إغراءات مالية للأهل وراء تزويج القاصرات في عكار (الأرشيف)
استغلال الحاجات وتحويل الفتيات إلى سلع
لم يعد ممكناً إخفاء حجم المعاناة الإنسانية والنفسية، التي تعاني منها النساء النازحات إلى عكار وتحديداً المراهقات منهن اللواتي لم يبلغن سنّ الرشد، واللواتي يعاملن كما لو أنهنّ سلعة، يرتفع سعرها أو ينخفض بحسب العرض والطلب.
ولم يعد الحديث عن تزويج القاصرات من النساء السوريات إلى بعض القيّمين على الجمعيات، وتحديداً الخليجيين منهم سراً، حيث تتكرر التجارب مع عدد كبير من المراهقات اللواتي يغرر بهنّ فيتم تزويجهنّ مقابل إغراءات مادية يتّم التنعم بها لبعض الوقت، إضافة إلى الهدايا التي تغدق على الوالدين.
قد لا يروق لكثيرين الإقرار بأنّ عدداً من المشايخ ومعهم السماسرة من اللبنانيين يقومون باستغلال حاجة النازحين، خصوصاً أن من يقوم بمثل هذه الأعمال هم من أصحاب الجمعيات، المكلفين متابعة شؤون النازحين وتوزيع الحصص الغذائية والمساعدات عليهم، ما يجعل العديد من العائلات السورية المحتاجة تحت رحمة هؤلاء، الذين ووفق النازحين يقوم البعض منهم بالزواج من فتيات سوريات لمدة أيام قبل أن يتم الطلاق.
جميع النازحين السوريين في عكار يعلم قصة ل.ك. (16 عاماً)، وس.ج.، التي تزوجت من أحد المشايخ السعوديين لمدة خمسة أيام وفق عقد مكتوب موقع من الفتاة ووالدتها من دون حضور ولي أمر وشهود، كما لم يتم تسجيله في المحكمة الشرعية. وليس من باب الصدفة أن يتكرر اسم أحد المشايخ السعوديين، وهو صاحب جمعية في ملف تزويج النساء، حيث يقوم الشيخ بالزواج من المراهقات الجميلات لمدة من الوقت مقابل عقد يتم الإمضاء عليه من جانب الوالدة في أغلب الأحيان، إذ أن غالبية هؤلاء هم من الأيتام.
وتروي سوسن «أنها تزوجت من الشيخ عبر وسيط لبناني قام بتعريفه عليها، مقابل وعود بتأمين منزل ومعاش شهري إلا أن ذلك لم يتحقق، وبعد حدوث الطلاق وشيوع الخبر قام الشيخ بتأمين منزل لأقطن فيه مع والدتي وشقيقي».
تقول: «نعاني القهر والحرمان، ففي كل شهر نطالب بالإيجار، ونسعى جاهدين لتأمين المبلغ». وتلفت إلى أن «ما يزيد من سخطي هو سماعي بفتيات أخريات وقعن ضحية الشخص نفسه».
ويروي سليمان ك.، وهو عم الفتاة ل.ك.، والولي الوحيد لها بعد وفاة والدها في سوريا، أنه «لا يعلم شيئا عن عائلة شقيقه، وأنه تمكن مرة واحدة فحسب من التواصل مع ابنة أخيه عبر الهاتف، وقد بكت كثيرا وطلبت المساعدة».
يضيف: «لقد قامت أمّها بتزويجها إلى أحد المشايخ السعوديين، من دون حضور ولي عنها وهي تحت السن القانونية، وعندما سألنا المشايخ عن مدى شرعية وقانونية هذا الزواج تبين أنه باطل ولا أساس له».
ويسأل سليمان: «هل نزحت السوريات إلى لبنان لكي يتحولن إلى متعة لبعض مشايخ الخليج؟ ولماذا لا تتم مراقبة كيفية صرف الأموال، ومن يحاسب هؤلاء على أعمالهم؟ ومن يعيد للفتيات حقوقهنّ ويعوضهنّ عن القهر النفسي الذي يعانوه؟».
ويتحدث الحاج رضوان دلال كيف لجأ أحد اللبنانيين إليه، وطلب منه «استئجار إحدى الشقق التي يملكها في منطقة المنية، بهدف تأمين ملجأ لسيدة نازحة مع اثنتين من بناتها، وهنّ في أعمار لا تزيد عن 16 و17 عاماً. وعندما اشترط عليه عدم دخول وخروج أحد إليهن، أجاب بأن ليس لديهنّ أحد، فالوالدة أرملة، وتقوم برعاية بنتاها». يؤكد رضوان أنه «فوجئ بأحد المشايخ السعوديين في منزل الأرملة. وقد تكررت الحادثة، ما أجبرني على طرده من المنزل ليلاً، وأعطيت إنذاراً للسيدة بإخلاء المنزل مع بناتها في الصباح، وتبين لي أن الشيخ كان متزوجاً زواجاً غير شرعي من إحدى الفتيات، وعندما شاع الخبر قام بنقلها من مكان الى آخر فلجأوا الى منزلي كونه بعيد نسبياً عن أعين السوريين».
ويشير مسؤول «تنسيقية اللاجئين السوريين» في لبنان علي الكردي إلى «أن الغوص في هذا الملف يكشف الكثير من الأسرار، ويشير إلى تورط بعض الجمعيات التي تدعي أنها تكفل 2500 أسرة سورية نازحة إلى عكار، ليتبين لاحقاً أن كل ما يجري هو نوع من الدعاية».
يضيف: «نحن نطلق صرخة إلى القيمين في السعودية وإلى السفير السعودي بضرورة محاسبة من يقوم باستغلال حاجة النازحين، فيمارسون كل أنواع الضغط على الوالد لإجباره على تزويج بناته، وفي حال الاعترض يتم طرده وإذلاله، أما في يخص الفتيات اليتيمات فهن فريسة سهلة يتم استغلالهنّ وإغرائهن بالمال، قبل أن يتم التخلي عنهنّ، ورميهن في الشارع».
ويؤكد الكردي أنه «بعد خروج هذه الفضائح وتداولها علناً بين أوساط النازحين ووصول الأخبار إلى المدن والقرى السورية، التي ينحدر منها النازحون، إضطرت إحدى الجمعيات إلى اتخاذ تدابير شكلية من شأنها التخفيف من وطأة الموضوع، تجلت بإلصاق جميع التهم بأحد رجال الدين اللبنانيين والادعاء بطرده من عمله، في حين أن الوقائع على الأرض تشير إلى أن الأخير ما زال في موقع المسؤولية».
ويؤكد مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا، «أن دين الإسلام يرفض استغلال حاجات الناس، وما يحصل من حوادث هي نوع من أنواع الاستغلال وإن كان ظاهره زواج». ويشدد على «أن الزواج الشرعي يتطلب الاستمرار والديمومة، وحضور ولي الأمر إذا كانت الفتاة تحت السن القانونية، وشاهدي عدل، كما يجب أن يكون الهدف الاستمرارية وتكوين عائلة».
يضيف إن «المسؤولية مشتركة لأننا وبعد مــــتابعة عدد من الحالات تبين أن الاستغلال مشترك من طالب الزواج وبعــض أفراد العائلة»، ويشير إلى أن «النازحين بحاجة لكثير من الدعم والمطلوب تــــصويب تصحــــيح الخــــلل القائم، وإيـصال الأمانة إلى أصحابها».
تعليقات: