يبدو من واقع سجون النساء أنه تم الإبقاء على وظيفة واحدة للسجن وهي العقاب بأسوأ اشكاله (الأرشيف)
قانون الأربعينيات لا يتواءم مع المعايير الدولية
«ما بنسى كيف إجت الحارسة وشدت لي ابني الرضيع من إيدي. ما لحقت بوسه ولا شمّه، وما خلتني رضّعه، قال حتى ما اتعلق فيه وتتعب نفسيتي! أي عدالة هيدي؟ ما بنسى صوت ابني عم يبكي.. ليش ما بدي ضمّه، ليش ما بدي رضّعه ولا شمّه، حرام. بأي دين هيدا، وبأي عدالة؟ اكتر من هيك ما في ظلم، أم تنحرم من رضيعها؟». بهذه الفقرة اختصرت الدكتورة رانيا منصور معاناة فئة من السجينات في لبنان. أمهات يلدن خلف القضبان في ظل انعدام قانون لبناني يلحظ أوضاعهن وأوضاع أطفالهن. افتقار للقانون يترك التصرف معهن وفقاً لإرادة آمرة السجن أو ذاك ومزاجها، ووفقاً لإرادة المدعي العام. ما أغفله المرسوم اللبناني الذي ينظم السجون والصادر في العام 1949، لحظته المعايير والقواعد الدولية، وفق المحامية منار زعيتر. فرضت المعايير التي «لم تخرج بقانون أو اتفاقية أو إعلان حتى الآن»، تأمين «الغذاء، والملابس، والحاجات الطبية والصحية المرتبطة بمتابعة اختصاصيين المرأة الحامل، أو مواكبتها بالإرشاد النفسي، وتأمين غرفة خاصة لها في مرحلة ما قبل الولادة وبعدها». معايير سنجد مقابلها في الواقع أن السجينة الحامل أو المرضعة هي نزيلة من عشرين سجينة أخرى تقبعن في زنزانة لا تتجاوز الأربعة أمتار بأربعة أمتار، بينما حددت المعايير الدولية حق كل سجين وحده بأربعة أمتار.
وفيما يهمل القانون اللبناني طفل الأم السجينة، تفرض المعايير الدولية تأمين «الغذاء المناسب أو التغذية البديلة له كرضيع، والرعاية الصحية، والتوعية في شأن صحته، وتأمين حاجاته الخاصة من حفاضات وملابس وملاءات، وتجهيز دار حضانة بموظفين مؤهلين يوضع فيها».
أمام هذه الحقائق والمعطيات الميدانية والحقوقية التي طرحت في ورشة عمل «تعزيز دور الإعلام في الدفع والضغط لتعزيز سياسات وممارسات حقوق الإنسان في سجون النساء في لبنان»، اقترحت إعلامية من المشاركين تغيير العنوان من أساسه. واعتبرت أن توصيف التعزيز يوحي بوجود حقوق تحتاج إلى تعزيز، بينما الواقع يؤكد غير ذلك.
ومع عرضَي منصور عن «واقع سجون النساء في لبنان»، وزعيتر عن «الجانب القانوني في ضوء الإشكالية الجندرية» للسجون عينها، تبيّن أن وظيفة السجن المتمثلة في المعايير الدولية بالعقاب والتأهيل والحماية، لا تمت بصلة إلى ما يحدث في سجون لبنان، ومن بينها سجون النساء.
ويأتي المشروع الذي تنفذه منظمة «دياكونيا»، بالشراكة مع «دار الأمل» و«كاريتاس - لبنان» - مركز الأجانب، و«التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني»، وبتمويل من «الاتحاد الأوروبي» و«الوكالة الدولية السويدية للتعاون الانمائي». من خارج سياق المشاريع التي تنفذها المنظمات عادة لخدمة السجينات من خلال توفير الخدمات وتحسين الأوضاع في السجون، ودعم التأهيل تمهيداً لإعادة إدماجهن في المجتمع. ويهدف إلى تعزيز احترام حقوق الإنسان قبل كل شيء. وينتج عن احترام هذه الحقوق تأمين الحقوق الأخرى وفي مقدمها كرامة السجينات بما يتلاءم مع المعايير الدولية. ويرصد عرض منصور وجود حالات حمل وولادة وأمراض منقولة جنسياً، وأخرى مزمنة، وتفشي اوضاع صحية نفسية وعقلية، وحدوث وفيات. ويوثق لخصوصية السجينات الأجنبيات اللواتي يعانين من تهميش إضافي بين السجينات اللبنانيات أنفسهن، وكذلك عدم الفصل بين الموقوفات والمحكومات، وعدم الفرز بين التهم والجرائم المدنية والجزائية. وعليه نجد الصبية السجينة بتهمة تزوير شهادة البكالوريا إلى جانب محكومات في البغاء وأخريات ارتكبن جرائم قتل أو تاجرن بالمخدرات. ويبدو من واقع سجون النساء أنه تم الإبقاء على وظيفة واحدة للسجن وهي العقاب بأسوأ أشكاله. فلا تأهيل ولا حماية ولا حقوق أو مستلزمات. لا تحصل النزيلة على أي حق من حقوقها أو خدمة إلا ما تقدمه بعض الجمعيات.
هدفت قواعد «الامم المتحدة» إلى وضع معايير دولية تحفظ حقوق السجناء والسجينات بحدّها الأدنى، وطريقة إعادة إدماجهم في المجتمع، وفق زعيتر، إلا أنها «ليست ملزمة قانوناً، إنما أضحت قواعد معترفاً بها دولياً». واسقطت زعيتر المعايير عينها على القانون اللبناني لتوثق الثغرات التي تفتقر إليها تشريعاتنا.
فالقانون اللبناني، وفق زعيتر، ينصّ على «اهتمام السجناء بالنظافة الشخصية، لكنه لا يشير إلى الوسائل والتدابير التي تجعل ذلك أمراً متاحاً». وتشدد المعايير الدولية على توافر المياه بصورة منتظمة وبشكل يراعي حالة الطقس، إضافة إلى مستلزمات النظافة الشخصية ولاسيما للنساء اللواتي يشاركن في الطهي والحوامل منهن والمرضعات، أو اللواتي يمررن بفترة المحيض. ورصدت زعيتر عدم تأمين أي تدريبات للسجينات، ومواصلة تعليم القادرات منهن، وعدم تشغيلهن وتلقيهن أي أجر وغياب المكتبات، وعدم توافر المنشآت والمساحة لتلقي السجينات التدريب البدني والترفيهي. وشرحت زعيتر ماهية غياب النص القانوني الخاص بحقوق السجينات الأجنبيات، وتأثير ذلك في حصولهن على العدالة المرتجاة، لتفصّل في عدم فصل الموقوفات عن المحكومات، وأولئك المحكومات لأسباب مدنية عن الجزائية، وحـــــق الموقوفة بإبــــلاغ أسرتها فور احتجازها وتوثيق حالات العنف الجســــدي والجنسي، واحترام خصوصيتــــها وعــــدم التحدث بالعــلن عن وضعها. وطالبت زعيتر بوضع إطار داعم من التشريعات والممارسات وفقاً لمقاربة حقوق الإنسان، وإضافة اعتبارات المساواة بين الجنسين على أحكام التشريعات والممارسات، واستحداث تعديلات في السياسات والممارسات لجعل بيئة سجون النساء في لبنان أكثر مواءمة لمعايير حقوق الإنسان الدولية. وفصلت في التوصيات التي من شأنها تحقيق المرتجى.
يبدو من واقع سجون النساء أنه تم الإبقاء على وظيفة واحدة للسجن وهي العقاب بأسوأ اشكاله (الأرشيف)
تعليقات: