تزامن موت مريضين في طابق الـ«VIP» يثير التساؤلات
ضجّة في مستشفى الجامعة الاميركية
صباح يوم الأربعاء 30 تشرين الأول علت صرخات الحزن في الطبقة التاسعة من مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت. هذه الطبقة التي تضمّ أسرّة الـ«VIP»، شهدت وفاة الكابتن الطيار ميشال فيليب العقل، ومهى الحوري، شقيقة سهى الحوري الزوجة السابقة للنائب مروان حمادة. كان يمكن الّا تحمل تلك الصرخات سوى لوعة الفراق، لكنها حملت أكثر من ذلك، فهناك تزامن «مريب» في توقيت ومكان حالتي الوفاة. حالتان يُطلق عليهما التوصيف الطبي الآتي: «حالات باردة». فضلاً عن أن كلا المريضين كانا قد حصلا على تصريح طبي بالخروج في صباح اليوم الذي وافتهما المنية فيه
كان لافتاً أن يتوفى شخصان في اليوم نفسه وفي الطابق نفسه. طابق الـ«VIP» الذي يكاد يكون مقفلا ومعزولا عن باقي طوابق مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت.
تشابه حالتي الوفاة بوصفهما «حالتين باردتين»، أثار شكوك واستغراب الأطباء والباحثين في عالم الطب. فهل هي مجرد مصادفة لحالة «موت فجائي» أم هي مصادفة تحمل أكثر من عوارض الموت الفجائي؟ الإجابة عن هذا السؤال توجب سلسلة إجابات عن أسئلة مختلفة؛ فهل أجرت إدارة مستشفى الجامعة الأميركية تحقيقاً يكشف تفاصيل هذا الموت المريب؟ إلى أي مدى أبدت إدارة المستشفى، ومن ورائها الإدارة العليا للجامعة الأميركية في بيروت، استعدادها للتعمّق في ما حصل؟ وهل تكشف الإدارة عن أسباب الموت علناً وتكون شفّافة؟
على طريق التعافي
صنّفت حالتا وفاة الكابتن الطيار ميشال العقل وسهى الحوري بأنهما «حالتان باردتان». هذا الوصف الذي يجمع عليه الأطباء، أو على الأقل بحسب رأي مجموعة من الأطباء في مستشفى الجامعة الأميركية اتصلت بهم «الأخبار»، ينطبق على حالة الكابتن الطيار الذي أجرى عملية بسيطة في يده. فهذا الرجل كان يعمل طيّاراً على الطائرة الخاصة لآل المرّ ولم تمضِ فترة أسابيع على قيادته الطائرة بكل ما يتطلبه الأمر من مؤهلات ذهنية وصحية مرتفعة، وهو أمر يضيف الغرابة إلى وفاته. واللافت أن الطبيب المعالج كان قد أعطى الكابتن تصريحاً بالخروج من المستشفى نظراً إلى كون حالته مستقرّة ولم تشهد اي مضاعفات ما بعد العملية. ويستدل بعض الأطباء إلى هذا الأمر، بالإشارة إلى أن استقرار حالته وبساطة عمليته والفحوصات التي أجريت له قبل العملية لم يكن يستدعي ربطه إلى أي من الأجهزة، وهي الحالة التي ينطبق عليها وصف «حالة باردة».
كما ينطبق التوصيف نفسه على مهى الحوري انطلاقاً من كونها خضعت لعملية استئصال المرارة ولم تظهر عليها أي مضاعفات ما بعد العملية، بل كانت في طريقها إلى التعافي السريع. وهي كذلك لم تكن مربوطة إلى أي جهاز مساعد أو مراقب، فضلاً عن أن طبيبها المعالج كان قد أعطاها قبل يوم من وفاتها تصريحاً طبياً بالخروج من المستشفى صبيحة اليوم الذي توفيت فيه، وهو تصريح ينطوي عادة على تشخيص للطبيب بأن حالة المريض مستقرّة ولا تستدعي أي تدخل طبي إضافي.
إجراءات المستشفى
في الواقع، إن الإجراء المتخذ من قبل إدارة المستشفى إزاء هاتين الحالتين، يثير الاستغراب. ففي الحالة الأولى، أي بالنسبة للكابتن الطيار، طلبت إدارة المستشفى إجراء بعض أنواع فحوص السموم وسواها، ثم سُلّمت جثته لأهله حتى يدفنوها من دون أي تشريح كان يمكن القيام به لتوسيع البحث في أسباب الوفاة. أما بالنسبة للحالة الثانية، فإن أهل المتوفاة طلبوا تشريح جثتها للوقوف على أسباب الوفاة بعدما حصلوا على استشارة طبية، وبعدما تكوّنت لديهم قناعة بأن هناك أمراً مريباً في الوفاة تزامن مع حالة وفاة مماثلة في الطابق نفسه حصلت في الوقت نفسه بصورة مريبة أيضاً.
بحسب نقيب الأطباء السابق جورج افتيموس، الذي سمع عن هذه الحادثة بالتواتر، فقد أوضح أن «تبيان أسباب الوفاة بصورة واضحة كان يستدعي إجراء تشريح للجثتين، وليس تشريح جثة واحدة فقط، فنتائج التشريح وحدها هي التي ستربط بين الحالتين، أو ستحسم الشكوك حول كونهما حادثين منفصلين او متصلين ببعضهما البعض». ويشير افتيموس إلى أن تدخل نقابة الأطباء في هذا الوضع، يستدعي تفنيد المسؤوليات والوقوف على حقيقة ما جرى لجهة كونه خطأ طبياً ارتكبه الطبيب أم خطأ طبياً ارتكبته المستشفى أو أن للوفاة أسباباً مختلفة».
إدارة المستشفى: لا تعليق
عندما تلقت «الأخبار» نبأ موت شخصين في المستشفى، تريّثت في كتابة أي حرف قبل التواصل مع إدارة الجامعة الأميركية، ووجهت لها، عبر المسؤولة الإعلامية في إدارة الجامعة الأميركية، أسئلة مباشرة عن أسباب الموت. أحيلت الاسئلة إلى المدير العام للمستشفى عدنان طاهر. وسألت «الأخبار» عن نتائج التشريح والفحوصات التي أجريت على الجثتين، وما إذا كان هناك ترابط بين الحالتين يفسّر أو يبرّر سبب وفاتهما المتزامنة، إلا أن الإجابة أتتها بصورة مباشرة من طاهر نفسه: «إن السياسة التي تتبعها الجامعة الأميركية تملي علينا ألا نناقش أمور المرضى مع أي طرف ثالث». المقصود بالطرف الثالث، هو أي طرف خارج طرفي المستشفى أي الإدارة والطاقم الطبي. عندها حاولت «الأخبار» شرح ما حصل باعتباره أمراً لا يتعلق بأسرار المرضى بمقدار كونه تفسيراً وإجابة على مخاوف وشكوك الناس الذين سمعوا بالحادثة وترددت الأقاويل إلى مسامعهم عن الحادثتين، وهو أمر كافٍ للإضرار بسمعة المستشفى والعاملين فيها. اضافة الى إظهار الحقائق كما هي واردة في نتائج التحقيقات التي أجرتها إدارة المستشفى، إلا أن طاهر ظل يردّد الجملة نفسها مراراً وتكراراً: «سياستنا تملي علينا عدم مناقشة أو التعليق على أمور المرضى مع أحد».
كذلك، اتصلت «الأخبار» برئيس نقابة اصحاب المستشفيات سليمان هارون وسألته عما إذا كانت النقابة ستتحرّك في اتجاه الكشف عن حقيقة ما حصل أو الإشراف على إجراء تحقيقات جدية كافية في هذا المجال، إلا أن هارون قال لـ«الأخبار» إنه سمع القصة بالتواتر ولا علم لديه بتفاصيلها، رابطاً بين تحرّك النقابة وبين وجود شكوى مرفوعة من أجل الضحايا ضدّ المستشفى.
نتائج التشريح والخيارات
في ظل الصمت المطبق من إدارة مستشفى الجامعة الأميركية، ومن كلية الطب في الجامعة، ومن الوسط الطبي أيضاً، يرى بعض الأطباء العاملين في المستشفى أنه يجب كشف بعض الروايات والسيناريوهات لما حدث في هذه القضية وخصوصاً أن الأطباء في الجامعة الأميركية والممرضين يتحدثون عن أن التحقيقات التي أجريت حتى الآن لم تكشف عن وجود أسباب طبية أو عوارض مزمنة للوفاة، وبالتالي «بات لزاماً على الإدارة أن تذهب في التحقيقات في اتجاه تحقيقات جنائية» يقول أحد الأطباء.
وبحسب الوقائع التي جمعتها «الأخبار» من أطباء وممرضين في المستشفى وخارجها، فإن هناك مجموعة روايات لما حدث في صبيحة آخر يوم أربعاء من شهر تشرين الأول؛ فبالإضافة إلى كون بعض الاتهامات تحدثت عن خطأ أحد الممرضين، قالت بعض الروايات إن «فيروس العمليات» قد يكون هو سبب الوفاة المتزامنة، لكن بعضهم ذهب ابعد من ذلك ليشير إلى أن أسباب الوفاة قد تكون تقصيراً أو إهمالاً يأتي في سياق التعبير عن عدم الرضى على الأوضاع الإدارية التي آل اليها المستشفى. هذه الأوضاع تفاقمت خلال السنتين الأخيرتين لتصبح الشغل الشاغل لكل طبيب وممرضة في المستشفى، ولتصبح محور الحديث في الندوات التعليمية.
لا خطأ طبي ولا فيروس
بالنسبة للسيناريو الأول، يؤكد عدد من الأطباء المتابعين لهذه الحادثة، أنه لم يثبت بنتيجة الفحوصات، التي أجريت، وجود «خطأ طبي» أدّى إلى الوفاة، فضلاً عن أن هذه الرواية لا تمثّل عنصر ربط بين حالتي الوفاة لأن ما أثار الاستغراب والشكوك بوجود خطب ما يخص حالتي الوفاة هو انهما حصلتا في الوقت نفسه وفي غرفتين متلاصقتين. وبالتالي فإنه باستثناء «فرضية الشك» بوجود نوايا جرمية لأحد الممرضين، من الصعب تكهن وجود أسباب طبية تحمّل للطاقم التمريضي. وبما أن أي مضاعفات لم تحصل بعد إجراء كلا المريضين عمليتهما، فإن استبعاد الأطباء عن هذه المعادلة أمر منصف إلا في حال ثبت وجود نوايا جرمية أدّت إلى حدوث الوفاة ... والنوايا الجرمية توجب تحقيقات من نوع مختلف سواء كانت تحقيقات متخصصة طبياً وإدارياً واجتماعياً.
في ما يخصّ السيناريو الثاني، فقد تردّد على ألسنة المتابعين أن «فيروس العمليات» أو «فيروس المستشفيات» قد يكون هو السبب الذي أدّى إلى وفاة عقل والحوري. وفيروس العمليات هو فيروس تخلقه عوامل التقصير في تنظيف غرف العمليات بالطرق الصحيحة، ولكنه فيروس شائع جداً وخصوصاً في المستشفيات التي لديها اكتظاظ في حالات الاستشفاء، وبالتالي لديها ضغط على استعمال غرف العمليات يؤدي إلى تعقيم مع هامش خطأ «مقبول طبياً»، وهو الأمر الذي يؤدي إلى خلق فيروس العمليات. غير أن هذا الأخير يؤدي إلى التهابات وهو لا يكون في شكله النائم، بل يكون في حالة نشطة، أي أن الإصابة بهذا الفيروس تظهر فوراً على المريض بعد خروجه من العملية، ولا سيما على حالة ارتفاع في الحرارة وتعرّق فضلاً عن ظهور عوارض حمّى على المريض، وبالتالي تصنّف حالة المريض «حالة صاخبة» ولا تصنّف على أنها «حالة باردة». واللافت أن الأطباء يجمعون على استبعاد هذا الخيار من لائحة السيناريوهات التي قد تفسّر حصول حادثتي الوفاة «لأن الحالتين لا تنطبق عليهما عوارض من نوع فيروس العمليات».
تعبير عن نقمة؟
إذاً، ما يشاع هو أنه لا خطأ طبي، ولا خطأ تعقيم غرف العمليات، وأن نتائج التشريح لا تظهر وجود اسباب صحية أدّت إلى الوفاة، أو إلى ما يسمى «الموت الفجائي» الذي يحصل في حالات عديدة في المستشفيات، ويبقى «التلاصق» المكاني والزمني في حادثتي الوفاة أمراً لا تفسير طبّياً له، لكن قد تكون له تفسيرات مختلفة.
ففي هذه الحالة، لا شكّ أن حسم الموضوع لا يمكن أن يتم من دون إطلاق تحقيقات أبعد من التحقيقات الطبية المعتادة، بل يجب على إدارة المستشفى التوسّع في التحقيقات، ولا سيما أن هناك الكثير من الجرائم التي ارتكبت في مستشفيات حول العالم كانت مثيرة للاستغراب ومصدرا للتساؤل ولا تفسيرات طبية منطقية لها، ولعل المستشفى قد يجد التفسيرات المنطقية طبياً لكن من خلال التوسّع في التحقيق.
لكن ما هو السيناريو الثالث الذي استحوذ على كل الحديث بين الأطباء والممرضين بعد حالتي الوفاة؟
تنقل مصادر مطلعة أنه لا يمكن استبعاد وجود نوايا جرمية في هاتين الحالتين. وتلفت إلى وجود الكثير من التساؤلات عن كون ما حصل امتداداً للنار تحت رماد كلية الطب منذ سنتين. ويشير هؤلاء إلى أن كلية الطب تنفذ عقود توسيع أعمال المستشفى وأسرّتها بقيمة تتجاوز 600 مليون دولار، إلا أن هناك حديثاً متزايداً بين الطاقم الطبي عن تضخّم الأسعار التي لا يجب أن تتجاوز 400 مليون دولار لولا الإنفاق الإضافي من الكلية على العدد الكبير من المستشارين للعمادة برواتب خيالية تأكل من موازنة المستشفى ومن التوسّع في الاعمال الإدارية رغم أن الإنتاج كله يقع على الطاقم الطبي.
وبحسب المصادر الطبية، فإن هذا الكلام يتطابق مع سلوك إدارة الجامعة الأميركية خلال السنتين الماضيتين والتغيرات التي جرت فيها على قاعدة «الربيع العربي في الجامعة الأميركية». فخلال هذه الفترة كلها، كان الطاقم الطبي يعترض على كيفية تعنيفه من خلال البريد الالكتروني، وإبلاغه بالقرارات والتغييرات من دون مناقشتها وأنه في غالب الأحيان اتخذت عقوبات وقرارات قاسية بحق الطاقم الطبي «لا مبرّر لها»، حتى أن بعضهم بدأ يتحدث عن وجود «ديكتاتورية التكنولوجيا» في إدارة المستشفى. هل هذا المناخ اوجد حالات «حامية» سمحت بحصول «حالات باردة» لوفاة اثنين من المرضى؟ السؤال برسم من يعنيهم الامر.
الحديث بين الأطباء والممرضين بعد حالتي الوفاة يتركّز على الوضع الاداري في المستشفى وتداعياته (هيثم الموسوي)
تعليقات: