يقول بشير إن بوجي هدده بعبارة «الله لا يخليني إذا بخليك» (أرشيف)
إبراهيم بشير vs سهيل بوجي
جولة مصارعة أخرى على حلبة «الفساد»
الهيئة العليا للإغاثة مجدداً. هي على موعد دائم مع «الفضائح» المالية. الجديد أنّ النيابة العامة التمييزية وضعت يدها على ملف مرسل من مصرف لبنان، يفيد عن حركة تحويل مشبوهة للأموال إلى الخارج، يقوم بها مدير الهيئة إبراهيم بشير. الأخير ينفي، ويتهم الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي بـ«فبركة» القضية ضده، على خلفية نزاعات بينهما، بحسب تعبيره. الملف بيد القضاء الآن، ويوم الاثنين المقبل سيبدأ التحقيق، فهل يفعلها القضاء ويغيث جيوب اللبنانيين أخيراً من هيئة «الإغاثة»؟
يوم الاثنين المقبل سيستمع القضاء إلى ما سيقوله رئيس الهيئة العليا للإغاثة إبراهيم بشير. سيحضر الأخير إلى مكتب المدّعي العام لدى محكمة التمييز بالإنابة، القاضي سمير حمّود، في الطبقة الرابعة من عدلية بيروت.
ما الحكاية، أو ما «الفضيحة»، هذه المرة؟ بدأ كل شيء قبل أيام قليلة، عندما تسلم القاضي حمّود، من هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال في مصرف لبنان، ملفاً عن «حركة تداول مريبة لمبالغ تحوّلت من لبنان إلى بيلاروسيا، باسم زوجة إبراهيم بشير، عبر حساب مشترك بينهما».
إلى هنا لا شيء بعد يدين بشير قضائياً، ولا يجعله مشتبهاً فيه؛ إذ «لم يبدأ التحقيق عملياً بعد». هذا ما أكّده حمّود لـ«الأخبار». القاضي لا يريد الخوض في التفاصيل، علماً بأن «الملف يتضمن أكثر من اسم، ولكن لن أبوح بأي من الأسماء، لأن هذا يخالف القانون من حيث المبدأ، فضلاً عن أن قرينة البراءة تظل قائمة ما لم يصدر حكم قضائي، وبالتالي لا يجوز المس بسمعة الأشخاص».
عندما كان القاضي يقول هذه الكلمات، كانت وسائل الإعلام تتحدث عن أسماء، وعن مبالغ، وعن تفاصيل كثيرة، وبعد معرفته بها قال: «الآخرون يقولون ما يشاؤون، بين الشائعات والحقيقة لا شيء يجزم سوى القضاء والتحقيقات التي سنجريها».
يوم أمس ذهب بشير إلى العدلية، بقرار منه شخصياً، وطلب مقابلة حمّود. لم يكن القاضي يحب أن تحصل الزيارة، وخاصة في هذه المرحلة، لكنه استقبل بشير لمدة وجيزة «شرط عدم الخوض في تفاصيل القضية المثارة إطلاقاً». أبلغ حمّود بشير أنه يمكنه قول كل ما يريد قوله يوم الاثنين، في جلسة الاستماع إليه، علماً بأن بشير كان قد صرّح لوسائل إعلامية بتفاصيل كثيرة من منطلق الدفاع عن نفسه.
بين البوجي وبشير
صباح أمس، بعد شيوع الخبر، أطل بشير قائلاً: «عندما تسلمت الهيئة العليا للإغاثة، كانت عبارة عن دكانة بيروتية، تعطي المساعدات لمجموعات محددة، أما أنا فأعطيت المساعدات لكل الأفرقاء في لبنان وليس للسنّة فقط». وأضاف: «قال لي قبل مدّة الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي: «الله لا يخليني إذا بخليك». غضب مني لأني أوزع المساعدات على الجميع، وقد حاولوا قبلها سحب ملف المساعدات للنازحين السوريين مني، بحجة تحويله إلى وزارة الشؤون الاجتماعية».
هكذا، يبدو أن ثمة قطبة، أو ربما قطباً، خفيّة في القضية. ما الذي يجعل مديراً عاماً يخرج عبر الإعلام، منفعلاً، ليتحدث بما يمكن أن يضعفه؟ إنها مسألة غير مألوفة في لبنان، إلا عندما يعلم هؤلاء أن المقصلة وصلت إلى رقابهم، وبالتالي ما عاد يُخشى خسران شيء. كان بشير واضحاً في ذلك؛ إذ قال في حديث مع «الأخبار» إن لديه الكثير من «الفضائح» ضد بوجي وفريقه، و«لدي الكثير من المعلومات عن مخالفاتهم وارتكباتهم، وعن كيفية صرفهم أموالاً بلا وجه حق، وهي مبالغ ضخمة، وعندها عليّ وعلى أعدائي يا رب». ثمّة من كان يردد أمس أن الخير في ما وقع؛ إذ يبدو أننا أمام فضائح متبادلة، وأمور كانت تحت الطاولة ها هي على أهبة الظهور، والآن بات على القضاء أن يأخذ كل هذا في الاعتبار ليصارح به الرأي العام لاحقاً.
بوجي «مش فارقة معاه»
اتصلت «الأخبار» ببوجي، وسألته عمّا أثاره بشير، فما كان منه إلا أن ردّ مباشرة: «اكتبوا ما تشاؤون، اكتبوا وقولوا حتى تشبعوا، أنا مش فارقة معي». البوجي قوي، هذه حقيقة، ربما أقوى من كل شيء آخر في إدارات لبنان. أما كيف أصبح كذلك، فتلك حكاية أخرى طويلة. حكاية تعرفها كل الأطراف السياسية؛ إذ أتت عهود وجاءت أخرى، من مختلف الاتجاهات السياسية، وبوجي كان الثابت الوحيد في موقعه. حتى كلمة «حبيبي» لا يحبها بوجي، فيقول: «أنا ما حدا حبيبي وما بحب حدا، أنا لم أسمع ما قاله إبراهيم بشير ولا أريد أن أجيب، ما عندي ثقة بأحد، أنا قاضٍ ومدير عام ولا ألتزم إلا القانون». البوجي يبدو صلبا جداً، يقول إنه يحب التزام القانون، فيما هو صاحب أطول مدة انتداب من القضاء إلى مجلس الوزراء، وبالتالي صاحب أبرز مخالفة للقانون على مدى سنوات. من أين لك كل هذه القوّة يا «ريّس» (لقبه عندما كان قاضياً)؟ يجيب مباشرة: «قوتي من الحق ومن الله، وقلت لكم اكتبوا ما شئتم». بدا الرجل تنويرياً و«مع حرية الصحافة»، لكن لا، ها هو يرفض هذه الأوصاف، يقول: «بلا تنوري بلا بلوط، أنا مش فارقة معي شي».
10 ملايين دولار؟
تردد أمس، على أكثر من لسان، أن أحد المصارف اشتبه بحركة التداول المالية المريبة وأبلغ مصرف لبنان. تتحدث الألسن عن مبالغ تصل إلى 10 مليون دولار أميركي. وتردد أيضاً أنه «جرى تحويل 3 ملايين و600 ألف دولار منها إلى حساب في بيلاروسيا». متابعون للملف لفتوا إلى أن هذه «الفضيحة» سيكون لها صدى واسع، لما تحمله من خلافات سياسية؛ إذ إن الهيئة العليا للإغاثة تعمل تحت وصاية رئاسة مجلس الوزراء، علماً بأن بشير، المعين في منصبه منذ سنتين، محسوب على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وكان لافتاً أن بشير لم يكتف بالتصويب على البوجي فقط؛ إذ قال في تصريحاته أمس إن ميقاتي «قال لي إن بوجي طلب مني أن أقيلك من منصبك؛ لأن هناك مشاكل مالية، فعندها تقدمت أنا بطلب إجازة إدارية بناءً على طلب ميقاتي».
بشير خارج الهيئة
إذاً، إبراهيم بشير في إجازة إدارية! من يعلم، قد يعود إلى منصبه، وقد تكون إجازة أبدية. الكلمة الآن للقضاء. لكن يبدو أن هذه الإجازة ستطول، وخاصة مع ما أعلن أمس، عن تكليف الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير مهمات الأمانة العامة للهيئة العليا للاغاثة مؤقتاً. كذلك فُوِّض إلى اللواء خير ومحمد دندشلي المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء التوقيع، متحدين غير منفردين، لتحريك حسابات الهيئة العليا للإغاثة.
إلى ذلك، قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إنه «لا صلاحية لي، ولا لهيئة مكافحة تبييض الأموال التي أعدت ملف بشير، الإدلاء بأي تفاصيل إلا بإذن من النيابة العامة». يُذكر أن اللواء يحيى رعد كان يشغل منصب المدير العام للهيئة العليا للإغاثة قبل بشير، لكنه مع مجيء ميقاتي إلى رئاسة الحكومة تقدّم باستقالته وعيّن بشير مكانه. قيل الكثير آنذاك عن تلك الاستقالة، التي رآها البعض صورية، علماً بأن الكثير من الشبهات والفضائح قد رافقت عمل «الهيئة» في تلك الحقبة. من أبرز ما أثير آنذاك كان تزوير نحو 107 شيكات، محرّرة بأسماء صحيحة لمتضرّرين حقيقيّين من حرب تموز، ولكن سُحبت قيمتها عبر صناديق مصرف لبنان من دون اكتشافها. قيل إن قيمة تلك المبالغ المسروقة المكتشفة بلغت أكثر من مليارين و400 مليون ليرة. هكذا، يبدو أن هذه الهيئة، التي تحمل صفة الإغاثة، على موعد دائم مع الفضائح المالية. تبدو كأنها صندوق آخر للنهب المنظم، الذي يبقى منظماً في مختلف العهود ومع مختلف «هويات» الحكومات المتعاقبة. أما القضاء، فيُقال في كل مرة، بعد كل فضيحة، إنه وضع يده على القضية. لكن تمر الأيام بعدها و«تنام» الملفات في الأدراج. إنه الفيلم اللبناني الطويل.
يمكنكم متابعة محمد نزال عبر تويتر | @Nazzal_Mohammad
بشير: المبلغ تافه وسأقف في وجههم
قال الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة، إبراهيم بشير لـ«الأخبار» إن «كل التسريبات الإعلامية هي استباق للتحقيقات القضائية من أجل التأثير على الرأي العام وتشويه صورتي وسمعتي أمامه. أنا أتهم سهيل بوجي، الذي كانت علاقتي معه سلبية منذ اليوم الأول لتسلمي مهماتي، بأنه يقف وراء هذه التسريبات. فهو يسيطر على كل شيء في مجلس الوزراء، ولا يزال حتى الآن، وكان قد توعدني قبل مدّة، وقد رفضت ابتزازه لي لأن الهيئة مؤسسسة عامة وليست دكاناً يملكها والدي أو والده». وأوضح بشير أن التسريبات «لا أساس لها من الصحة، وهي تهدف إلى إبعادي عن منصبي بأي وسيلة، وعندما لم يستطيعوا ذلك عبر القانون، لجأوا إلى التشهير بي، لكن القضاء سيكون حكماً بيني وبينهم».
وعن المبلغ الذي حوله إلى بيلاروسيا، قال بشير: «بعد 40 سنة خدمة في الجيش اللبناني، هل أنا غبي إلى درجة تحويل مبلغ 10 ملايين دولار إلى اسم زوجتي، ولكن هذه الحملة هي آخر طريقة لإخراجي من الهيئة العليا للإغاثة بعد أن عجزوا بالطرق الأخرى، فأنا كل وثائقي وأوراقي قانونية. لقد حولت مبلغاً إلى ابني في بيلاورسيا، وهو مبلغ تافه جداً، وأرفض الكشف عن حجمه الآن، لأني سأتركه مفاجأة التحقيقات التي ستجري معي يوم الاثنين المقبل». وأردف قائلاً: «إذا كان التحقيق معي قضائياً، فلا مشكلة عندي، لأنني أثق بالقضاء، ولأن ملفي نظيف. أما إذا كانت التحقيقات معي سياسية، فعندها سأرد عليهم بالطريقة نفسها، وعندي الكثير من المخالفات عليهم وما ارتكبوه، وعندها عليّ وعلى أعدائي يا رب».
وعن غيابه عن عمله في الهيئة، قال: «إن غيابي لن يطول، فأنا قدمت إجازة إدارية لمدة 15 يوماً، وخلالها ستظهر كل المعطيات على حقيقتها، وبعدها سأعود إلى عملي كالمعتاد في هيئة الإغاثة... وسأقف في وجههم».
الهيئة العليا « لـلفساد»
تعليقات: