سبعون عاماً مرت على استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي، عقود مديدة من الزمن مرت، تخللتها صفحات بيضاء عنوانها الطمأنينة والاستقرار، وصفحات سوداء عنوانها الخوف والقلق على المصير، وبين هذه وتلك صفحات حمراء، سطّرها رجال الوطن بحبر الدم القاني، دم زكيّ يروي جذور شجرة الاستقلال، فيكسبها قوة الاستمرار، ويغمرها بالبطولات والمآثر. إستقلال تحقق بفضل قادة وطنيين شرفاء ومواطنين موحَّدين هدفهم الاسمى لبنان ولا شيء سوى لبنان.
وإن كان عمر الحزب الديمقراطي اللبناني لا يتعدى السنوات الاثنتي عشر منذ التأسيس في الأول من تموز عام 2001 وحتى اليوم، إلا أنه بأفكاره و مبادئه يشكّل إمتداداً لنهج وطني عروبي له تاريخه و حيثياته في هذه البلاد منذ العام 797 عندما قدم الارسلانيون واستقروا فيها و جعلوا مهمتهم الاساسية الدفاع عن الارض و حماية الثغور من الغزوات، و على مر الزمن كان الأمراء الارسلانيون لهم الدور الأبرز و الأساس في السعي الدائم لتعزيز وترسيخ القيم الوطنية والعروبية، وإن اردنا التوغل في تفاصيل تلك الحقبات لإحتجنا لمجلدات لتشرح وتفي الحق لعائلة لم تكن يوماً إلا في المقدمة على دروب التضحية والنضال، لكن اخترنا أن يقتصر الحديث اليوم على دورنا كشباب ديمقراطي لبناني في حماية وصيانة محطة أساسية من محطات التاريخ العريق والمشرّف ألا وهي معركة الاستقلال اللبناني الّتي قادها الأمير مجيد ارسلان العام في 1943،..
لذا فإنطلاقاً ممّا تقدّم نحن كشباب ديمقراطي لبناني وإن كان إطارنا الحزبي حديث العهد إلا أننا نشكّل امتداد لنهج سياسي عريق رسمه الامراء الارسلانيون منذ 1216 عاماً وكرسه الامير مجيد ارسلان، فهذا النهج يجسده حزبنا، الحزب الديمقراطي اللبناني برئاسة النائب الامير طلال ارسلان، وهو يكتسب أهمية كبرى يمكن تفصيلها على ثلاث أصعدة :
أولاً ، الوحدة الوطنية ، فالوحدة الوطنية عاشها الامير مجيد حياتياً، ولكن للأسف في هذه الايام نجد الجميع في لبنان يتكلمون عن الوحدة الوطنية و لكن بلا مضمون، و هذا ما يدل و يؤكد على عدم وجود فهم للمعنى الحقيقي للوحدة الوطنية، و هنا تكمن إستمرارية نهج الامير مجيد حيث أتى الحزب الديمقراطي اللبناني و أعطى المضمون المادي و الطريق الفعلي لشيء إسمه " الوحدة الوطنية " من خلال نظرية " الوحدة المعنوية" للمجتمع اللبناني ، لأنه لا وحدة وطنية من دون وحدة معنوية، لا بل إنه خداع و مواربة إذا أدعى البعض وجود وحدة وطنية من دون معنوية و هذا ما يحدث الآن في لبنان كذلك فإن هذا الامر هو المسؤول عن هذه الحالة المنحطة الّتي وصل اليها لبنان. إذاً و من خلال أهمية دور الوحدة المعنوية في الحفاظ على السلم الاهلي نجد أن نهج الامير مجيد هو ضروري و واجب و هو يتمثل بالطروحات الّتي يطرحها حزبنا، الحزب الديمقراطي اللبناني.
أمّا الصعيد الثاني فهو موضوع حقوق الناس ، حقوق الكادحين ، و الامير مجيد هو أقل إنسان إتجار بموضوع حقوق الناس لكنه أكثر إنسان قدّم في حياته السياسية خدمة للمستضعفين في لبنان، و وقف بوجه الاحتكارات الكبرى ، و هذا النهج يسير عليه نجله الامير طلال ، لأنه لم يشارك في الاحتكارات رغم إنها وصلت الى ذروتها ، حيث نجد أن الاحتكارات و جبهة الاحتكارات في جهة و نحن كفريق سياسي في جهة اخرى.
و الصعيد الثالث هو ربط الانتماء الوطني بالإنتماء القومي ، حيث أن القضية الفلسطينية هي في جوهر فكرنا وعملنا وتشكّل بوصلة مسيرتنا ، و ذلك لأن مصيرنا هو واحد ، و مصيرنا هو أيضاً مع سوريا والمقاومة. لذلك فنحن نؤكد بأن الوحدة الوطنية مرتبطة بالإنتماء القومي. فهذه الاصعدة الثلاث تؤكد أن نهج الامير مجيد هو حاجة ماسة و يستمر عبرنا كفئات شابة مؤمنة بهذا النهج وصوابية طروحاته.
وفي ظل ما حصل ويحصل من أحداث ومتغيرات تطال العالم بأسره لاسيما المنطقة العربية والشرق الأوسط، وإنطلاقاً من مبدأنا العاشر الّذي ينص على " أن الشباب مسؤولية ومستقبل، والمجتمع الناجح والفتي هو المجتمع الّذي تتواصل فيه الاجيال ولا تتصارع ". لذا يترتب علينا اليوم وأكثر من أي وقت مضى مسؤولية كبيرة تتمثل بوجوب التمسك بالقيم والمبادئ الّتي قادت الى نيل الاستقلال في العام 1943 ومن ثم الجلاء في العام 1946 وما تلاها من محطات عز وإشراق ليس آخرها تحرير الجنوب عام 2000 وانتصار تموز 2006. واولى الخطوات التي تقودنا للوصول نحو هذا الهدف المنشود تتمثل بإعداد جيل شبابي ديمقراطي يعي ما ينتظره من تحديات كبرى تهدد الاستقلال الّذي أنجزه اسلافنا، لاسيما المخاطر الصهيونية وغياب الولاء الوطني الجامع بظل سيطرة الطائفية المقيتة...
فمن ناحية المخاطر الصهيونية، شكَّلت إسرائيل منذ نشأتها في المنطقة مصدر حروب ومآسٍ عاناها لبنان والدول العربية على امتداد نحو نصف قرن ونيّف. فإسرائيل دولة لا دستور لها حتى اليوم، بل هناك مجموعة من الأنظمة والقوانين تسيّر أمور الحكم فيها. كما أنها لم ترسم حدودها بشكل نهائي بسبب طغيان الفكر الديني في المجتمع الإسرائيلي على ما عداه من العناصر الإجتماعية والسياسية والثقافية، والارتكاز على أسطورة أرض الميعاد التي تعتبر أن حدود أرض إسرائيل الموعودة هي من النيل إلى الفرات. أما الأطماع الإسرائيلية بأرض لبنان ومياهه وموارده فتنطلق من عدة حوافز:
أولها، ديني يتعلَّق بما جاء في التوراة عن شمول أرض الميعاد لمناطق من لبنان، وثانيها بثروته المائية التي تسعى إسرائيل للسيطرة عليها بالوسائل كافة، نظراً إلى افتقار فلسطين للمياه من جهة، وإلى رغبتها بالتوسع الجغرافي والديمغرافي من جهة أخرى. وثالثها اقتصادي وحضاري يتعلَّق بخوف إسرائيل من قدرة لبنان على احتلال الموقع الأهم في المنطقة، لما لدى اللبنانيين من طاقة مميَّزة في مجالات الثقافة والعلم والإبداع، إلى جانب قلق قادتها من التجربة اللبنانية الرائدة، القائمة على العيش المشترك بين طوائف متعددة. وكم عملت على استهداف وحدة لبنان عبر حملات التشكيك حينا والتدخل المباشر أحيانًا أخرى، لتبرهن للعالم أن النموذج اللبناني غير قابل للحياة.
أمّا لناحية طغيان الولاء الطائفي على الولاء الوطني، فإن الطائفية خطر يهدِّد الكيان اللبناني، فالولاء الطائفي بتجذُّره لدى الأفراد والجماعات يعيق الولاء الوطني بمفهومه الشامل والجامع. الطائفية خطر كامنٌ، وغالباً ما تتأجَّج بسببها الصراعات لدوافع محلية أم خارجية. أما الحل فهو بالعمل على تنمية روح المواطنية الحقّة، وتغليبها على النزوات الطائفية الضيقة، فيتمكَّن لبنان من الإفادة من تنوُّعه الديني وغناه الحضاري، اللذين يشكِّلان رسالته الفريدة في هذا العالم. وهنا لا بدَّ من التمييز بين الدين والطائفية، فالأول هو العلاقة التي تربط الإنسان بالخالق، والتي وإن اتخذت أشكالاً متعدِّدة فإن جوهرها واحد، تدعو إلى الإنفتاح والتسامح والإعتراف بالآخر، وتكريس الفضائل الأخلاقية والإنسانية بين بني البشر. أما الطائفية فهي استغلال الدين أو المذهب، لمصالح خاصة، فئوية أو سياسية. وبقدر ما تُحتَرَم الأديان وقدسية رسالتها، تُنبَذ الطائفية لأنها تفسد العلاقة بين أبناء الشعب الواحد. والتزام الدين يحتّم الولاء للدولة الضامنة لحقوق جميع المواطنين، فيما الانجرار وراء الطائفية يؤدي إلى التفرقة والشرذمة، وبالتالي يفقد الوطن معنى رسالته وعلة وجود.
ختاماً، متى يبنى هكذا جيل واعي لهذه المخاطر ويسعى للقضاء عليها ومواجهتها، حينها فقط يمكننا القول أننا فعلاً نستحق الاستقلال الّذي صنعه لنا الأمير مجيد والقادة الكبار، و نستحق أن نكون ديمقراطيين لبنانيين أبناء النهج الارسلاني العروبي المقاوم، وهنا يكمن الأمل بفضل وجود عطوفة الأمير طلال ارسلان قائداً للمسيرة وضمانة للوحدة الوطنية بمواقفه وتوجهاته العروبية المشرّفة.
* طارق حديفة – أمين سر منتدى الشباب الديمقراطي
تعليقات: