الطفلة إيفا غزال.. تزوجها الخاطف لاستيفاء دين على والدها
إيفا غزال الطفلة ابنة الثلاثة عشر ربيعا، هي ضحية اخرى لـ «جريمة موصوفة» بكل ما تعنيه الكلمة انسانيا وحقوقيا وقانونيا. «خُطفت» لاسترداد دين مالي على والدها. وامعانا في الاجرام، أُكرهت على الزواج بابن الخاطف، وبالتالي اغتُصبت. المشتركون في الجريمة: الخاطف وابنه والشيخ الذي اضفى على هذا «الاغتصاب» صفة «الزواج الشرعي» خلافا لما تنص عليه شرعة حقوق الانسان والطفل والقوانين المدنية وقوانين الاحوال الشخصية والاحكام الشرعية التي تحكم عقد الزواج على قاصرات
على باب غرفة نومها في منزلها في المعمورة (الضاحية الجنوبية)، علقت إيفا غزال صورة عملاقة لـ «دورا» (شخصية رسوم متحركة محببة لدى الاطفال). وإلى جانبها رسمت وروداً وجعلتها حروفاً لاسمها باللاتينية. من يرَ تلك الرسوم، فلن يجد صعوبة في معرفة عمر صاحبتها. ستخبره «دورا» أنها طفلة. إيفا لم تكمل عامها الثالث عشر بعد. كانت قبل الآن تلميذة مجتهدة «ووحيدة في اسرتها على أربعة صبيان وصغيرة البيت أيضاً»، بحسب ما قال والدها حسين غزال لـ«الأخبار».
هي «دورا». هكذا، يصفها الأهل، لكن، منذ ثمانية أيام، ثمة ما طرأ على حياة ايفا. غيّرها بالكامل، انتهك طفولتها وقهرها. لم تعد التلميذة ولا الصغيرة ولا المدللة. صارت «طفلة مخطوفة ومغتصبة وزوجة لخاطفها». صارت سلعة للمقايضة على دين يترتب على والدها للخاطف/المجرم.
الطفلة، صارت «متزوجة على سنّة الله ورسوله». هذا ما نقله «الوسطاء» لعائلة الفتاة، قالوا إن الخاطف/صاحب الدين زوّجها لابنه الشاب. قد تكون مرت زيجات كثيرة، بطريقة «الخطيفة» وطويت، وخصوصاً في المجتمعات العشائرية، لكن حتى «الخطيفة» المعتادة لا تنطبق في حالة إيفا، وبالتالي لا يمكن قبول سلوك نهج «المصالحة»، ولا بد ان يتحرّك القضاء المدني في هذه القضية، ويلاحق المتورطين في الجريمة. فثمة تفصيل أساسي لا يجوز تجاوزه، وهو أنها طفلة. وهذا كافٍ لنفي صيغة «الزواج» وحصرها في ملاحقة المتورطين بجريمة «الخطف» و«الاكراه» و«الاغتصاب» و«الاتجار بالبشر» واستعباد طفلة مقابل دين مالي. فلنعرض القصة من بدايتها. قبل ثمانية أيام، خطفت إيفا من «تحت المنزل»، وهي في طريقها لشراء «ربطة خبز»، يقول والدها. لم تعرف العائلة باختطافها إلا بعد مضي فترة «لا بأس بها على غيابها». وعندما تأكدت العائلة من حادثة الخطف، عرفت «تلقائياً» هوية الخاطفين «نظراً إلى وجود خلافات مادية بيني وبين الخاطف حسن م»، يقول والد إيفا لـ«الأخبار». ومع أن العائلة عرفت مبكراً هوية الخاطف، إلا أنها لم تكن تتوقع أن يقوم بما قام به، يقول والدها، «لأنني قبل عشرين يوماً من الخطف، كنت قد رهنت سيارتي لدى الخاطف، وأعطيته قطعة الأرض التي أملكها ضمانة له، ووقعت سنداً بقيمة ما بقي من الديون البالغة 38 ألف دولار». وما يزيد من استغراب الوالد أن الخاطف حسن مشيك «عاد واشتغل معي في تجارة السيارات نتيجة هذا التعهد إلا أنه عاد وخطف ابنتي فجأة».
هنا، تبدأ الخيوط الأولى للجريمة والأفظع. بحسب إحدى المحاميات الناشطات في مجال الحقوق المدنية، فقد جرى استغلال الطفلة كأداة لاسترجاع «دين» مستحق، وهو ما ينطبق عليه فعل الإتجار بالبشر. وإن كان لا بد من توصيف هذا الفعل، فهو «جريمة»، ونقطة على السطر. اللافت ان هذه المحامية رفضت ذكر اسمها بسبب «شكها في نيات الوالد»، اذ تستغرب «انتظاره 6 أيام قبل التحدث عن قصة خطف طفلته».
لكن، جريمة الخطف وحجز حرية طفلة لاستيفاء دين تمادت كثيرا لتضاف اليها جريمة الاغتصاب والاكراه على الزواج. فبعد يومين من حادثة الخطف، وتعهّد الخاطف ردّ الفتاة إلى عائلتها «بعدما وقعنا ورقة ثانية بقيمة الديون»، يقول والدها، قرر الخاطف تزويج إيفا القاصر لابنه حسين، الذي يبلغ من العمر 27 عاماً. ويقول الخاطف متباهياً بفعلته «شو فيها إذا ابني حب بنتو وتزوجها على سنة الله ورسوله؟»، (بحسب ما ادلى به للمؤسسة اللبنانية للارسال)، لكن هل «سنة الله ورسوله» تبيح «خطف طفلة واغتصابها بالزواج». كيف يمكن لهذا الزواج أن يكون وفقاً للسنّة إن كانت الفتاة قاصراً؟ ألا يشترط الشرع موافقة ولي أمرها أو كفيلها الشرعي؟ وكيف يمكن لرجل دين أن يعقد القران بنقصان الشروط التي يفرضها الشرع؟ وهل يعدّ عقد الزواج قانونياً؟ وهل يسجّل في المحكمة الشرعية؟ وماذا عن القانون المدني في هذه القضية؟ بعض هذه الاسئلة سيجيب عنها القضاء، بعدما تقدّم والد الفتاة بشكوى امام مخفر الرويس يتهم فيها حسين مشيك بخطف ايفا.
في المنطق العشائري، لا وجود لهذا التبرير. هم يعتقدون أن «الواقعة وقعت والجرة انكسرت ولا يمكن لملمة المياه، والفتاة باتت في عهدة عشيرة وعار علينا أن نرجعها»، هذا ما نقله الوسطاء إلى والد الفتاة. لكن، أن يصبح رأي بعض «المشايخ» مطابقاً لرأي العشيرة فهذا ما لا يمكن فهمه. فمثلاً الشيخ حسن المولى، الذي عقد قران القاصر، لا يرى في الأمر قضية. كل ما في الأمر أنها «تزوجت على سنة الله ورسوله وكان زواجاً طبيعياً لكونها كانت موافقة على الشاب وتعرفه منذ عام ولا مانع لديها». ويشير الشيخ في حديثه إلى «الأخبار»، الى انه «أخذ الفتاة على جنب وقلت لها إذا مش موافقة باخدك معي والقبضاي يجي ياخدك من عندي وبردّك لعند أهلك»، لكن كيف اجاز هذا الزواج، يجيب انه استند إلى الرأي الفقهي «الذي يجيز عقد القران على البكر من دون موافقة ولي أمرها». وعندما نبادر بالسؤال عن المرجع الذي يجيز زواج قاصر بلا موافقة ولي الأمر، لا يتردد الشيخ المولى في نسبه إلى المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله. ويضيف «إن الفتيات الآن في زمن التكنولوجيا والواتس آب، وإن كن في أعمار صغيرة إلا أنهن يفهمن أكثر من امرأة تبلغ من العمر 50 عاماً، وإيفا بنت بتفهم وجرى الزواج بموافقتها، ولم يكن بالإكراه، وإلا لما عقدت قرانها»، ولكن، ماذا لو لم يبارك الوالد هذا الزواج؟ وماذا لو أراد «استرداد» طفلته؟ يقول المولى «في رأيي خلي هالزواج يتم ويعترف به، هناك مثل يقول هم البنات للممات، فنعمة كريم إذا إجاها للبنت شاب آدمي». مهلاً، الطفلة اختطفت! ووالدها ينفي أن «يكون أحد منهم قد حضر إلى بيتي ليطلب ابنتي، فلو طلبوها ورفضت لكان من حقهم اختطافها»!
بعيداً عن رأي الشيخ المولى في «سترة» الفتاة، إلا أنه ربما لم يستوعب جيداً رأي المرجع الفقهي الذي استند إليه. فبحسب السيد جعفر فضل الله، نجل المرجع السيد محمد حسين فضل الله، ثمة فتوى تجيز زواج البكر من دون موافقة ولي أمرها «لكن في ظل توافر شرطين هما البلوغ والرشد، أي أن تكون بالغة رشيدة لكي تقوم بتزويج نفسها». وفي هذا الإطار، يقول لـ«الأخبار» «إن لم تكن البكر راشدة وبالغة فلا يمكن عقد القران، وإن عقد فهو غير صحيح»، لكن، ماذا عن زواج إيفا؟ يقول السيد فضل الله «من الصعوبة الحديث عن الرشد في حالة تلك الفتاة، وإن كانت بالغة، فالرشد يعني أنها قادرة على أن تميز ولا تخدع في أمرها، وهذه الفتاة قاصر، وفي كل الأحوال لا يجوز زواج القاصر من دون ولي أمرها حتى لو كانت بالغة». يختصر السيد فضل الله بالقول «المبدأ أنه في هذه السن صعب أن نتكلم عن الرشد، وإن عُقد القران فهو غير صحيح، وإن تزوجها قبل موافقة والدها فزواجه غير صحيح».
وللتشديد أكثر، لا يمكن لزواج بني على باطل أن يسجّل في المحكمة الشرعية. وبحسب الشيخ محمد كنعان، المستشار في المحكمة الجعفرية العليا في بيروت، فإن «المحكمة لا تسجل عقد الزواج على الفتاة البكر بدون إذن أبيها أو وليها الشرعي عملاً بفتوى الفقهاء المعتمدين، وعلى رأسهم سماحة المرجع السيد علي السيستاني، وقد أصدر رئيس المحكمة تعميماً على الجميع بخصوص هذا الموضوع». وأكثر من ذلك «يجوز للولي أن يطعن بصحة العقد أمام المحكمة المختصة، وهذا أساسي».
في حالة إيفا، لا يمكن حصر الموضوع في الزواج واحكامه، ففي قضيتها اغتصاب واعتداء وإتجار وزواج مبكر «كلها أشكال من العنف ضد الفتيات». تقول المحامية «لا يمكن أن يكون هناك علاقة زوجية سوية لكونها مبنية على العنف والإكراه». وهنا، يقال إكراه لأننا لم نعرف ما رأي الفتاة، وإن عقد القران، فلا أحد واجهها حتى الآن. وتعلق المحامية على الشكوى التي تقدم بها الأهل إلى مخفر الرويس بدعوى الخطف، مشيرة إلى أن «ما تعرضت له إيفا أكثر من خطف، فهنا يحق للوالد أن يضيف إلى الخطف شكوى اغتصاب، لأنه ليس هناك علاقة زوجية شرعية، ولأنها ليست كذلك فهنا يمكن الحديث عن اعتداء جنسي، حتى الشيخ الذي عقد القران قد يطاوَل بتهمة التزوير، فقد استغل صفته ليعقد قراناً ناقصاً بشروطه، وقانون العقوبات يجرمه هنا لأنه زوّج فتاة قاصرة من دون مراعاة أصول الزواج».
تحقيق الفيديو الذي عرضته المؤسسة اللبنانية للارسال LBCI:
والد الطفلة ايفا.. حسين غزال
والدة الطفلة إيفا غزال
تعليقات: