الحـرب الإسـرائيلية على لبـنان «تأكـل» أبطـال فشـلها.
∎ أولمرت خرج إليها من دون خطة ∎ بيرتس عديم المعرفة ∎ حلوتس خاضها بجيش غير جاهز
مرة أخرى كان لبنان، بمقاومته وصموده، عنواناً لأزمة إسرائيلية كبرى، تهز المؤسستين السياسية والعسكرية، وتؤكد للإسرائيليين أن مغامراتهم الدموية المتلاحقة منذ نحو اربعين عاماً لن تحقق لهم أياً من اهدافهم، بل ستنقلب عليهم وستعمق احساسهم بالخيبة والفشل الذي اظهرته، امس، «لجنة فينوغراد»، التي سبق ان حققت هي نفسها في إخفاقين إسرائيليين سابقين في لبنان في الثمانينيات، عدا لجان اخرى عديدة عملت من دون جدوى على علاج إسرائيل من ذلك العارض اللبناني المحرج.
قد يكون من المبكر التكهن في ما اذا كان تقرير «لجنة فينوغراد»، الذي صدر أمس، سيؤدي الى سقوط حكومة ايهود اولمرت التي اتهمها بالفشل الذريع او الى انتخابات عامة مبكرة بعدما تحركت المعارضة في هذا الاتجاه، لكن المؤكد ان الازمة لا تزال في بدايتها، برغم ان اولمرت تحدى الاسرائيليين بإعلانه انه لن يستقيل من منصبه، واعترف في الوقت نفسه باستخلاصات اللجنة التي شكلها بنفسه، متعهداً بتصحيح العيوب.
وتناول التقرير، التي جاءت نتائجه أشد قسوة من التسريبات الصحافية في الايام الاخيرة، السنوات الست التي أعقبت الانسحاب الاسرائيلي من لبنان في ايار ,2000 حتى اليوم الخامس من الحرب. ويقع التقرير في 230 صفحة سمحت الرقابة العسكرية فقط بنشر 171 صفحة منها، وهو تقرير مرحلي سيليه تقرير نهائي الصيف المقبل.
وقال رئيس اللجنة القاضي الياهو فينوغراد في مؤتمر صحافي لعرض نتائج التقرير، بعيد تسليمه إلى اولمرت ووزير دفاعه عمير بيرتس، إن «المسؤولية تقع على عاتق رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان» مشيراً الى «أخطاء فادحة». ورأى انه «لو ان اياً منهم تصرف بشكل أفضل... لكانت نتيجة الحملة مختلفة وأفضل».
وتابع إن رئيس الوزراء مسؤول عن «فشل ذريع في القيام بتقويم (الوضع) وتحمل المسؤولية وواجب الحذر». اضاف ان «رئيس الوزراء اتخذ قراره (بإعلان الحرب) بتسرع برغم عدم عرض اي خطة عسكرية مفصلة عليه، ومن دون ان يطلب ذلك»، موضحاً ان اولمرت «مسؤول عن واقع ان اهداف الحملة لم تحدد بوضوح وبدقة». وتابع ان أهداف أولمرت المعلنة للحرب كانت «مبالغة في الطموح ومستحيلة التحقيق».
وحول بيرتس، أشار التقرير الى انه «فشل في ممارسة مهامه. وبالتالي فإن وجوده على رأس وزارة الدفاع أثناء الحرب أضرّ بقدرة إسرائيل على رفع التحديات التي كانت تواجهها... لم يطلب (بيرتس) من الجيش خططه العملانية ولم يدرسها. ولم يتثبت من درجة استعداد وتدريب الجيش. ولم يدرس التطابق بين الأهداف ووسائل التحرك».
ورأى التقرير أن رئيس الأركان السابق دان حلوتس «فشل في مهامه في قيادة الجيش وفي وظيفته المحورية في الإدارة السياسية والعسكرية. وظهرت ثغرات في مهنيته ومستوى مسؤوليته وتقييمه» لتطورات الوضع.
واشار الجيش الاسرائيلي، في بيان، الى ان رئيس الاركان غابي اشكنازي شكل لجنة كلفت بدراسة نتائج التقرير.
ولم تستبعد اللجنة أن تدعو أولمرت أو بيرتس للاستقالة، في تقريرها النهائي. وأوضح التقرير المرحلي «في بعض الأحيان لا سبيل لإجراء التصحيح الملائم من دون عزل من شغلوا مناصب مهمة خلال الأحداث التي يتم التحقيق فيها». وقال فينوغراد «نأمل أن يحقق التقرير الذي سلمناه الآن هدفه ولا يلقى المصير نفسه الذي لقيته تقارير سابقة».
أولمرت
غير ان اولمرت رفض كل الدعوات المطالبة باستقالته. وقال، في خطاب تمّ بثه عبر الاذاعة والتلفزيون، «لن يكون مناسباً أن أستقيل ولا أنوي ذلك... إن الحكومة اتخذت القرارات وهذه الحكومة ستتعامل مع تصحيح العيوب». اضاف «هذا تقرير قاسٍ وصعب وقد وقعت أخطاء، وهناك إخفاقات من جانب صانعي القرارات الرئيسيين وأنا في مقدمهم. علينا ان نستخلص الدروس. وينبغي ان نصحح العيوب وهناك الكثير منها». وتابع «اعتزم العمل على تصحيح كل ما يحتاج الى إصلاح بشكل شامل وسريع»، موضحاً إن حكومته ستجتمع غداً وتعين لجنة لدراسة التقرير.
وكان بيرتس قد قال لدى تسلمه التقرير «هذا تقرير مؤقت فقط، ولكني متأكد أن هذا التقرير سيصبح إحدى الوثائق التي ستؤثر على رؤية إسرائيل ووسائل صياغة الأمن الإسرائيلي».
وقال محامي بيرتس، ايتان ليراز، من جهته، «لا أحد سعيد بهذا الأمر برمته. ولكن شعور وزير الدفاع الآن هو أن التقرير لم يتضمن أي تغيير مهم». ورداً على سؤال عما إذا كان بيرتس يعتزم الاستقالة، أجاب ليراز «بالطبع لا. في ضوء ما تضمنه التقرير حتى الآن لا سبب للاستقالة».
اما نائب رئيس الوزراء شمعون بيريز، فأشار لدى خروجه من اجتماع وزراء «كديما» إلى ان اللجنة لم تطالب اولمرت بالاستقالة. وقال «برغم انه كان في إمكانها تقديم توصيات شخصية، لم تقم بذلك، واكتفت بدعوة الحكومة إلى استغلال الفرصة لإصلاح ما يجب اصلاحه». أضاف «لا يمكن إغراق البلاد في ازمة والذهاب الى انتخابات مبكرة. يجب الا نظهر للعالم صورة إسرائيل ضعيفة ومكسورة».
دعوات للاستقالة
في المقابل، شنت المعارضة اليمينية واليسارية هجوماً لاذعاً على أولمرت، مطالبة اياه بالاستقالة. وقال النائب سيلفان شالوم من الليكود إن «التقرير يشكل لائحة اتهام خطير للغاية ضد ايهود أولمرت والحكومة كلها وعلى القيادة وضع المفاتيح والتوجه لانتخابات جديدة».
من جهته، قال رئيس حزب «ميرتس» اليساري النائب يوسي بيلين إن «استخلاصات فينوغراد لم تترك مكاناً للتحليل وعلى عمير بيرتس سحب ترشيحه لرئاسة حزب العمل فوراً ويحظر على أولمرت انتظار تظاهرات العائلات الثكلى وصراخها، وإذا بقيت لديه نقطة وطنية فإن مساهمته الوحيدة للدولة في هذه اللحظة هي باستقالته».
سيناريوهات للمرحلة المقبلة
والواقع أن المعلقين الإسرائيليين يشيرون إلى سيناريوهات متناقضة تلي تقرير «لجنة فينوغراد»، تتراوح بين تغييرات طفيفة تطرأ على الوضعين الائتلافي والحكومي والذهاب إلى انتخابات مبكرة.
فقد يصمد أولمرت أمام الضغوط ويترك الزمن يفعل فعله في تبديد أثر الحملات ضده من خلال تشكيل لجان لتنفيذ توصيات «لجنة فينوغراد». وقد يحاول أولمرت خلق جدول أعمال بديل، كتحريك العملية السياسية أو صرف الأنظار عن حرب لبنان بحرب أخرى تقع في المنطقة إما بمبادرة أميركية ضد إيران أو لسوء تقدير على الجبهة السورية.
غير أن عدداً من قادة «كديما» يرون صعوبة في مواجهة عواقب التقرير، ويعتبرون أن لا حل في وضع كهذا سوى استقالة أولمرت، وهو سيناريو مستبعد جداً، خصوصاً انه يعني ترشيح وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، خليفة له. ويتعامل اولمرت ورجاله مع ليفني وكأنها تخطط للانقلاب عليه والتآمر مع خصومه من أجل إزاحته عن رئاسة الحكومة.
ويشكل احتمال انهيار حكومة أولمرت هاجساً قوياً ليس في إسرائيل وحسب وإنما في العديد من عواصم المنطقة والعالم. فالانهيار يعني دخول إسرائيل مرحلة المجهول مؤقتاً باتجاه إعادة تركيب الوضع، على الأغلب، لمصلحة رئيس حزب الليكود اليميني بنيامين نتنياهو.
ويستبعد المعلقون احتمال الانهيار، بسبب ما يبدو من انعدام الرغبة لدى كل قوى الائتلاف في حدوث هزة حقيقية تقود إلى انتخابات مبكرة. ومع ذلك فإن الانهيار قد يحدث جراء تصاعد الاحتجاجات الشعبية وهو ما حدث في الماضي لحكومتي غولدا مئــير بعد حرب تشرين في العام 73 ومناحيم بيغن بعد حرب لبنان في العام .82
وتجمع متظاهرون أمام منزل اولمرت، بينهم يوسي بيلين، مطالبين إياه وبيرتس بالاستقالة، فيما دعت منظمات من اليسار واليمين وجمعيات تضم احتياطيين وافراداً في عائلات حوالى 160 جندياً ومدنياً قتلوا خلال الحرب، الى تظاهرة كبيرة بعد غد الخميس في تل ابيب للمطالبة باستقالتهما.
وأظهر استطلاع للرأي بثته الإذاعة الاسرائيلية أن 69 في المئة من الاسرائيليين يؤيدون استقالة اولمرت بعد نشر التقرير، كما يؤيد 74 في المئة استقالة بيرتس.
واشنطن
وقال المتحدث باسم البيت الابيض طوني سنو إن الرئيس الاميركي جورج بوش «يتعاون بشكل وثيق مع رئيس الحكومة اولمرت ويعتبر ان دوره اساسي في الجهود التي تبذل للتوصل الى حل على اساس دولتين». ورفض سنو التعليق على احتمالات المستقبل السياسي لاولمرت، قائلاً «نحن لا نعلق بالطبع على مسائل داخلية متعلقة بالحكومة الاسرائيلية».
(«السفير»، ا ف ب، أب،
رويترز، يو بي آي)
تعليقات: