاصلة بين محافظة عكار والضنية والهرمل، وأطاحت ما يزيد عن ألف شجرة من أشجار الشوح والأرز واللزاب المعمرة، خير دليل على مدى الانتهاكات التي تحصل باستمرار بحق غابات عكار.
وإذا كان بيع وتخزين أطنان من حطب المشمش والكرز واللوز والتفاح والعنب في عكار ساحلاً وجرداً، حاجة استهلاكية لذوي الدخل المحدود الذين يستبدلون مدافئ المازوت بأخرى على الحطب، نتيجة تردي الأوضاع المعيشية وتراجع قدرتهم الشرائية، إلا أن اتساع رقعة التعديات بات يقلق البيئيين ويستدعي التحرك لإنقاذ ما بقي من أرز عكار وشوحه.
ويؤكد البيئيون أن «هناك خطة ممنهجة لاستنزاف غابات عكار وهي تعد أحد أبرز مقومات المنطقة»، ويشيرون إلى «وجود تواطؤ ضمني مع بعض الأجهزة الأمنية ونواطير الأحراج الذين لا يقومون بمحاضر الضبط ولا يقومون بإحالتها الى الجهات المختصة بل يستعملونها كورقة ضغط بهدف الحصول على الأموال من المعتدين».
ويلفت رئيس بلدية فنيدق خلدون طالب إلى أن «هناك حاجة كبيرة للتزود بالحطب بسبب الضائقة المادية التي يعاني منها العكاريون، وعدم تمكن السواد الأعظم منهم، وتحديدا أهالي جرد القيطع، من دفع ما يقارب الـ4 ملايين ليرة لتأمين مازوت للتدفئة».
ويصف طالب ما يجري بـ«الهجمة غير المسبوقة على غابات المنطقة، ما دفع البلدية إلى زيارة قائد الجيش للمطالبة بتشديد الرقابة على الغابات وتحديدا غابة القموعة، إضافة إلى المطالبة باستحداث مركز ثابت للجيش في المنطقة».
يضيف: «إن البلديات تحاول جهدها لجهة مراقبة الغابات ومنع التعديات وتسيير دوريات للشرطة ليلا في غابة القموعة، ولكن هذه الجهود تبقى دون المستوى المطلوب، خصوصا في ظل غياب موظفي وزارة الزراعة وإحالة عدد من النواطير إلى التقاعد، وضعف إمكانات البلديات على تعيين المزيد من النواطير».
يتابع: «لقد اضطررنا منذ يومين إلى تنظيم محضر ضبط بقيمة 30 مليون ليرة بأحد الأشخاص الذي لم يرتدع عن أعمال القطع المنظم، وقطع خمسة أطنان حطب من أشجار الشوح المعمرة. ونظّمنا محضراً عدلياً بحقه بهدف تحويله إلى قاضي التحقيق».
ويقول أحد تجار الحطب في عكار إن «الأسعار تشهد ارتفاعا ملحوظا هذا العام بسبب زيادة الطلب، إذ يبلغ سعر نقلة حطب الشوح واللزاب (تتراوح بين ثلاثة وأربعة أطنان) 700 ألف ليرة، أما نقلة الأرز فتباع بمليون ليرة، وهذه الأصناف تعد حكراً على الطبقة المتوسطة والميسورة، أمّا الطبقة الفقيرة فتلجأ إلى شراء أشجار التفاح والمشمش والكرز وغيرها التي لا يتجاوز سعرها الـ500 ألف ليرة للنقلة الواحدة».
ويقول رئيس «مجلس البيئة في عكار» د. أنطوان ضاهر إن «التعدي على غابات عكار، يتم في وضح النهار، إذ تسمع مناشير الحطب وهي تقطع أشجار الأرز التي يفوق عمر بعضها 400 سنة، على بعد مئات الأمتار من مراكز القوى الأمنية، ولكن من دون أن يتحرك أي من المعنيين».
تعليقات: